أفل نجمها سريعا مثلما سطع

المعارضة السّورية تختفي من المشهد بعد أن أنهت مهمّتها

فضيلة دفوس

عجيبة فعلا أطوار الأزمة السورية، فتفجّرها في ربيع 2011 كان بسبب رغبة بعض المعارضة وإصرارها  على تنحية  الرئيس بشار الأسد بقوة السلاح، لكن مسارها قاد بعد ست سنوات إلى هدف مغاير تماما، فلم يعد رحيل الأسد مطروحا بالمرة، والحرب الدائرة في بلاد الشام لم تعد تستهدفه تماما، بل لقد أصبحت تطارد تنظيم الدولة الإسلامية الارهابي الذي استغل الفوضى الأمنية، وأقام دولته الدموية هناك بإيعاز من الجهات التي صنعت الربيع الدموي، وتسعى إلى تدمير الوطن العربي قبل تفتيته.

لست أدري متى وكيف تحوّلت الأزمة في سوريا من صراع تخوضه المعارضة ضد نظام بشار الأسد قصد الإطاحة به والاحلال محلّه، إلى حرب يخوضها النظام السوري ضد إرهاب «داعش»، لكن كل ما أدريه أن المعارضة المأجورة التي كانت بمثابة عود الثقاب الذي ألهب سوريا، سرعان ما انسحبت إلى ما وراء الستار بعدما قامت بمهمتها القذرة، واختفت من شاشات قنوات الفتنة التي سكنتها في بداية الأزمة ليل نهار، فلم نعد نرى لها وجها أو نسمع لها صوتا، ما يؤكد أنها لم تكن تسعى لا للإطاحة بالأسد ولا إلى تغيير النظام، وإنما كانت تؤدّي دورا حقيرا نظير أموال تتلقّاها، حيث تقيم في فنادق الخمسة نجوم بأكبر العواصم العالمية.
فهذه المعارضة لو كانت فعلا صادقة في مسعاها، لاحتلت الصفوف الأمامية في «معركة» تغيير النظام، ولقاسمت الشّعب السّوري الويلات التي يعانيها مند سنوات، ولما سمحت لنفسها بأن تكون معولا بيد المتآمرين النّاقمين على العرب لتهديم سوريا.
معول تهديم
نتذكّر جميعا الهالة التي كان المجتمع الدولي والدول العربية على وجه الخصوص تحيط بها المعارضة السورية، إلى درجة أنّها احتلّت مقعد دمشق في إحدى القمم العربية بعدما طردت الجامعة العربية سوريا، وشهدنا كيف اعتلى معاذ الخطيب رئيس الائتلاف منبرها وسط تصفيق الزعماء المشاركين، وندرك جيّدا مليارات الدولارات ومئات الأطنان من الأسلحة التي تلقتها هذه المعارضة التي سخّرت لها ترسانة إعلامية جبّارة.
فما سبب هذا الانقلاب الحاد في الموقف العربي من المعارضة السورية؟ وما الذي أدّى إلى تجفيف مفاجئ لكل قنوات الدعم؟
الجواب لا يمكن حسمه أو جزمه، فقد يكون فقط انتهاء دورها، وتحقيق المطلوب منها وهو إشعال الحرب في سوريا، ومن تم الاستغناء عنها كما يستغنى عن سقط المتاع، أو يكون خيبة الامل التي مني بها من يحرّكون هذه المعارضة، إذ اعتقدوا بأنّ أيام نظام الأسد معدودة لكنّهم أخطأوا التقدير، حيث استعاد الأسد زمام المبادرة، وبات سيّد الميدان، وهو يقترب من طيّ فصول الازمة بفض الصمود والتضحية ودعم الحلفاء.
المعارضة السورية - كما كتب أحد المحللين السياسيين - «راهنت على أمريكا وأوروبا وبعض الأنظمة الإقليمية بما فيها العربية، واعتمدت على محطات إعلامية رائدة في الوطن العربي، فوجدت نفسها في حال إفلاس مالي وسياسي فجأة دون أي مقدمات، بعد السجاد الأحمر وفنادق الخمس نجوم، والمكافآت المالية الضخمة».
انتهت المهمّة واسدل السّتار
وقد جرت عملية إطلاق رصاصة الرحمة على المعارضة السورية «المعتدلة» أو «غير المعتدلة»، وصدر قرار بشطبها وإطفاء النور عنها « - كما يضيف نفس المحلل - عندما أعلنت أمريكا وباقي قادة الدول الغربية، أن إسقاط النظام السوري لم يعد أولوية، بل الأولوية هي محاربة داعش الإرهابي، وعندما أكّد دي ميستورا صراحة أن المعارضة فشلت في الإطاحة بالنظام السوري.
فمنذ أن أعلن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي السابق، أنه مستعد للتفاوض مع الرئيس بشار الاسد، وأعلن قبله ستيفان دي ميستورا المبعوث الدولي أن الرئيس السوري جزء من الحل، بدا جليا أن المعارضة السورية لعبت كل أوراقها، أو بالتدقيق أنهت مهمتها، حتى أنّنا لم نعد نراها «تسكن» الفضائيات التي مارست التضليل والخداع في أبشع صورهما طوال السنوات الست الماضية.
«الغارديان»... قضية المعارضة ماتت
نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية مؤخرا مقالا تحليليا يقول كاتبه «مارتين تشولوف»، إن تقليص المساعدات المالية والأسلحة المقدمة للمعارضة السورية، بدّد الآمال التي كانت معلقة على الدعم  لمنع الأسد من تحقيق النصر في النزاع المسلح الدائر في البلاد.
ولفتت الصحيفة إلى أن الأردن، الذي كان أحد أكبر داعمي المعارضة السورية، أصدر بيانا قبل أيام، قال فيه إن «العلاقات الثنائية مع دمشق تسير في الاتجاه الصحيح».
واعتبرت «الغارديان» أن هذا البيان كان بمثابة «إعلان موت قضية المعارضة» بالنسبة لكثيرين.
ونقلت قول قادة للمعارضة السورية، إبان عودتهم من اجتماع عقد بالعاصمة السعودية، إن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أخبرهم صراحة أن الرياض تنفض يدها من الأزمة السورية.
أما تركيا، فكانت من أوائل داعمي المعارضة، الذين حادوا عن المبادرة المشتركة لتسليح معارضي الأسد، واتجهت لتحقيق مصالحها المحدودة المتمثلة في كبح طموحات الأكراد السوريين، ويسود أنقرة إدراك أن الانتصار في الحرب التي ساندت تركيا فيها المعارضة أكثر من أي دولة أخرى لم يعُد ممكنا.
مصير الأسد لم يعد مطروحا
وفي بريطانيا أيضا، استُبدل الخطاب الذي كان يطالب الأسد بالتنحي كخطوة أولى باتجاه تحقيق السلام، بخطاب آخر وصفته الحكومة البريطانية بـ «الواقعية النفعية».
وعبّر وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون عن مطلب رحيل الأسد باعتباره «ليس شرطا مسبقا».
وقال روبرت فورد، وهو سفير سابق للولايات المتحدة لدى دمشق: «تخلّى داعمو المعارضة السورية عنها لأسباب مختلفة. أولها أن استمرار الخلافات والصغائر، وعدم القدرة على الاتفاق على قيادة واستراتيجية مشتركة، لطالما جعلت الداعمين قلقين من الفصائل وأذرعها السياسية».
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تنسيق المعارضة وتكاملها مع جماعات إرهابية، جعل الأمريكيين والأردنيين يشعرون بالقلق، وفقا لفورد.
في السياق العام للمواقف من الأزمة السورية، لا تخرج التصريحات الأخيرة التي أدلى بها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا عن المناخ الذي بات يسود في عدد من العواصم، ويوحي بأنّ المعارضة فشلت في إسقاط النظام السوري، وأن مصير بشار الأسد ليس مطروحاً بالتالي للبحث في المرحلة الانتقالية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024