أجمع باحثون في التاريخ أن الشخصية القيادية التي تمتع بها قائد الولاية التاريخية الثانية، الشهيد البطل زيغود يوسف (1921-1956)، سمحت بتفجير هجومات الشمال القسنطيني يوم 20 أغسطس 1955 ونجحت ببراعة في تشكيل قوة مكونة من وحدات جيش التحرير الوطني ومن الفدائيين المدنيين من الشعب زعزعت الوجود الفرنسي في الجزائر وساهمت في إدراج القضية الجزائرية ضمن جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أوضح الأستاذ عبد الله بوخلخال (صاحب عدة بحوث حول هذا الشهيد ومدير سابق لجامعة العلوم الإسلامية الأمير عبد القادر بقسنطينة)، أن زيغود يوسف تميز بصفات قيادية وشخصية قوية أهلته للتعبئة والكفاح ورص الصف الوطني ضد المستعمر الفرنسي وذلك بعد استشهاد حليفه وقدوته الشهيد ديدوش مراد (1927- جانفي 1955)، أشهر قبل هجومات الشمال القسنطيني في 20 أغسطس 1955 .
شرع الشهيد زيغود في رص الصفوف بين جيش التحرير الوطني والشعب، فباشر بنشر التوعية والتحفيز عبر قرى ومداشر الشمال القسنطيني من أجل الرد العسكري على المستعمر. زيغود يوسف، الذي ولد سنة 1921 ببلدية كوندي سمندو الواقعة شرق الجزائر والتي تحمل اسمه حاليا، نال في مساره الدراسي الشهادة الابتدائية وهي سقف المستوى الذي يسمح به الاستعمار للجزائريين، ثم عمل حدادا في ريعان شبابه وكانت تربطه علاقات جيدة بالفلاحين، فقد كان يصنع لهم الأدوات اللازمة للعمل ويعمل على توصيلها لهم إلى عدة قرى، أين اكتسب سمعة جيدة وتعرف على خصوصيات كل منطقة وطرقاتها ومسالكها الجبلية ونمط معيشة سكانها، مثلما أبرزه ذات الباحث.
من جهته، أشار الدكتور احسن تليلاني (أستاذ باحث بجامعة سكيكدة)، أن الشهيد كان ناشطا سياسيا بحزب الشعب الجزائري ثم بحركة انتصار الحريات الديمقراطية قبل أن يقود مظاهرات 8 ماي 1945 على مستوى قريته، معتبرا أن هذه التجربة جعلت منه ‘’شخصية ذات شعبية كبيرة ومكنته من التأثير على الجماهير الواسعة’’. وأرجع ذات الباحث سبب نجاح زيغود في التعبئة ضد المستعمر الفرنسي وإشعال الحرب ضده من قبل عناصر جيش التحرير الوطني بالتفاف من الشعب إلى ‘’ثقة المواطنين بقائد منطقة الشمال القسنطيني’’، الذي كانوا يلقبونه بـ «سيدي احمد»، حيث كانوا يشيدون بصفاته كونه ‘’مخططا استراتيجيا ممتازا ومنضبطا حكيما، متزنا وملتزما بالسرية’’ مؤكدا ان هذه المميزات ‘’جعلت الجميع يحترمه وينفذ أوامره’’. ومن جهته، كشف المجاهد موسى بوخميس الذي كان تحت إمرة هذا البطل، في شهادات أدلى بها سابقا، أن هدف زيغود يوسف طيلة حياته كان «تكوين جيل من حديد، يلتزم أبناؤه بتعاليم الإسلام ويقدمون التضحيات الجسام من أجل الوطن’’. وأفاد ذات المجاهد أنه انضم، وعمره 18 سنة، إلى المواجهة المسلحة رفقة العديد من المدنيين الذين توافدوا بأعداد كبيرة بعد أن بلغهم نداء زيغود يوسف. وأضاف موسى بوخميس: «البلاغة التي كان زيغود يتحدث بها وأسلوبه في الإقناع وثقافته الدينية الواسعة شكلت حافزا للمجاهدين لتلبية النداء والتضحية من أجل تحرير الوطن».
وقبل أيام قليلة من شنّ هجومات 20 أوت 1955، توجه زيغود يوسف إلى مزرعة عائلة بوخلخال الواقعة في المكان المسمى «كاف لكحل» (حي جبل الوحش شمال قسنطينة حاليا) حيث باشر لقاءاته بالفدائيين وحثهم على العمل على الانعتاق والتخلص من براثن الاستعمار وعلى حب الوطن وفدائه بالروح، ما تجسد على أرض الواقع بفضل هذا الشهيد البطل والملايين من الشهداء الذين سقطوا في ميدان الوغى.