ألهبت منطقة أولاد جــلال ضـدّ المستعمر الفرنسي..

هذا دور الزاوية المختاريـة الرحمانية في المقاومـة الشعبيــة..

طارق عيساوي

يتناول مقال الباحث سليمان حليس، الموسوم بعنوان “دور الزاوية المختارية الرحمانية في المقاومة الشعبية بمنطقة أولاد جلال”، الدور المحوري الذي لعبته الزوايا الدينية، وتحديداً الزاوية المختارية الرحمانية، في إذكاء روح المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي في منطقة أولاد جلال. وعمل المقال على إبراز قدرة شيوخ الزوايا على حشد الجماهير وتعبئتهم من خلال نفوذهم الديني والاجتماعي، كما قدم تحليلاً لأوجه هذه المقاومة.

أبرز  الباحث سليمان حليس أن الزوايا في الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي لم تكن مجرد أماكن للعبادة والتعليم الديني، بل كانت “مراكز إشعاع ديني وثقافي واجتماعي وسياسي”، و«قلاعا حصينة للعلم والعلماء، وملجأ للفقراء والمساكين”. هذه الأوصاف تؤكد الدور الشامل للزوايا في حياة الجزائريين، حيث كانت بمثابة العمود الفقري للمجتمع، تقدم خدمات تعليمية، اجتماعية، وحتى سياسية، مما منحها نفوذاً واسعاً واحتراماً عميقاً من قبل الجزائريين. وهو ما استثمره شيوخ الزوايا في مرحلة المقاومة ضد المحتل الفرنسي

الزاوية المختارية الرحمانية.. جذور تاريخية

تتبع حليس الجذور التاريخية للزاوية المختارية الرحمانية، وقال إنها “تعتبر من أهم الزوايا الموجودة بالمنطقة”، وأن تأسيسها يعود إلى القرن التاسع عشر على يد الشيخ المختار بن عبد الرحمن. وشدّد على أن “الطريقة الرحمانية ساهمت بشكل فعّال في الحركة الجهادية بالجزائر منذ بداية الاحتلال الفرنسي”. هذا التأكيد على الدور الفعّال للطريقة الرحمانية بشكل عام، وللزاوية المختارية بشكل خاص، يضعها في سياق أوسع للمقاومة الوطنية، إذ يربط حليس بين الزاوية المختارية الرحمانية ومنطقة أولاد جلال، التي وُصفت بأنها “إحدى أهم المناطق التي شهدت مقاومة شعبية عارمة ضد الاحتلال الفرنسي”، وهذا الربط الجغرافي والديموغرافي يؤكد أن الزاوية لم تكن تعمل في فراغ، بل كانت جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي للمنطقة، مما عزّز قدرتها على التأثير في أبنائها وحشدهم.

شيخ الزاوية.. محفّز للجهاد والوحدة

يركز حليس في مقاله بشكل كبير على دور شيخ الزاوية المختارية، مشيراً إلى أنه “تمكن بفضل مكانته الدينية من استنهاض همم أبناء منطقة أولاد جلال وضواحيها وحثهم على الجهاد في سبيل الله والوطن، وهذا بالاستعانة بأتباع الزاوية ومريديها”. وهي العبارة التي تلخص الآلية التي اتبعها شيخ الزاوية، فالمكانة الدينية لها دورها الراسخ في بث الروح الجهادي، وتعبئة أتباع الطريقة الذين يشكلون شبكة واسعة من النفوذ. ويُبرز حليس قدرة الشيخ على “توحيد القبائل المشتتة” تحت راية الجهاد، وهو إنجاز عظيم في سياق مجتمع قبلي.

الثورات والحركات المسلّحة

يستعرض حليس تجليات المقاومة التي قادتها الزاوية المختارية الرحمانية، مشيراً إلى أن “شيخ الزاوية قاد عدّة ثورات وحركات مسلحة ضد المستعمر الفرنسي”، وأن هذه الثورات “شهدت مشاركة واسعة من طرف أبناء المنطقة”. هذا التركيز على الجانب المسلح للمقاومة يؤكد على الدور الفعلي للزاوية في المواجهة المباشرة مع الاحتلال، وليس مجرد المقاومة السلمية أو الثقافية. فالمقاومة التي قادتها الزاوية لم تكن سهلة، فقد واجهت “صعوبات جمة وتحدّيات كبيرة من طرف الاستعمار الفرنسي”، لكنها “تمكنت من الصمود والثبات في وجهه، ولقنت الاحتلال الفرنسي دروساً قاسية في فن القتال”.

إذكاء الوعي الوطني

يُبرز المقال أن المقاومة التي قادتها الزاوية المختارية الرحمانية “ساهمت في إذكاء الوعي الوطني والقومي لدى أبناء المنطقة، وغرس روح الجهاد والتضحية في نفوسهم”. ويعدّ التأثير طويل الأمد على الوعي الجمعي من أهم نتائج المقاومة، حيث لم تكن مجرد رد فعل على الاحتلال، بل كانت تزرع بذور الوعي الذي سيثمر لاحقاً في حركات تحرر أكبر. كما يرى حليس أن المقاومة “ألهمت العديد من الحركات الثورية في مناطق أخرى من الجزائر”. ما يؤكد على تأثير الزاوية الذي تجاوز حدود منطقة أولاد جلال، لتصبح نموذجاً يحتذى به في المقاومة الوطنية.

الزاوية.. حصن للمقاومة

يخلص الباحث حليس إلى أن “الزاوية المختارية الرحمانية شكلت حصناً منيعاً للمقاومة الشعبية في منطقة أولاد جلال، ورمزاً للصمود والتحدّي في وجه الاحتلال الفرنسي”. فهي لم تكن مجرد مؤسسة دينية، بل كانت معقلاً للمقاومة، تجسيداً للرفض الشعبي للاحتلال، ومنارة للجهاد. ويؤكد الكاتب أن “شيخ الزاوية لعب دوراً محورياً في قيادة المقاومة، واستطاع بفضل مكانته الدينية والاجتماعية حشد الأهالي وتعبئتهم للجهاد”.                  تنوير

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19791

العدد 19791

الخميس 05 جوان 2025
العدد 19790

العدد 19790

الأربعاء 04 جوان 2025
العدد 19789

العدد 19789

الثلاثاء 03 جوان 2025
العدد 19788

العدد 19788

الإثنين 02 جوان 2025