توفيق حسني مختص في شـؤون الطاقة

تراجــع الاستثمــار في الإنتــاج والتّنقيـــب عن البترول بلغ مستوى يثير القلق

حاوره: سعيد بن عياد

تنمية النّشاطات البتروكيماوية القاعدية بالشّراكة التّكنولوجية والتّمويل المباشر

يشخّص توفيق حسني المتخصّص في شؤون الطاقة تقلبات أسواق المحروقات التي تعاني من تخمة العرض مقابل تقلص الطلب، الأمر الذي يزيد حدة بعد عودة إيران إلى التصدير بعد إنهاء العقوبات الدولية عليها. غير أنه يعتبر أنّ الظرف يتطلب الرفع من وتيرة الاستثمار والتقليص من التكاليف في الإنتاج، خاصة على مستوى شركة سوناطراك التي يتطلب الظرف منها أن تتجه إلى تنمية صناعة البتروكيماويات مع تفتح صناعة المحروقات ومشتقاتها على المؤسسات الخاصة ذات الكفاءة. وتوصّل محدّثنا في هذا الحوار إلى أنّ المؤسسة الجزائرية يمكنها أن تخضع لمعيار التنافسية مع المؤسسات الأجنبية للتحكم في الكلفة والسيطرة على الهوامش من خلال اعتماد المعايير الاقتصادية القائمة على عنصر الإنتاج خارج المحروقات الذي يمكن بناؤه على تنمية قطاعات الفلاحة الصناعة.
❊ الشعب الاقتصادي: شكّل البترول مصدر ثروة للتّنمية وتحول إلى مصدر “ضرر”، لماذا وصلنا هذه الوضعية وما هي انعكاساتها على النمو؟
❊❊ توفيق حسني: لا أعتقد أنّ البترول انتقل من كونه ثروة إلى مصدر ضرر، فهو هبة من الله سمحت لنا من خلال معركة استرجاع ثرواتنا في ذات الـ 24 فبراير 1972 بكسب معركة البناء والتنمية، فكانت حقيقة جوهر استقلال البلاد. المشكل يكمن في ثقافة الريع البترولي التي خلفت انعكاسات يعرفها الجميع، خاصة بعد التخلي عن معركة البناء والعيش على انتصاراتنا.
وبطبيعة الحال حصلت التأثيرات على النمو بينما خلال تلك الفترة بداية السبعينات كانت لدينا طموحات باللّحاق بإسبانيا على الصعيد الاقتصادي، ولكن ليس لدينا اليوم للآسف ثلث ناتجها الداخلي الخام. إنّ أهدافنا أن يتضاعف هذا الناتج الداخل الخام خلال 15 سنة، ولذلك يجب إنجاز وتيرة نمو بنسبة 7 بالمائة وهي ضرورية.
❊ تعود إيران إلى السّوق بأكثر من 500 ألف برميل /يوم بعد رفع العقوبات الدولية عنها، ما هو تأثير ذلك خاصة من جانب الأسعار؟
❊❊ تأثير رفع العقوبات الدولية عن إيران بدأ يظهر مبكرا، ولذلك عرفت أسعار النفط الخام انهيارا إلى أقل من 30 دولار للبرميل. ويرتقب أن يؤدي هذا إلى ارتفاع في الإنتاج بشكل مضطرد وبالتدريج مع مستوى أولي بـ 500000 برميل / يوم.
لقد أدت استراتيجية السعودية إلى إغراق السوق بفائض يقدر بـ ٢ ، ١ مليون برميل / يوم في سنة 2015. ولم يسبق تسجيل ارتفاع للمحزونات كما هي عليه اليوم خاصة في فصل الشتاء الذي يعتبر فترة لزيادة معتبرة في الاستهلاك، الذي تراجع أيضا بسبب التغير المناخي وركود أغلب اقتصاديات البلدان.
وفي ظل هذا فإنّ القواعد الاقتصادية للسوق البترولية لا تترك مجالا كبيرا لاستئناف تحسن الأسعار في المدى المتوسط، خاصة وأن تراجع الاستثمار في الإنتاج والتنقيب عن البترول بلغ مستوى يثير القلق. وفي هذا الإطار، فإنّ توصيات قمّة التغير المناخي (كوب 21) التي جرت بباريس من أجل وقف استعمال الفحم في الاقتصاد في آفاق 2013 لا تحمل من جيد بالنسبة للطاقات التقليدية، كون الاستثمارات في الطاقات البديلة (المتجددة، النووية) جد مرتفعة إلى درجة تستدعي خشية الأسوأ بالنسبة للطاقات التقليدية.
بعض الفروع المتجددة وصلت إلى إلغاء الدعم مثل طاقة الرياح في بحر الشمال، يوجد عنصر سياسي آخر يتمثل في إرادة تركيع روسيا وإيران، وبالطبع إنها إرادة السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، ومع أن صناعتها البترولية تعاني، فإنّ أمريكا لا يمكنها وقف هذه الإستراتيجية في وقت تظهر فيه روسيا بوادر مؤشرات ضعف، علما أنه صحيح قد تحصلت بالمقابل من السعودية تعويض العجز في الصناعة البترولية الأمريكية. مثل هذه الوضعية لا يمكن سوى أن تزعجنا، ذلك أن التوجه لا يبدو يسير نحو الانحناء، وأعتقد أنّ فترة السنتين للانخفاض المعلنة من البعض تبدو لي الحد الأدنى.
الانعكاس الآخر لعودة إيران يتعلق بالغاز، فإيران هي الاحتياطي الغازي الثاني عالميا. إستراتيجية قطر التي تعدّ أول منتج للغاز الطبيعي في العالم تثير أيضا القلق، علما أن قطر قامت - من أجل عقودها في الغاز الطبيعي مع الهند - بتخفيض أسعارها إلى النصف لتنتقل من 12 / 14 دولار / برميل إلى 6 / 7 دولار، مع إلغاء شروط العقد طويل الآجل. ويخضع هذا لاستراتيجية ربح حصص من السوق مثلما قامت به السعودية في البترول بوضع هدف سياسي بإضعاف إيران وروسيا. والانعكاس بالنسبة إلينا كبير، حيث قد نتعرّض للإقصاء من سوق الغاز الأسيوية، ويحتمل أن تسجل انخفاض الإيرادات مستوى يثير القلق والانشغال.
وللحديث عن الوجهات هذه بعض الأرقام، بالنسبة للبترول الخام، فإنّه يجب العلم أنّ السعر فقد 53 بالمائة في 2015 أي 49 دولار للبرميل، بينما ارتفعت المخزونات بـ ٧٢ ، ١ مليون برميل / يوم. وبخصوص الغاز فإنّ السعر انخفض في الولايات المتحدة الأمريكية من ١ ، ١٠ دولار إلى ٣ ، ٧ دولار لـ MMBTU (وحدة قياس بريطانية)، كما انهار الغاز الطبيعي المميع باليابان بـ 53 بالمائة من 16 إلى ٤ ، ١٠ دولار MMBTU، بل بلغ 8 , 8 دولار في ديسمبر الأخير.
❊ أمام هذه الوضعية الصّعبة، كيف يمكن التعامل معها للحد من الخسائر المالية دون التأثير على الاستقرار، وأين يكمن الحل الاقتصادي؟
❊❊ لا يمكن تحديد الخسائر المالية، لكن بالتأكيد أن التحدي الذي تواجهه مؤسسة سوناطراك أصبح كبيرا، ومن ثمة يجب تقليص تكاليف الإنتاج بأقل الوسائل المالية مقارنة بالسابق.
ومن شأن هذا أن يسمح بالحفاظ على حصص في السوق، ويلوح في الأفق خطر أمام سونطراك بخصوص العقود طويلة الأمد والتوجه إلى عقود آجلة، وهو ما يسعى إليه بعض البلدان الأوروبية التي بدأت تدفع إلى هذا التوجه.
❊ ما هو تصورّكم لإنجاز اقتصاد إنتاجي خارج المحروقات، وإلى أيّ مدى تقوم فيها مسؤولية المؤسسة الجزائرية العمومية والخاصة؟
❊❊ بمجرد أن نتناول موضوع التنمية خارج المحروقات يجب الرجوع إلى بديهية أن المؤسسة العمومية الجزائرية تتقلص إلى الصفر. ومعلوم أن قطاع المحروقات خاضع كلية للقطاع العام، ومن ثمة يجب قبول خيار أن التنمية خارج المحروقات تتم مع المؤسسات التابعة للقطاع الخاص.
بالنسبة للمؤسسات العمومية مثل سوناطراك ينبغي بالتأكيد أن تعود إلى وظائفها الأصلية، كون التحديات التي تنتظرها لا تسمح بتبديد الموارد النادرة التي لا تزال لديها في أشياء أخرى. وفي هذا الإطار ينبغي لسوناطراك أن تعمل على تنمية النشاطات البتروكيماوية القاعدية، وهي أساسية وتتطلب شريكا تكنولوجيا يوفر التمويل والدخول إلى السوق، علما أن البتروكيمياء والمحروقات يمكنها أن تساهم بنسبة 50 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، غير أن هذا التوجه يتطلب أن يتمخّض برنامج البتروكيمياء عن دراسة للسوق في المنظور المستقبلي للقطاع. ويجب العلم أن البرنامج البتروكيمياوي المتروك للقطاع الخاص، حتى وان لا يتطلب استثمارات ضخمة لكل مشروع يكلف 3 مرات أكثر من البتروكيمياء القاعدية، ويساهم بذلك أكثر من برنامج سوناطراك في النمو الوطني، بمعنى أن الباقي مهم. فالقطاع الخاص يمكنه من خلال الفلاحة والصناعة تعويض الجانب الذي يخسره الاقتصاد الوطني بينما لا يمكن للسياحة أن تساهم في أفضل الحالات سوى بـ 4 أو 5 بالمائة من النتاج الداخلي الخام بوسائل أكبر من أجل الوصول إلى نتيجة في المدى القصير. وهذا ممكن لكن مع اعتماد إصلاح حقيقي للميكانيزمات المالية، ويتمخّض عنه مزيدا من الحوكمة ومراقبة أفضل من الدولة.
❊ في وضعية أزمة ترهق الاقتصاد، من المفروض أن يقوم المتعاملون الاقتصاديون بمراجعة هوامش الربح، هل توجد لدى المتعامل المستثمر الجزائر هذه الثقافة؟
❊❊ بالتأكيد إنه واضح أن المؤسسة المنتجة للثروة تختلف عن تلك التي تعيش في ظل الريع. ويعني هذا أن المؤسسة الجزائرية مطالبة بان تحترم التسيير الراشد (الحوكمة)، ويجب أن تكون في صميم إستراتيجية التنمية مع اعتماد المعايير في صلب كل الاستراتيجيات التي تقوم عليها المؤسسات. ومن ثمة ينبغي أن تتحول إعادة التأهيل إلى هدف كبير للوزارات المعنية.
 والحقيقة أنه من خلال التنافسية مع المؤسسات الأجنبية يمكن للمؤسسة الجزائرية أن تتعلم التحكم في هوامشها وتأطيرها. وبالطبع فإن الثقافة القائمة لم توجه أبدا نحو عودة الاستثمارات في المدى المتوسط بتشغيل الأرباح، ولذلك أعتقد أن الأزمة الحالية سوف تقود إلى تنظيف الساحة، بحيث أن المؤسسات غير الناجعة سوف تختفي وتلك الجديدة تتلاءم مع المؤشرات الراهنة، غير أنه يجب أن تحظى في نفس الوقت بالمرافقة لتصمد في الساحة.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024