منظمة الجيش السري .. تاريخ أسود

جمال أوكيلي

لا يمكننا وصف العمل القاضي بـ “ تدشين نصب تذكاري يمجد منظمة الجيش السري -  OAS - الإرهابية يوم ٥ جوان القادم بمنطقة “فار” جنوب فرنسا إلا بالإستفزاز واللامسؤولية الأخلاقية تجاه الجزائريين الأحرار الذي ضاقوا مرارة همجية هؤلاء القتلة والمجرمين عشية الإستقلال، وكل من كان ضحية إستهدافهم من الفرنسيين الشرفاء المناوئين للإستعمار الذين اغتيلوا بشكل وحشي كونهم رفضوا ما كان يتردد من شعارات “الجزائر - فرنسية “
وبالرغم من السعي لحمل البعض للتوقيع على عريضة في هذاالشأن فإن الإتجاه العام السائد هو الرفض القاطع لإقامة هذا الحدث وإعطائه أبعادا أخرى سيئة باسم إحياء الذاكرة التاريخية ، لكن بأي ثمن ؟ وهذا عندما تكتب عبارة “..إلى أولئك الذين سقطوا لتعيش فرنسا” والتذكيربالوجود الفرنسي في الجزائر من وجهة إيجابية، وغيرذلك من الإدعاءات الباطلة التي لا أساس لها من الصحة.
إن الجزائريين يعرفون جيّدا معنى منظمة الجيش السري، بالأمس فقط استحضرو استشهاد خيرة أبناءهم الذين سقطوا في ميناء الجزائر، بفعل التفجير الإرهابي الذي أدى إلى مصرع حوالي ٢٠٠ شخص كما كان هؤلاء يلاحقون  صور المناضلين وثبات المثقفين الجزائريين ومواقف الفرنسيين الذين يؤيدون القضية الجزائرية، ويهددون كل من يتضامن مع الجزائر،وأحياء العاصمة تشهد على ذلك ،تاريخهم كله أسود فكيف لهم اليوم أن يكرّموا حرية إجرامية يدّعون بأنها تركت “محاسن” و«إيجابيات “ في هذا الوطن ، فمن حق الأصوات التي ترتفع حاليا من أجل إستيائهم الشديد من محاولة البعض العيش على الحنين الإستعماري الفضيع، والعودة إلى زمن التصفيات والإغتيالات ضد كل من تشتم لديه رائحة التعاطف مع الثورة الجزائرية، لعلّ وعسى يمدد عمر مكوثهم في هذا البلد، وإطفاء شعلة محاربة الإحتلال.
وتتعرض هذه “ المبادرة” إلى حملة قوية من قبل كل أولئك الذين يعون مغزى هذا التكريم، وعلى رأسهم مسؤول الجمعية الفرنسية لحماية ذاكرة ضحايا منظمة الجيش السري السيد جون فرانسوا قافوري الذي قرّر اعتراض كل محاولة ترمي إلى تمجيد الإستعمار أو بالأحرى “تثمين” العمل الإرهابي لـ “ أو.أ.أس” . فوالده كان أول موظف يسقط على أيدي هذه العصابات ، نفس الموقف أبداه السيد هنري بوير رئيس جمعية الخروج من الإستعمار الذي بدوره استنكر مثل هذا النشاط “ المراد منه تبييض وجه الإستعمار متسائلا عن مغزى مثل هذه الطروحات الواردة في نوايا هؤلاء.
وبالنسبة للجزائريين فإن مثل هذه الإستفزازات مرفوضة جملة وتفصيلا وغير مقبولة بتاتا تحت أي تسمية أو شعار أو حتى الظرف الذي جاءت فيه كأن يسعى البعض إلى تقوية اليمين المتطرف الذي يحمل كل صور الكراهية تجاه قيم التسامح والقبول بالآخر وهذا هو الإشكال حاليا في فرنسا، مع كل هذا المد للنزعة العنصرية.
ومهما حوال هؤلاء استعطاف الرأي العام الفرنسي فإن لعنة التاريخ تلاحقهم في كل الأوقات على أنهم كانوا شرذمة من المرتزقة الذين أرادوا اغتيال عبقرية الشعب الجزائري آنذاك، من خلال مخطط القتل الشامل الذي توجه إلى تلك النخبة المؤثرة في حركية الأحداث من الجزائريين الأحرار والفرنسيين الشرفاء الذين قاوموا الإستعمار بكل الوسائل المتاحة من كتاب وصحافيين وغيرهم غير آبهين بالتهديدات اليومية التي كانو يتلقونها بواسطة شتى الوسائل منها الملصقات الحائطية و المناشير والبيانات إلا أن إرادة الإنعتاق كانت أقوى من كل تلك الطرق المشينة.
خاصة وأن أعضاء هذه المنظمة جلّهم ضباط سابقون في الجيش الفرنسي وإداريون هذا الطابع الحالك لتاريخهم يمنع أي تضامن معهم فأياديهم ما تزال ملطخة بدماء الشهداء الأبرار في الجزائر، وكل متضرر من أذاهم من مدنيين آنذاك فلن يتكلم اليوم من هو على هامش التاريخ.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024