الدكتور بن صايم بونوار من جامعة تلمسان لـ «الشعب»:

مفاوضات جنيف خطوة في طريق تسوية القضية الصحراوية

حاورته: إيمان كافي

تقف «الشعب» في حوارها مع الدكتور بن صايم بونوار، أستاذ العلاقات الدولية، بجامعة أبو بكر بلقايد بتلمسان،عند التطورات التي تشهدها القضية الصحراوية وتحديدا عند المفاوضات التي تلتئم، اليوم، بالعاصمة السويسرية جنيف بين المغرب وجبهة البوليساريو والتي ترمي الى إعادة تحريك العملية السياسية المتعثرة منذ سنوات، وتطبيق مقرّرات الأمم المتحدة التي توصي بتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره.   خلص الدكتور بن صايم في حديثه، الى أن حق الشعوب في تقرير مصيرها مبدأ منشئ للأمم المتحدة لا يتقادم و لا يقبل التجزئة، ولأجل ذلك فإن أيّ تجاوز لحق الصحراويين في الإدلاء برأيهم السيّد حول مستقبلهم ومصيرهم سينتهي حتما بنسف جهود التسوية وقد يدفع نحو خيارات راديكالية بينها العودة الى حمل السلاح الذي يسعى الجميع الى تجنبه.

»الشعب»: تنطلق اليوم مفاوضات جنيف حول الصحراء الغربية، والتي ستجمع طرفي النزاع بغية التوصل إلى حل ينهي الصراع القائم بين  الاحتلال المغربي وجبهة البوليساريو، ما هي قراءتكم  لهذا اللقاء، ما هي أهدافه، وهل بإمكانه تحريك مسار التسوية المعطّل بفعل التعنت المغربي؟
 الدكتور بن صايم بونوار: بعد جهود دبلوماسية حثيثة ومتواصلة تمكّن المجتمع الدولي من دفع الأشقاء المغاربة والصحراويين للجلوس الى طاولة المفاوضات، وهو لقاء يأتي في ظرف مناسب، نتاج وصول النزاع في الصحراء الغربية لمرحلة قريبة من الإنسداد، بعد تعطّل المسار التفاوضي منذ 2008 من جهة، ومن جهة أخرى نتاج تنامي التهديدات الأمنية في منطقة المغرب العربي والساحل الإفريقي، الأمر الذي يستلزم الكثير من الحكمة في إدارة ومعالجة هذه القضية.
ككل المحطات السابقة، يهدف هذا اللقاء إلى تقريب وجهات نظر الطرفين المتنازعين وهما المملكة المغربية وجبهة البوليساريو حول أفضل السبل للوصول إلى تطبيق مقررات الأمم المتحدة ومطالب المجتمع الدولي وتمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير مصيره؛ وككل المساعي الدبلوماسية، فإن اللقاء بإمكانه دفع مسار التسوية في اتجاه الحل النهائي، على الرغم من التشاؤم السائد في الأوساط المهتمة بالملف نتاج تمسك المملكة المغربية بالحل خارج مقررات الأمم المتحدة، لا سيما خيار الحكم الذاتي الذي تروّج له بقوة.

أي حل يتجاوز حق الشعب الصحراوي لن يتكلّل بالنجاح

يعلّق المراقبون آمالا كبيرة على جولة  المفاوضات هذه، التي أوصى بها مجلس الأمن في قراره رقم 2440، في حين أن المغرب يصّر على سد كل منافذ الشرعية بإصراره على أن الحل الوحيد الذي سيقبل بمناقشته هو خيار «الحكم الذاتي»، ما تعليقكم؟
@@ لا يمكن بأي حال من الأحوال القفز على مسار طويل من الهيكلة التي عرفها النزاع في أروقة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية كالإتحاد الإفريقي والعودة بالنزاع إلى خانة الانطلاقة، حيث أن هذا المسار أفضى به إلى أن يكون نزاعا مهيكلا ضمن اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة والمعنية بتصفية الإستعمار، هذا هو الواقع السياسي والقانوني للقضية، وأي حل يتجاوز حق الشعب الصحراوي في الإدلاء برأيه السيد في مستقبله ومصيره لن يتكلل بالنجاح، وكل اقتراح يتقدم به أي طرف معني بالنزاع لا بد أن يتناغم مع الشرعية الدولية، فحق الشعوب في تقرير مصيرها مبدأ منشئ للأمم المتحدة وأحد مبادئ العلاقات الدولية المعاصرة ومن أهم الأعمدة التي يقوم عليها المجتمع الدولي، ولأجل ذلك هو مبدأ لا يتقادم ولا يقبل التجزئة.
ما الدور الذي يمكن لدول الجوار الحاضرة في جنيف أن تلعبه للمساعدة على إنجاح اللقاء الذي يرعاه المبعوث الأممي هورست كوهلر؟
 دول الجوار كعادتها تلعب دور المراقب والمسهّل للحوار، وكذا إبداء الآراء بصفة استشارية، على اعتبار التاريخ والجغرافيا أساسا، ولكن أيضا على اعتبار مسؤوليتها في تسهيل عملية إيجاد مخارج سياسية تضمن حقوق طرفي النزاع، لا سيما الطرف الذي تعتقده مهضوم الحقوق، وعليه فالجزائر وموريتانيا ستكونان كالعادة في خدمة التسوية السياسية السلمية للقضية في إطار كل القرارات واللوائح الأممية، وفي إطار التفاهمات السابقة بين طرفي النزاع والتي راقبتها الدولتان أيضا.
يصرّ المغرب على خلط الأوراق بإصراره على إقحام الجزائر في نزاع لا يخصّها، إلاّ من حيث أنه مسألة تقرير مصير تخصّ شعبا جارا، ما تفسيركم لهذه الإستراتيجية؟
 إستراتيجية المغرب في محاولة الزّج بالجزائر كطرف في النزاع أصبحت مألوفة دبلوماسيا وإعلاميا، وقد استفادت المملكة المغربية الشقيقة من عنصر هام لم يعد مألوفا في السياسة الدولية، وهو ثبات ووضوح مواقف الجزائر، فكون الجزائر دولة ذات قيم ومبادئ -موروثة من حركة تحررية خاضها شعب بأكمله ارتضى لنفسه إجراء استفتاء لتقرير مصيره بعد حرب ضروس دفع فيها الغالي والنفيس- أمر أصبح نادرا جدا في عالم اليوم، ولو كانت الجزائر تتاجر بحقوق الشعب الصحراوي لما أمكن الحديث عنها كطرف في النزاع، لكن الجميع بما فيه المغرب يعلم بأن جبهة البوليساريو هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، وقد اجتمع الوفدان في ثلاثة عشر جولة مفاوضات معترفين ببعضهما البعض كطرفين في المشكلة وكطرفين في الحل.
دعوة غير متوقعة فاجأ بها المغرب الجزائر قبل أيام من موعد جنيف للانخراط في حوار ثنائي، ما القصد من هذه الدعوة ولماذا جاءت في هذا الظرف بالذات؟
 لا أعتقد بأنها غير متوقعة، هناك العديد من الأسباب التي أمكنها الدفع بالمغرب لإطلاق الدعوة مجددا لحوار مباشر وصريح مع الجزائر وتطبيع العلاقات الراكدة منذ فترة، فالركود الإقتصادي شرقي المملكة وتنامي التهديدات الهجينة في المنطقة ورغبة القوى الكبرى وتنامي خيارات عسكرة النزاع وتقلص دور بعض الدول العربية في دعم المملكة، كلها أسباب تدفع الجانب المغربي للبحث عن انفراج العلاقات الثنائية، لكن تزامنها من بعث مفاوضات التسوية لقضية الصحراء الغربية قد يغذّي الشكوك بوجود مناورة سياسية لخلط الملفين معا، ضف إلى ذلك أن الجزائر حريصة على أن تتم المبادرات بين الطرفين في الأطر الرسمية وليس عبر المنابر الإعلامية.

تطبيق قرارات الشرعية الدولية مبدأ ثابت للجزائر

بعد المبادرة المغربية، دعت الجزائر إلى إلتئام مجلس وزراء خارجية المغرب العربي، ما العلاقة بين الدعوتين، وهل تتوّقعون بأن الاتحاد المغاربي سيستعيد نشاطه قريبا؟
 تريد الجزائر وضع العلاقات الثنائية في الأطر المؤسساتية والتنظيمية التي تنتمي إليها، واتحاد المغرب العربي هو الإطار الأنسب لذلك، على اعتبار أنه البنية الوحيدة التي يمكن أن تذوب فيها مصالح الدولتين وعلى اعتبار أنه الخيار الإستراتيجي لكليهما؛ الجزائر منذ استقلالها تفضّل العمل متعدد الأطراف على العمل الثنائي، كما أن تجربة الجزائر في العلاقات الثنائية جعلتها حريصة على خلق الظروف التي تثبط الدول من التنصّل من التزاماتها والتفاهمات التي تعاقدت عليها، وقد مرت العلاقات الثنائية للأسف الشديد بحالات من التنصل من الإلتزامات عبر القرارات الفردية والأحادية الجانب، ولا أعتقد أن السلطات الجزائرية قد نسيت ذلك.
لكن الدول ملزمة بالإستعانة بالتاريخ لأجل بناء غد أفضل وليس لحفظ الضغائن والأحقاد، ولأجل ذلك يمكن التفاؤل بمستقبل البناء المغاربي نسبة إلى مدى تجاوب المغرب مع الدعوة الجزائرية، وهي دعوة تهدف أساسا إلى عزل تأثيرات قضية الصحراء الغربية على مسار التكامل المغاربي أولا، ثم ثانيا الإبقاء على الأمم المتحدة كإطار عام للتسوية، وثالثا تفعيل دور باقي دول المغرب العربي في إيجاد الحلول التي تهمّ الدول الخمس.
لقد ظل المغرب يعرقل جهود التسوية في الصحراء الغربية، ويستقوي على الشرعية الدولية من خلال تواطؤ بعض الدول الغربية من جهة، وعدم صرامة الأمم المتحدة من جهة ثانية، كيف السبيل إلى حل هذه الإشكالية؟
لا يمكن لوم المنظومة الأممية، لأنها بدورها تشتكي محدودية هوامش حركتها خارج إرادة القوى الكبرى، خاصة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والمتمتعة بحق النقض، وبدرجة أكبر الدول الغربية الثلاث منها، فمصالح تلك الدول تحدد إلى مدى بعيد الدور الذي يمكن أن تلعبه الأمم المتحدة في تسوية المسألة الصحراوية، ومن جهة أخرى ترتبط المملكة المغربية مع الولايات المتحدة وفرنسا بمصالح متشابكة تأخذ الطابعين الرسمي وغير الرسمي، وقضايا تنفرد المملكة في التوافق معهما حولها، كمسائل القواعد العسكرية الأجنبية، واللوبينغ وغيرها، والجزائر لا تقبل أبدا الدخول في سباق لهكذا تنازلات تمس بالسيادة الوطنية وبالمصالح الإستراتيجية المغاربية، ولا سبيل غير التفاوض السياسي والحوار والسعي لإقناع جميع الأطراف المباشرة وغير المباشرة في النزاع، وماعدا ذلك فهو تنمية لخيارات استخدام القوة لحل النزاع، وهو ما لا نأمله جميعنا.
أمام مناورات المحتل، أي سبيل على الصحراويين نهجه لاسترجاع حقهم المغتصب؟
هذا هو السيناريو الذي نتشاءم منه، حالات الإنسداد التي يمكن أن تعرفها النزاعات الدولية لا تخدم سوى الأصوات الداعية لضرورة استعادة الحقوق بالقوة، مثلما سلبت بالقوة، فصبر الشعوب يمكن أن يكون كبيرا وطويلا في الزمن، لكنه لا يمكن أن يكون أبديا، وشعوب المنطقة أدرى بذلك لأنها ثارت ضد إمبراطوريات عمّر بعضها لقرون في المنطقة كالرومان والبيزنطيين والإحتلال الفرنسي، ولا يؤدي تجاوز حقوق الشعوب، إلا إلى تغذية النزعة الراديكالية لحل مشاكلها ومن ثمة تنامي خيارات استخدام السلاح، وهو ما لا نأمله لشعبين شقيقين لنا، نتقاسم سويا الماضي والحاضر والمستقبل.
كلمة أخيرة
 لا يسعني في الأخير إلا أن أتمنى كـ «مواطن مغاربي» أن تتم تسوية مسألة الصحراء الغربية بصفة سلمية ووفق ما يخدم شعوب المنطقة ويتناغم مع الشرعية الدولية، الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر الإلتزام بتمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في اختيار المستقبل الذي يرتضيه، وسنكون كلنا ملتزمين بخياره أيا كان، ومباركين لجميع الأطراف الشجاعة في القبول بما يفرزه هذا الخيار؛ كما لا يسعني أيضا إلا أن أشكركم وأشكر مؤسسة «الشعب» الإعلامية العريقة على هذه الفرصة للقائكم ولقاء قرائكم الأعزاء.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024