اعوج اعراب خبير محاسبي ومحافظ للحسابات

ضـرورة اعتماد اقتطاع الضّريبة بالنّسبــة للمتعـاملين الأجـانب من المصدر

سعيد بن عياد

بنهاية الخدمة يغادر بعض المتعاملين دون تسديد الضّريبة على أرباح الشّركات

  يوضع النّظام الضّريبي في صلب النّقاش الجاري في أعقاب أزمة الصّدمة المالية الخارجية، التي تمخّضت عن انهيار أسعار النفط وتراجع خطير لإيرادات الخزينة العمومية، ممّا يضطرها للبحث عن موارد بديلة أبرزها الضرائب والرسوم، التي تشكّل بدورها حديث العام والخاص في ظل حتمية إحاطتها بمعيار العدل والتوزيع المتكافئ للثقل.
وحول هذا الموضوع، يثير الخبير المحاسب ومحافظ الحسابات اعوج أعراب، مدى فعالية الإجراءات الضريبية المخصّصة للشركات الأجنبية العاملة بالسوق الجزائرية ضمن الصفقات العمومية للخدمات من حيث مدى خضوعها وحجم ذلك مقارنة بالأرباح التي تجنيها. ويدعو إلى تصحيح المعادلة وتعميق وضبط الإجراءات بما يحمي المصالح المالية للخزينة العمومية، ويوفر للدولة إيرادات كم هي بحاجة إليها اليوم.

يسجّل الخبير المحاسبي ومحافظ الحسابات اعوج اعراب، أنّ أزمة تراجع إيرادات المحروقات أظهرت وجود ضعف على مستوى النظام الضريبي، مشيرا إلى أن الجزائر القوية بتاريخها وشبابها وجغرافيتها، وكذا ثرواتها الطبيعية تواجه وضعية تستدعي استثمار كافة الفرص من اجل تأكيد موقعها على الساحة الدولية. ولعل الثروة البترولية ومواردها كانت السبب في عدم بناء نظام ضريبي اقتصادي مثلما يوجد في بلدان تحررت من التبعية للريع البترولي. وينطلق محدثنا في قراءته لمؤشرات النظام الضريبي من التغيرات السلبية للوضعية المالية بسبب أزمة انهيار أسعار البترول، التي بدأت مع سنة 2012 ليتقهقر إلى مستوى أدنى يشكل خطرا على التوازن المالي نهابة 2013. ويشير إلى أنّ قانون المالية لـ 2015 فرض ضريبة آلية على كل متعامل خاضع للضريبة يحقق رقم أعمال لا يتعدى 30 مليون دينار. ويضع هذا الأشخاص المعنويين في تعارض مع القانون التجاري، مما فأجأ المهنيين المعنيين ويحرم الخزينة العمومية من إيرادات معتبرة. بل أن عدم تطبيق الإجراء فورا لاحظنا ــ كما يقول ــ تأسيس العديد من الشركات من أجل تقليل رقم الأعمال لنفس الشخص المعنوي، وبالتالي الإفلات من الضريبة. وبحسب الخبير كان المعنيون ينتظرون إرساء مراجعة الضريبة الجزافية الوحيدة (IFU) في قانون المالية التكميلي 2015 أو قانون المالية 2016، لكن لم يحصل هذا لتستمر الحزينة في خسارة موارد مالية.
يمكن تجميع المتعاملين الاقتصاديين في 3 فئات لا تدفع إطلاقا أو ليس بشكل كاف الضريبة، ويتعلق الأمر وفقا لتشخيص الخبير المحاسبي بـ: أولا: متعاملين يتبعون الاقتصاد الموازي، ويمولون من السوق الموازية للعملة الصعبة، حيث يكفي وجود إرادة حاسمة لاعتماد مكاتب خاصة للصرف كما هو معمول به في كثير من البلدان مع تأطيرها بشكل جيد لمتابعة كل التدفقات. مثل هذا التنظيم يسمح بمتابعة حركة الأموال دون تعطيلها، ومن ثمة متابعة المبادلات التجارية التي تمثل مصدرا هاما لدخل الخزينة العمومية.
ثانيا: شركات الاستيراد الخالص (استيراد ــ استيراد) ويقال بشأنها انه بداية لا يمكن فهم ترخيص للأجانب غير المقيمين بالجزائر بإنشاء شركات استيراد، وبعضهم يستورد منتوجاته من شركته الأم التي تنتج خارج الجزائر. كما أن هوامش الربح هناك والعديد من تلك الشركات المنشأة بالخارج شركات تبيع بدورها لشركاتها بالجزائر، وهنا تحدث الفجوة في ظل عدم فعالية القانون حول أسعار الصرف بالعملة الصعبة.
ثالثا: الشركات الأجنبية غير المتواجدة بشكل دائم محليا، وتنشط في إطار الصفقات العمومية المستفيد الأكبر، وبهذا الخصوص يشير الخبير المحاسبي اعوج اعراب إلى أنه إلى غاية 31 / 12 / 1998، كانت هذه الشركات تخضع لنظام الاقتطاع من المصدر عن كل المداخيل الواردة من زبائنها الوطنيين. وكانت لهؤلاء المتعالمين رؤية واضحة، ومن ثمة يمكنهم التدخل في مشاريع على دراية وكانت الخزينة العمومية واثقة بتحصيل الضرائب المسطرة. لكن بعد تعديل القانون فيما بعد أصبحت الصفقات المتعلقة بالخدمات فقط التي تخضع لاقتطاع الضريبة من المصدر، مع إمكانية اعتماد النظام الضريبي العام. وإن كان القانون عرف تعديلا على مستوى النظام، فإنه لم يتغير على مستوى الإجراءات. لذلك، فإنه بالنسبة لصفقات الخدمات فؤن الجزائر تواصل دفع الضرائب والرسوم التي تقع أصلا على المؤسسات الأجنبية التي تنشط في السوق الجزائرية ضمن مشاريع الصفقات العمومية.
ويوضّح بهذا الصدد أنه في السابق ماعدا الرخص الخاضعة للاتفاقات الدولية الخاصة، فإن كل دخل يكسب في بلد يتمخّض عنه دفع ضريبة من طرف القائم بالانجاز في ذات البلد، والمديونية الضريبية مع الدخل يجب تسويته من هذا الأخير، ولذلك فإنّ دفع المديونية من الدولة أو من شخص آخر بدل الخاضع للضريبة، يجب أن يعتبر بمثابة دخل آخر يجب أن يخضع أيضا للضريبة. وإذا كان هذا يمكن تبريره في الماضي بسبب الجهل أو عدم الكفاءة أو اللاّمبالاة، فإنه لا يمكن تبريره اليوم خاصة بعد صدور قانون المالية 2009 الذي يتضمن في مادته 31 النص، على أن كل واحد يجب أن يدفع الضريبة والرسوم. غير أنّنا نلاحظ حاليا استمرار تلك الممارسة في إطار الصفقات العمومية للخدمات الخاضعة للضريبة في المصدر طبقا للمادة 156 من قانون الضرائب المباشرة والرسوم الشبيهة. وبالفعل فإنّ المتعهّدين في المناقصات الدولية (خاصة في قطاع الأشغال العمومية) يقدمون عروضهم خارج الرسوم (الرسم على القيمة المضافة) ولكن ليس خارج الهامش، كون هامش الربح مدمج ومستوى هذا الأخير هو الذي يحدث الفارق (بالقيمة) بين مختلف المتعهدين.
وبرأي محدّثنا منطلقا من رؤية تخص على المصلحة الوطنية، إذا كان القانون قد خضع للتعديل من حيث النظام الضريبي، فإنّ الأمر ليس كذلك بالنسبة للإجراءات وبالنظر إلى  الجزء الخاص بالعملة الصعبة (المشكل للفائدة) الذي يحول مباشرة إلى الخارج فان ليس لإدارة الضرائب الوطنية أي سلطة لاسترجاع ديونها لدى المتعامل الأجنبي، كون رقم العمال بالعملة الصعبة لتلك الشركات الأجنبية يشكّل محل تحويل آلي (أوتوماتيكي)، والشرط الوحيد الذي يفرض عليها أن تكون آنية في مجال الرسم على القيمة المضافة والرسم على النشاط المهني، ويكفي إصدار شهادة التحويل. وبنهاية الخدمة يغادر بعض المتعاملين البلاد دون تسديد أي مبلغ في مجال الضريبة على أرباح الشركات ليس للإدارة الجزائرية آية وسيلة لإرغامها. والحل في نظره انطلاقا من درايته للوضع في الميدان يكمن في العودة إلى اعتماد نظام اقتطاع الضريبة من المصدر بالنسبة للشركات الأجنبية التي ليس لديها وجود دائم وتنشط في إطار الصفقات العمومية، حيث يسمح هذا للخزينة العمومية بتحصيل موارد مالية أكيدة، كما يسمح برؤية أفضل للمتعاملين. ولذلك أعتقد انه من المفيد الذهاب إلى مراجعة عميقة للإجراءات ذات الصلة، وبشكل عاجل ضمن مراجعة شاملة للضريبة في مجملها من اجل القضاء على الإختلالات والفوارق وحماية حقوق الخزينة العمومية.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024