هو أحد أساطين العلم بالجزائر

الحـاج خليـل... الموسوعة العلمية

الأستاذ : محمد حرزلي بن الربيع

هو المغفور له العلامة الجليل الشهير خليل بن مصطفى القاسمي الحسنى احد أساطين العلم بالجزائر وشمال إفريقيا المعترف له بالعلم والدراية والفضل حفظ القران الكريم وعمره لا يتجاوز ١٣ سنة، ثم تكفل بتعليمه الشيخ بن عزوز القاسمى فقيه الزاوية ومرشدها فأخذ عنه العلوم الإسلامية من فقه وتوحيد وتفسير ثم تداول على تعليمه علماء أجلاء ومن بين هؤلاء:
١ ـ الشيخ الطاهر العبيدي علامة الصحراء الجزائرية فأخذ عنه علم المنطق من السلم للأخضري وألفية ابن مالك في النحو وعلم العروض.
٢ ـ الشيخ عبدالحي الكتّاني الذي كان يمدّه بشتّى الفنون وخاصّة في الحديث أثناء تواجده بزاوية الهامل التي كان يزورها سنويا وهو عميد علماء المغرب في الحديث الشريف.
وقد فتح اللّه عليه فتح العارفين باللّه لتقواه وطيب سريرته فكان عبقريا بذكائه الحادّ وإدراكه لأمزجة النّاس ومعرفته لنفسية المجتمع وقد ساعده في ذلك انكبابه على مطالعة أمهات الكتب من مكتبة الزاوية الغنية والزّاخرة بالتآليف القديمة والحديثة، وكذلك فإن اتصالاته المتكررة بالعلماء الوافدين تباعا على الزاوية مكّنته من توسيع آفاق معارفه، فمنهم علماء العالم العربي والإسلامي ومنهم المستشرقون وقد حضرت معهعدة لقاءات علمية مع شخصيات مرموقة، فكان إعجابهم به فائقا وباهرا ومن بين هذه اللقاءات لقاء مع أسقف الجزائر القديس دوفال الذي أعجب بخطابه أثناء حفل استقبال بالزاوية سنة ١٩٦٦م، حلل فيه هدف الديانات السّماوية الصحيحة والاعتقاد بوحدانية اللّه والسمو العقلي للإنسان وتكريم اللّه له وقد قمت شخصيا بترجمة هذا الخطاب من العربية إلى الفرنسية.
كما أن المستشرق الكبير الأستاذ جاك بيرك الذي زار الجزائر سنة ١٩٦٤م أعجب بزاوية الهامل وبمداخل العلامة خليل القاسمي وبما طرحه من أفكار اتّجاه تطور العالم العربي الإسلامي وتعامله وتفاعله مع الحضارة الغربية
والأستاذ مالك بن نبي كان صديقا له شاهدا له بالعلم وللزاوية بالفضل، وذكر الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي بالحرف الواحد أنه لولا فكرة التّبادل الثّقافي بين الشعوب لا يحق للجزائر أن تستنجد بأمثالنا في هذا الميدان مادام أمثال العلامة خليل ينيروها وهو نفس الانطباع للشيخ الفاضل بن عاشور عميد جامعة الزيتونة سابقا.
حقا إن الرّجل جدير بالتقدير والشهرة مادام هؤلاء الأعلام اعترفوا له بالمقدرة العلنية وسعة الدراية.
ترأس معهد الزاوية من ١٩٦٢م غداة الاستقلال إلى تاريخ وفاته سنة ١٩٩٤م فكان المعهد عبارة عن جامعة شعبية واسعة يتراوح طلابها بين ٣٥٠ طالبا إلى ما يزيد عن الألف (١٠٠٠) طالب تارة من الإعدادية إلى الدخول للمستوى الجامعي. المتخرجون يجتازون امتحانات ومسابقات وزارة التربية ووزارة الشؤون الدينية الناجحون منهم يوظفون في سلك القطاعين والمتفوقون  يلتحقون بجامعة الجزائر.
بعد مسابقة الدّخول كثير اليوم من إطارات الدولة في سلك الإدارة والتعليم والصحافة والدبلوماسية من متخرجي هذا المعهد العامر بفضل إدارة العلامة خليل القاسمي وتخطيطه وتوجيهه.
خلف العلامة خليل القاسمي عمه في مشيخة الزاوية من ١٩٨٦م إلى تاريخ وفاته سنة ١٩٩٤م، فحاضر في مسجد باريس الرئيسي وبمسجد الدعوة بفاس بالمغرب الأقصى كما زار السعودية ومصر والأردن عدة مرات واتصل بعلمائها فأجلوه وأحاطوه بكل تقدير واحترام.
أما داخل القطر فإنه محل تقدير العلماء والوزراء ورجال الفكر والسّياسة لما للرّجل من الإخلاص وبعد النظر وصدق الطوية لذلك عيّن رئيسا لرابطة الزوايا العلمية للطريقة الرحمانية في ٠٣ /  ٠٨  /  ١٩٨٩ م بموافقة جميع زوايا القطر الرحمانية.
 أما تاريخه النضالي فحدث ولا حرج فقد كان من الأوائل الذين احتضنوا الثورة الجزائرية عن حب وإخلاص فاتصل بالرائد زيان عاشور والعقيد حواس والعقيد شعباني وكان للجميع نعم المرشد والمناضل والمموّن أثناء الثّورة أودع سجن سركاجي وأطلق سراحه وبقي محل مطاردة من المستعمر من نفي و مراقبة وإقامة جبرية حتى منّ اللّه  على الجزائر باستقلالها.
هذه نبذه مختصرة عن حياة الرّجل الذي كان لي الشرف أن أكون أحد تلامذته المقربين وأن آخذ عنه ما تيسر من فنون البلاغة والمنطق والأدب العربي، فلا أزال أذكره مع الكثير والكثير من الإطارات وأطلب من الذين ارتووا من منابع أفكاره أنّه من واجب الباحثين كتابة حياة هذا الرجل كتابة تليق بمقامه ودعم التّراث الجزائري بما قدمه من تآليف وخطب ومحاضرات تبقى شاهدة له للأجيال المتعاقبة.
توفي رحمة اللّه ليلة الجمعة ٨ من شهر رمضان المعظم عام ١٤١٤ هجرية الموافق لـ ١٨ فيفري ١٩٩٤م، فكانت جنازته عبارة عن مشهد عظيم حضره ألاف المشيعين الذين توافدوا على زاوية الهامل من كل أنحاء القطر من بينهم الوزراء والولاة و ضباط الجيش الوطني الشعبي ومشاهير العلماء الذين أبّنوه وترحّموا عليه.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024