أطلقت «الرّبيع الدّموي» ونجت من تداعياته

تونس تنجح في مسارها الانتقالي

فضيلة دفوس

عادت الأحد الماضي الذكرى السابعة لحادثة البوعزيزي التي  أطلقت الشرارة التي ألهبت بلدانا عربية كثيرة، وزجّت  ببعضها في أتون أزمات دموية وحروب مدمّرة مازالت مستمرّة إلى الآن.

حادثة البوعزيزي قادت دون تخطيط إلى انهيار النّظام في تونس، ومثل أحجار الدومينو أخدت الكثير من الأنظمة العربية تتهاوى، بعضها بشكل دراماتيكي، ومع سقوطها غرقت بلدان عربية في الفوضى والدم، لكن رغم أن تونس كانت السباقة إلى خلع رئيسها، وتعتبر قائدة الربيع الدموي، فإنّها استطاعت أن تنجو من السّقوط في فخّ العنف والاحتراب الداخلي، وقادت بنجاح كبير وبأقل الخسائر عملية التغيير والانتقال السياسي، وهي تواجه التحديات الأمنية والاقتصادية بحكمة ووحدة الصفّ لتقدّم للعالم العربي نموذجا ناجحا للدولة الديمقراطية التي تدرك جيّدا إلى أين تمضي.
يعلم الجميع الى أين قاد الربيع الدموي الدول التي وقعت في أسره، فنيران الحروب لازالت إلى الآن تلتهم بعضها والتوترات تعصف بالأخرى وترهن مستقبلها، ولعل الاستثناء الوحيد، تصنعه تونس، التي ورغم بعض التعثر، إلا أنها استطاعت أن تحدد معالم الخلاص وتنجح في انتقالها الديمقراطي لتصبح نموذجا للتغيير الهادئ في المحيط العربي الهائج.
لا يمكن لاثنين أن يختلفا في تقييمهما لتجربة تونس التي كانت أول من قرّر بشجاعة لم تعهدها دولة عربية، الانتفاضة ضد قيادتها الحاكمة وتنحيتها بهدوء، دون انقلاب عسكري أو إراقة قطرة دم.
فهذه الدولة التي ألهمت انتفاضتها الناجحة الشوارع العربية بالثورة على أنظمتها قبل أن يجرفها التيار إلى الهاوية، نجحت في تخطيّ العديد من العقبات كالاغتيالات والعمليات الارهابية، وذلك بفضل سياسة الحوار والمصالحة والتوافق الوطني، لينجح قطار التغيير التونسي في بلوغ برّ الأمان بسلام.
طريق التّغيير في مهد «الثّورات العربية» لم تكن مفروشة بالورود، بل على العكس تماما، فالسنوات السبعة الماضية كانت عصيبة على الشعب التونسي، وانتقاله السياسي تعرض لانتكاسات، واعترضته عراقيل كثيرة لكنها لم تثنه عن بلوغ مراده في استعادة السّلطة عبر انتخابات حرّة وشفّافة.
أشواك على الطّريق
تجلى في البداية أن ملء الفراغ الذي تركه رحيل النظام السابق لن يكون سهلا خاصة مع بروز انقسامات وتوجهات سياسية متباينة بين الطامحين إلى السلطة، وشهدنا كيف رفض البعض الانضمام إلى الحكومة الائتلافية التي شكلتها حركة النهضة، واختاروا صفّ المعارضة.
كما تعرّض الانتقال الديمقراطي إلى ضربات مزلزلة بسبب الاغتيالات التي طالت بعض الشخصيات اليسارية، مثل مقتل شكري بلعيد في فيفري 2013، لتكون أول عملية اغتيال سياسي في تونس منذ استقلالها عام 1956.
وقد ألهب اغتيال بلعيد الشوارع التونسية، وعرفت البلاد  تجاذبات سياسية كبيرة، انتهت بتغيير رئيس الحكومة حمادي الجبالي الذي خلفه علي العريض.
بعدها بستة أشهر، اغتيل النائب في المجلس التأسيسي، المعارض محمد البراهم، وعاشت تونس أجواء من التوتر والقلق  لم تهدأ إلا بصعوبة، وانتهى الأمر إلى اختيار «مهدي جمعة» رئيسًا للحكومة.
وتبقى أكبر الصّعوبات  التي اعترضت مسار التغيير في تونس هي العمليات الارهابية التي استهدفت قوات الجيش والأمن، وخصوصا قطاع السياحة باعتباره عصب الاقتصاد في هذه الدولة السياحية بامتياز، دون نسيان الصعوبات الاقتصادية التي انعكست سلبا على الوضع الاجتماعي للمواطن.
مكاسب ونجاحات
لكن رغم هذه العقبات المتوقعة، فإنّ مسار الانتقال الديمقراطي في تونس لم يتوقّف، واستمر يبحث عن المسلك الأمثل للنجاح، واليوم يمكننا بكلّ فخر أن نشيد بتجربة الشّقيقة الشّرقية التي اعتمدت على أبنائها وإمكانياتها، وسدّت أبوابها في وجه أي تدخّل خارجي مشبوه، فنجحت في التغيير السلمي الهادئ، وهي تشق طريق المستقبل بقناعة كاملة في التغلب على كل الصعوبات.
لقد نجحت تونس في خوض ثلاثة انتخابات ديمقراطية نزيهة  بشهادة المجتمع الدولي، ووضعت دستورًا توافقيًا أشاد به  العالم، كما تعاقب 3 رؤساء على قصر قرطاج، فؤاد المبزع  الذي تسلّم مقاليد السلطة في الـ 15 من جانفي 2011 عقب رحيل الرئيس بن علي، ليسلم مقاليد الحكم بعد انتخابات أكتوبر 2011 للرئيس محمد المنصف المرزوقي الذي انتخبه نواب تونس في المجلس الوطني التأسيسي، رئيسًا للدولة، ثم تلاه الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي، بعده فوزه في الانتخابات الرئاسية في أكتوبر 2014.
 إضافة إلى هؤلاء الرؤساء الثلاث، عرفت تونس في ظل ست سنوات 9 حكومات تعاقبت على قصر الحكومة بالقصبة، و6 رؤساء وزراء.
ويسجّل لتونس أيضا - كما كتب أحد المحلّلين - «دسترة الحريات وحقوق الإنسان، وتأسيس عشرات الأحزاب السياسية بتوجّهات فكرية مختلفة، خاضت محطّات انتخابية حرّة بوأت بعضها تصدر المشهد التونسي، كما طالت نسمات الحرية أيضًا الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، فتأسّست آلاف الجمعيات برؤى عديدة، وتمكّن بعضها من خلق توازن اجتماعي وسياسي، حيث كانت المنظّمات المدنية راعية للحوار الوطني ووسيطة، ونجحت في إنقاذ تونس من براثن أزمة حقيقية وتوّجت جهودها بجائزة نوبل للسّلام».
تونس التي أطلقت موجة التغيير في الوطن العربي، نجحت في انتقالها الديمقراطي بينما غرق الآخرون في دمائهم، والنجاح هذا لم يأت على طبق من ذهب، بل بفضل تضحيات من هنا وتنازلات من هناك وإرادة فولاذية للشّعب التونسي المتماسك،  الذي أراد الحرية فحقّقها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024