الأوّل نبذة عن حياته والثاني عن فلسفة الاختلاف في فكره

إصداران جديدان يُثريان مكتبة الأمير عبد القادر

أسامة إفراح

 

صدر حديثا عن دار “ألفا للوثائق”، كتابان جديدان يسلطان الضوء على جوانب من حياة وفكر الأمير عبد القادر الجزائري. الكتاب الأول بعنوان “نبذة عن حياة الأمير عبد القادر وأسرته” لمؤلفه د. تقي الدين بوكعبر، الذي اشتغل فيه على مخطوط للشيخ محمد السعيد، الأخ الأكبر للأمير.. أما الكتاب الثاني فهو من تأليف د. حمو فرعون، المتخصص في الأنثروبولوجيا الدينية، وحمل عنوان “فلسفة الاختلاف في فكر الأمير عبد القادر الجزائري”.

أصدرت دار “ألفا للوثائق” كتابين جديدين يتناولان جوانب من حياة الأمير عبد القادر الجزائري وآثاره، أولهما تحقيق في مخطوطة لأخيه الشيخ محمد السعيد، والثاني عن فلسفة الاختلاف في فكر الأمير.
عـــن حيـــاة الأمـــير وأسرتـــه..
«نبذة عن حياة الأمير عبد القادر وأسرته” عنوان الكتاب الصادر في 174 صفحة، لمؤلفه الدكتور تقي الدين بوكعبر (جامعة وهران 1). وللكاتب مؤلفات عديدة نذكر منها “أبحاث وأراء في تاريخ معسكر، الفترة الحديثة 1519 ـ 1830م” (2020)، و«المجموع الميسّر لمدونات الأنساب والتراجم بفضاء الراشدية معسكر” (2022)، و«نيل الأماني ونشر التهاني في ترجمة الشيخ مصطفى بن التهامي البوعمراني” (2022).
وقد قدّم لهذا الكتاب الدكتور رريب الله حاج أحمد، الذي اعتبر أن شخصية الأمير عبد القادر ومساره السياسي والصوفي وتراثه الأدبي ما تزال تلهم الكتّاب والمؤلفين على اختلاف مشاربهم في عديد الأجناس الأدبية والعلمية، وفي الجهات الست للكوكب، ولا يخفى أن دراسة شخص الأمير يدفعنا إلى التنقيب في حيثيات تنشئته الأسرية والاجتماعية وظروفه التربوية، وبيئته التي أكدت وجسدت الانتماء لإحدى الهويات العريقة التي تشكل معالم هذا الوطن التليد.
من جهة أخرى، يرى حاج أحمد أن المؤلف انبرى للكتابة المحلية برقعة غريس وما حاذاها، وهو ابن عقر الراشدية مدينة معسكرـ وحمل على عاتقه كبر هذه المسؤولية وهذه الأمانة وتجشم أعباءها، وجرّد قلمه خدمة لتراث هذه المنطقة الزاخرة بأعلامها وعلمائها.
ويدخل هذا الكتاب الجديد في تكملة المساعي الحثيثة من أجل استظهار رجال الأمير، يقول حاج أحمد، مضيفا: “اعتمد المحقق تقي الدين بوكعبر على مراجع عربية ووثائق أجنبية في عكوفه على خدمة هذه المخطوطة، وفي انكبابه على هذا العمل المجدي، وعمل جادّا على تخريج الآيات والأحاديث الواردة في نص المخطوط، وحوّل التاريخ الهجري إلى التاريخ الميلادي، وقسّم نص التقييد إلى فقرات حسب مضمونها مع مراعاة جوهر المتن، وجعل لكل فقرة عنوانا فرعيا تعميمًا للفائدة”.
والمخطوط للشيخ محمد السعيد، وهو أخ الأمير عبد القادر وبِكر الشيخ محيي الدين، من زوجته أوريدة بنت سيدي الميلود، له خمسة إخوة، وهم: مصطفى، وعبد القادر (الأمير)، وحسين، وأبو بكر، وأحمد (أصغرهم). وكانت اهتمامات الشيخ محمد السعيد مركزة على علوم اللغة والحديث والكلام والتفسير والفلك، وقد ناب عـن والده في القيام على شؤون زاويتهم لما توجه إلى المشرق في رحلته الحجية التي دامت قرابة ثلاث سنوات قبيل الغزو الفرنسي للبلاد، وخلَفه متصدرا مشيخة القادرية بعد وفاته سنة 1833. ويعتبر الشيخ محمد السعيد الحلقة المعقودة بين والده الشيخ محيي الدين، وأخيه الأمير عبد القادر عائليا بحكم سنه، ويمثل أيضًا عروة الإيثاق بين المغرب والمشرق في إطار تواصل القادرية بينهما على مدى الأحقاب المتعاقبة.
وعمومًا، كان الأمير يستشير أخاه محمد السعيد في أمور العائلة والسياسة والجهاد، نُفي معه بفرنسا والتحق به في دمشق، الّتي عاش بها إلى توفي سنة 1278هـ ـــ 1862م عن عمر 63 سنة، ودفن بسفح قاسيون في مقبرة ذي الكفل.
وقد فهرست المكتبة الوطنية الجزائرية نسخة هذا المخطوط بعنوان: “نبذة عن حياة عبد القادر وأسرته”، وذلك لتضمّنه ما يحيط بالأمير وأسرته ونسبه ومساره.
وتناولت الرسالة حياة الشيخ محيي الدين ومبايعة ابنه عبد القادر، وحربه وسلمه مع جيش الاحتلال، ومسألة توقيفه للقتال… ودوّنها محمد السعيد على مرحلتين؛ وهو سجين بقصر أُومبواز بفرنسا، في سبتمبر 1848، وعلّق عليها لما أطلق سراح الأمير وانتقـل إلى بورسة، وفرضت عليه وعلى بقية إخوة الأمير الإقامة الجبرية بعنابة بالجزائر يوم 9 أوت 1852 حيث قال في متنها: “أطلق الله سراحنا مـن أرض افرانصه يوم الثّلاثاء الثّالث والعشرين من شوّال، ونزلنا بعنّابة ثالث ذي القعدة الحرام من عام ثمانيّة وستين وألف ومائتين”.
وأخذت أحداث وحروب الأمير مع سلطان المغرب الأقصى حيّزًا كبيرًا من مجمل الرّسالة، حيث تطرق الشّيخ محمّد السّعيد إلى خلاف الأمير مع السلطان العلوي، وحروبه مع ولديه الكبير مولاي محمد والصغير مولاي أحمد، بإسهاب مقارنة بالأبواب الأخرى، ومعركة وادي عجرود أواخر سنة 1847 حيث فقد أخاه سيدي أبي بكر، وسنه وقتئذ تسعة عشر سنة، وأُسِر ابنه سيدي محمد الصادق، وكان نظيره سنًّا. وهُلِك تحت الأمير أربعة جياد حينها، واستشهد فيها قائده الشهير محمد بن يحيى، حسب “تحفة الزائر”.
ويظهر ثناء الشيخ على أخيه الأمير عبد القادر في السرد بالإمام تارة وبالمجاهد تارة أخرى، ويزوّدنا عن الطريقة القادرية إذنها بالجزائر سندها وأورادها، وأضفى ترجمة خاصة لسيدي عبد القادر الجيلالي في المتن، وأقحم الموضوع بالأخبار والأشعار ونظرته الدينية، ممّا جعل المتن حقلًا زاخرًا من النّاحيّتين الأدبية والفقهية.
وقد أرفق النّبذة برسالة فقهيّة تحمل عنوان: “ما جرى به العمل من أن الابن لا يجتمع مع أبيه أو صهره أو شيخه في وجود ولده أو زوجه”، تقع في أربع لوحات.
الأمـــــير وفلسفـــــــــــة الاختـــــــــــــلاف
«فلسفة الاختلاف في فكر الأمير عبد القادر الجزائري” هو عنوان الكتاب الثاني الصادر حديثا عن دار “ألفا للوثائق”، لمؤلفه الدكتور حمو فرعون، المتخصص في الأنثروبولوجيا الدينية (جامعة مستغانم).
ويقدم الكتاب، في 236 صفحة، تحليلاً عميقًا للمفاهيم والأفكار التي صاغها الأمير حول الاختلاف، مما يساعد على فهم أعمق لتفكير عنه وتأثيراته على الثقافة والفكر. وبالإضافة إلى ذلك، يعتبر هذا الكتاب مساهمة مهمة في توثيق فكر الأمير عبد القادر وتحليله بشكل مستفيض، مما يسهم في تعميق البحث الفلسفي والعلمي.
ويعتبر مدير مخبر الدراسات الاتصالية والإعلامية وتحليل الخطاب، الدكتور العربي بوعمامة، أن إصدار هذا الكتاب في إطار منشورات المخبر يعتبر إضافة نوعية للمكتبة الفلسفية والسياسية، فهذا المرجع يسلط الضوء على جانب مهم في فلسفة الأمير عبد القادر، ويقدم عرضا لحياته ومسيرته الفكرية والسياسية. حيث يتناول الباحث أهم محطات حياة الأمير، بدءًا من مراحل شبابه وتعليمه، مرورًا بمساره السياسي والعسكري، وصولاً إلى فترة تأسيسه للدولة الجزائرية الحديثة، كما يسلط الضوء على مؤلفاته وتأثيرها على الفكر العربي والإسلامي، وكيف أنها تعكس تطور فلسفته الخاصة.
ويضيف بوعمامة أن الباحث قام بتحليل عميق لبنية فلسفة الاختلاف عند الأمير، وتناول تفكيكًا لمفاهيم الاختلاف، بدءًا من تحليل الدلائلية الفلسفية للأمير وجينيالوجيا هذه الفلسفة، مرورًا بتحليل محددات الاختلاف وقواعد التأصيل الابستيمولوجي لفلسفته. كما قدم رؤى متعمقة حول كيفية تشكيل الأمير لفلسفته الخاصة حول الاختلاف وتأثيراتها على فهمه للعالم وللحكم، وسلط الضوء على تجليات فلسفة الاختلاف ونتائجها في فكر الأمير عبد القادر. وتناول الكتاب العديد من المظاهر التي تجسد فلسفته حول الاختلاف، مثل الألوهية كمظهر للاختلاف الأنطولوجي والحقيقة المحمدية كمحدد للاختلاف وغيرها، كما استعرض تأثيرات فلسفة الاختلاف على الإنسان الكامل وعلاقته بالهوية والاختلاف في مختلف جوانب حياة الأمير العملية، مع استعراض النقاط الرئيسية التي تم التوصل إليها خلال الدراسة، وتبيان الجوانب الأكثر أهمية وتأثيرًا في فهم القارئ لفلسفة الاختلاف وعلاقتها بالأمير.
وقد أوكل تصدير وتقديم للأستاذ الدكتور بوزيد بومدين، وفيه يقول: “يُجالس الزميل الدكتور حمو فرعون الولي والفيلسوف العارف بالله الأمير عبد القادر الجزائري في تأمّلاته العرفانية والفلسفية، ويَدخل خلوته ليتذوّق أسراره ويَنعم بفيوضاته في هذا الكتاب الذي نَسعد بتقديمه للقرّاء والعارفين لفهم (الاختلاف) عند الأمير، ليس بتأويل متعسّف لنصوص ومواقف الأمير الفكرية والفقهية وحياته الجهادية والسياسية أو محاولة الادعاء أن الاختلاف في الفلسفة المعاصرة منشأه الأمير عبد القادر، ولكن ليتلمس بعضاً من تلك المعاني في نصوص الأمير من خلال مفاهيم صوفية لها معجميتها الدينية والتاريخية والأنثربولوجية مثل (الحقيقة المحمّدية) و(الألوهيّة) و(الإنسان الكامل)”.
ويقول بوزيد بومدين إن الكاتب، في كتابه هذا، “مسكون بهاجس عصري يتعلق بالتنوع الثقافي والتعايش وقيم التسامح، وكما كتبت في بعض مقالاتي عن الأمير عبدالقادر: فإنّ (خِطاب التّعايش) في النّص الأميري وفي تجربته التّاريخية كقائد سياسي وعسكري وشيخ روحي تشكّلت من خلال مجابهة (الكراهية) التي تجسّدت عاطفة وإيديولوجية في الاستعمار البغيض، وقد كانت حربه عادلة حضرت فيها القِيم الإنسانية -رغم ما وقع أحياناً من بعض خلفائه من أخطاء اعتذر عنها- كما جابه (كراهية القبلية) التي عانى منها ولم تستطع القبائل أن تتوحّد كأمة ورفض بعضها شكل (الدولة الحديثة) الذي كان يسعى إليه الأمير فقد أراد نقل (التعايش القبلي) إلى (تعايش أمّة) بأطيافها وأصولها وأحلامها، فكانت البيعة رمزية دينيّة وسياسيّة تجاوزت الانتماء القبلي إلى الانتماء العلمي – أي حسب مبلغ كل عضو في مجلس الشورى  من العلم-”.
وأضاف بومدين أن رؤية الأمير للتعايش والأخوة الدينية والإنسانية صَقلها التكوين والتجربة التاريخية، ففي مجال التكوين النفسي والعقلي كانت (العقيدة الأشعرية) و(الصُّوفية الجنيدية ـ القادرية) الفضاء الثقافي والتربوي الذي يدعو إلى الوسطية واجتناب التكفير وتطهير القلب من كل ضغينة أو مما أسماه الإمام الغزالي في كتابه الشهير “الإحياء”، “ربع المهلكات”، وسوف يكون لإمام المدرسة النظامية الحضور في بعض نصوص الأمير، لكونه أشعرياً وصوفياً ومنهجه (الصّبر) كقيمة أخلاقية ونفسية، وهو ما اعتمده بعض المتصوفة الجزائريين الذين رابطوا في سواحلنا التي احتلّ بعضها الإسبان، وفي دمشق سوف يكون التماهي والاندماج مع (النّص الحاتمي)، فقد كان بعد خروجه من الجزائر وسجنه بفرنسا في حاجة إلى (فتح جديد) به تتنزّل الفيوضات الرّبانية وتكون أنْفُسُ الخلْق صورة الله في الأرض ـ بعبارة شيخه محي الدين بن عربي -، هكذا يعايش الذّاكرة والواقع والمستقبل.
واختيار الباحث نصوص “المواقف” وربطها بحياته وجهاده يعطي أهمية للتحليل والمقاربة، يؤكد بومدين، كما أن “مواقف” الأمير الصوفية والفهميّة للقرآن الكريم تجلي لنا فهم التكوين الصوفي والفقهي والكلامي للأمير ولبعض مراحل حياته، وإن “الموقف” الأوّل يكثّف رؤيته التأويلية للقرآن الكريم وللحقيقة المحمدية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19760

العدد 19760

الثلاثاء 29 أفريل 2025
العدد 19759

العدد 19759

الإثنين 28 أفريل 2025
العدد 19758

العدد 19758

الأحد 27 أفريل 2025
العدد 19757

العدد 19757

السبت 26 أفريل 2025