المجاهد والكاتب بالي بلحسن لـ «الشعب ويكاند»:

أكتــب التّاريـخ مـــن أجـل مستقبل الأجيـال

موسى دباب

 كلّفتُ بتمرير السّلاح وعبور المجاهدين عبر خط موريس

 مزج بين شخصية المجاهد والكاتب، فكان مناضلا ومتابعا لما يجري خلال ثورة التحرير المجيدة، فدوّن بعيون مجاهد، أبرز شهادات الشّخصيات الثّورية التي ناضل إلى جانبها، من بينها العقيد لطفي وحمادوش»، وغيرهم من الذين استشهدوا خلال ثورة التحرير المجيدة، تولى مهمة إلقاء القنابل على رؤوس الجنود الفرنسيين، فدمر بعملياته العديدة من ثكناتهم، فضلا عن أنه كان عضوا بارزا في مجموعة مختصة في إزالة الألغام بالناحية الأولى، ومسؤولا عن المراكز الأربعة بأفلو والبيض وبشار وفقيق،حكم عليه بالسجن ثلاث مرات، المرة الأولى بعشر سنوات، والثانية بعشرين سنة، وٱخرها حكم عليه بالإعدام.

تميّز في كتاباته، وأصدر العديد من الكتب باللغة الفرنسية، وتمّ ترجمة معظمها إلى العربية من طرف كتاب وأساتذة وباحثين، واعتبرت كتبه مصدرا للعديد من الأفلام التاريخية، آخرها فيلم «العقيد لطفي» للمخرج أحمد راشدي، الذي تمّ تصويره في ولايتي بشار وتلمسان.


 إنّه المجاهد بالي بلحسن، ابن مدينة تلمسان والبالغ من العمر 85 عاما، الذي يروي في حديثه مع «الشعب ويكاند» بدايته مع التجنيد، والسبب الذي دفعه إلى تأليف عدد من الكتب.

 التحاقه بالنّشاط الفدائي
 يقول المجاهد بلحسن بالي، إلى أنه التحق بالعمل الفدائي بعد تلقيه سلسلة من التدريبات الأولية بأعلي سيدي بومدين، وشملت هذه التدريبات التي أشرف عليها المجاهد  حسان الرمي بالرصاص ورمي القارورات الزجاجية الحارقة، وكانت أول العمليات الفدائية التي قام بها المجاهد بلحسن بالي في شهر ديسمبر 1955، رفقة صديقه في الكفاح محمد بختي، استهدفت بعض المرافق والمؤسسات الاستعمارية بالمدينة. وفي هذا الإطار يوضّح المجاهد قائلا «طلب منا المجاهد حسان الذي أشرف على تدريبنا في أعالي سيدي بومدين، متطوعين لضرب بعض الأهداف الاستعمارية بالمدينة، وقد تم اختياري للقيام بهذه المهمة التي فرضت علينا التزام الحيطة والحذر، وعلى إثر ذلك منحني المجاهد منصور مسدسا وقنبلة يدوية انجليزية الصنع، كما تمّ في نفس الوقت تسليح مجموعات اخرى بنفس الطريقة، للقيام بهجومات أخرى من بينها عملية استهدفت من خلالها إحدى الحانات، حيث رميت قنبلة باتجاه زبائن الحانة من الفرنسيين، وأحدثت العملية دوي انفجار قوي تطايرت على إثره شظايا النوافد المجاورة للحانة وقدمت تقريرا بخصوص هذه العملية.
ويواصل حديثه قائلا «استطعت أن أحدث تنظيما مميزا للخلايا الفدائية داخل مدينة تلمسان عن طريق تجنيد العديد من تلامذة المدارس والثانويات، قمنا بحرق مزرعة فورنو وهو معمر عرف بكراهيته للعنصر العربيفي ماي 56، واقتلاع الأشجار وإتلاف ما يمكن إتلافه، وأيضا إلقاء قنبلة داخل شاحنة عسكرية بين أرجل الجنود الذين شاهدوا حركتي، ولم يتمكّنوا من فعل اي شيء، حاصرت الشرطة منزلي وتم توقيف أخي محمد، ولم يطلق سراحه إلا بعد ساعات من عملية الاستجواب».
 انضمامه إلى صفوف جبهة التّحرير الوطني
 يذكر المجاهد بالي، أنّ أول لقاء عند التحاقه بصفوف الثورة التحريرية في نوفمبر 1955 كان مع المناضل حسن، مبعوث جبهة التحرير الوطني من وجدة، ومنصور وابن خالته سيد أحمد بن شفرة، وتمحور اللقاء التاريخي بالنسبة له، حول إعداد استراتيجية محكمة تسمح باستقطاب وتعبئة الشباب بتلمسان المناضل بهدف تشكيل فرق ومجموعات من الفدائيين، مهمتها الأساسية إزعاج ومضايقة فرق ودوريات الشرطة والجيش الفرنسي والدخول في العمل الميداني المباشر من خلال شن عمليات فدائية داخل المدينة، ثم تبعها لقاء آخر بمدرسة سيدي بومدين مع مناضل اخر يدعى عبد الله وهو عضو قديم في الحركة الوطنية. ويشير المجاهد بلحسن إلى أهمية المهمة التي كلف بها عشية انخراطه في صفوف الثورة قائلا: كان هذا التكليف بالنسبة لي ولوالدي رغم خوفهم علي أعلى درجات العمل».
ويتابع المجاهد بلحس» قائلا: في شهر أوت 56 التحقت بالمجاهدين ضمن الوحدة التي يقودها حمادوش المدعو «سي صالح»، الذي عيّنني مساعدا له، وكاتبا فيما بعد، وكنا نشن هجومات خلال ساعات الليل على معاقل العدو، ونقوم بأعمال تخريب ونصب للكمائن، إلى جانب تنفيد الأحكام الصادرة في حق الخونة وأعوان الاستعمار، وفي النهار نقوم بتزويد الفدائيين بالسلاح والذخيرة»، مضيفا «كنت أرافق سي صالح في كل لقاءاته مع الفدائيين، وهذا ما أكسبني نوعا من الخبرة، وأصبحت بعد ذلك مكلفا بتمويل الفدائيين وإعداد الخطط، كما تلقيت تدريبات عسكرية على يد عدد من القادة من بينهم العرباوي المدعو نهرو، وكذلك القائد سي صالح».
يواصل حديثه، «وفي ليلة أول نوفمبر56 شاركت في عملية هجوم كان يقودها نهرو استهدفت ثكنة سيدي العبدلي، كما شاركت في 29 جانفي في وضع متفجرات على مستوى السكك الحديدية.
وذكر بلحسن بالي أنه في 26 من شهر رمضان «وصل إلينا من منطقة صبرا 110 جندي مدرب أحسن تدريب، وبمجرد وصولهم وزعناهم على مجموعات صغيرة وفقا للإمكانيات على كل العائلات، حيث بلغ عدد أفراد كل مجموعة ما بين سبعة إلى ثمانية جنود، وتم تنفيذ العملية التي استهدفت بيتا كان يحتل شرفته بعض الجنود الفرنسيين الذين استعملوها مركزا للمراقبة بسبب استراتيجية المكان وحساسيته وأطلق الفوج المسلح، كما قمنا بتنفيذ عملية أخرى استهدفت محطة قطار، حيث قمنا بحرق جميع العربات المتوقفة على الرصيف مما نتج عنه تعطيل لحركة القطار.
لقاؤه بالعقيد لطفي ببشار
 يتابع كلامه: «اختارني العقيد لطفي الذي لم أكن وقتها أعرفه، من السبعة الأوائل من دفعة تم تأطيرها، وشعرت بفرحة كبيرة لما عرفت أنني ضمن الذين اختارهم العقيد لطفي لتسيير المراكز الأربعة، أفلو، البيض، بشار وفقيق، وكانت هذه المنطقة تابعة للناحية الأولى التي كان يقودها الملازم الأول دحماني، ثم كلفت بعملية تمرير السلاح وعبور المجاهدين عبر خط موريس المكهرب، الذي يمتد من مرسى بن مهيدي إلى بشار، وكذا تدريب مجموعة من المجاهدين على تقنية نزع الألغام وتثبيتها وذلك بين نوفمبر 57 وجانفي 58 ومطلع مارس 58».
يعود المجاهد بلحسن إلى نضاله مع العقيد لطفي، قائلا «كلّفت مرة أخرى من قبل العقيد لطفي بتدريب كتيبة تيميمون بجبل قروز قرب مدينة بشار، حيث قامت هذه الكتيبة في 5 نوفمبر 57 بالهجوم على قافلة من الشاحنات التابعة لشركة النفط الفرنسية، فقتلت 16 شخصا واشتبكت مع أفراد الجيش الفرنسي في حاسي راهمبو، فقتلت ستة مظليين وأصابت 12 جنديا، وبعد هذه الأعمال البطولية توجّهت الكتيبة إلى الناحية الأولى ببشار قرب جبل قروز، وكان في استقبالهم العقيد لطفي، الذي هنّأهم على العمل البطولي والتضحية والروح الوطنية، وبعد أيام من الراحة نظّم العقيد لطفي دورة تكوينية لصالح كتيبة تيميمون، تمحورت حول كيفية اجتياز الحواجز المكهربة وكان مركز القيادة يقع في قلب جبل قروز».
ويتابع قائلا «وفي منطقة بني ونيف ببشار، أصبت في حادثة انفجار لغم خلال تكليفي مع عدد من الجنود بإسعاف ونقل مجموعة من الجنود الجرحى، الذين جيء بهم من الولاية الرابعة، ومكثت بالمستشفى ثلاثة أشهر».
 اتّجاهي للكتابة لتدوين مواقف زملائي البطولية
 سمح له موقعه كمجاهد في تأريخ أحداث عاشها، وكتابة شهادته، حيث عكف بعد الاستقلال على كتابة مذكراته، التي أصبحت تعد مرجعا للعديد من الأفلام التاريخية، حيث يقول عن نفسه أنه «يكتب وفق ما عاشه وشاهده، فكتب عن العقيدين عميروش ولطفي، وألّف العديد من الكتب، وكل ذلك من أجل إتاحة المصادر والوثائق التاريخية للباحثين والطلبة للاعتماد عليها في دراساتهم، بالإضافة إلى سد بعض الثغرات المتعلقة بتاريخ المنطقة، وتعزيز شهادات المجاهدين، داعيا إلى الاهتمام بكتابة تاريخ الثورة التحريرية الذي لم يكتب منه الكثير، خصوصا عن المجاهدين الذين لعبوا أدوارا مهمة في تاريخ المنطقة، والذين ما تزال أسماؤهم غير معروفة، رغم أنها قدّمت الكثير من التضحيات.
أرشيف ينتظر الطّلبة والباحثين
 ما يزال المجاهد والكاتب بالي بلحسن صاحب الـ 85 عاما، يكتب ويوثق بالصور النادرة لرفقاء الجهاد التي جمعها، معتمدا على أرشيف من مقالات الجرائد الفرنسية، الذي دفع فيه أموالا كبيرة لشرائه.
وفي هذا الصدد يقول «معظم كتبي على أهميتها، كانت تقع على عاتقي، حيث طبعت 33 كتابا على حسابي الخاص، وثلاثة كتب تكفّلت بطباعتها الدولة، ودفعت الكثير من المال في جمع الصور وشراء أرشيف الجرائد الفرنسية، لأضيف الجديد إلى التاريخ، وأسرد التاريخ بالصور والأدلة، وأضعها بين يدي المؤرخين للإطلاع عليها..».
يمتلك المجاهد بلحسن بالي مجموعة كبيرة من صور شهداء المنطقة، إلى جانب الكثير من الوثائق النادرة، وسلسلة من الكتب، يضعها مجانا تحت تصرف الطلبة والباحثين، وقد ساهم في تنظيم عدة معارض للصور والوثائق خلال التظاهرات الثقافية المختلفة التي أقيمت بتلمسان خاصة، وأهدى المئات من الكتب الى الجامعات على غرار جامعتي بشار وتلمسان، ووزع الآلاف على مديريات المجاهدين بعدة ولايات.
يرى المجاهد بلحسن أن تاريخ الثورة التحريرية، لم يكتب منه الكثير، حيث قال بأن هناك أحداث أخرى مهمة، وشخصيات قدمت أدوارا متميزة، وشهداء لعبوا أدوارا مهمة في تاريخ المنطقة، وأسماء أخرى ما تزال غير معروفة، رغم أنها قدمت الكثير من التضحيات، داعيا في هذا الإطار إلى الاهتمام بكتابة تاريخ الثورة، بكل موضوعية وحيادية، من أجل حفظ الأحداث في ذاكرة الأجيال اللاحقة، لتتعرف عليها وتعتبر بها.  

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024