بعد مجازر 8 ماي 1945 التي ارتكبها الجيش الفرنسي ضد الجزائريين المدنيين العزل في كل من مدن سطيف وقالمة وخراطة في الشرق الجزائري، وما خلفته من عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء بادرت الحركة الوطنية ممثلة في التيار الاستقلالي بقيادة أحمد مصالي الحاج ( 1898-1974) إلى تأسيس حزب حركة الانتصار للحريات الديمقراطية في ديسمبر 1946، وجناحه العسكري المنظمة الخاصة في فيفري سنة 1947 من أجل خلق توازن بين العمل السياسي والعمل العسكري ضد المستعمر الفرنسي، خاصة بعد تأكد قادة التوجه الاستقلالي أن العمل السياسي لا يجدى وحده ضد المستعمر المتعنت والمتغطرس، لذا وجب ربطه بالعمل المسلح لتحقيق مطالب الشعب الجزائري ممثلة في الاستقلال واسترجاع السيادة المسلوبة منذ 1830.
كان الانخراط في المنظمة الخاصة يتضمن شروطا قاسية تتسم بالصعوبة والخطورة، فالتجنيد النهائي في صفوف المنظمة يتم عبر انتقاء مبني على معايير عديدة أولها: النضال والوفاء للحزب، أي من كان له عمل مستمر داخله من أجل الجزائر ولم تكن الأقدمية تؤخذ بعين الاعتبار، أما الشرط الثاني، فتمثل في الشجاعة والإقدام التي يجب أن يتحلى بها العضو في المنظمة، بينما الفتوة والشباب فكانت الشرط الثالث نظرا لأن المناضلين الشباب لهم ديناميكية وقدرة على التأقلم، إضافة إلى أنهم لم يكونوا يتحملون مسؤوليات عائلية.
وقد جمعت المنظمة في صفوفها بين 1000إلى 1500 رجل، بعد أن تم تكوينهم العسكري نظريا وعمليا، فالبعض كلف بمهام خطيرة مثل الهجوم على بريد وهران في 04 أفريل 1949 الذي نفذه أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد مع مجموعة من المناضلين الآخرين مثل حمو بوتليليس وسويداني بوجمعة، بمساعدة جلول نميش الذي كان موظفا بدار البريد بوهران والذي قدم معلومات قيمة للمناضلين المهاجمين على البريد، وتم الاستيلاء على أموال قدرت بأكثر من ثلاثة ملايين فرنك فرنسي قديم، من أجل شراء السلاح من ليبيا.
الهياكل التنظيمية للمنظمة الخاصة
تم خلق تنظيم شبه عسكري للمنظمة الخاصة من أجل تسهيل عملية التدريب العملي والنظري وتألفت من:
- المجموعة وتضم أربعة عناصر بما فيهم القائد
- الفصيلة وتضم ثلاث مجموعات إضافة إلى القائد
- المفرزة وتضم ثلاث فصائل إضافة إلى القائد.
وقد تم وضع برنامج للتدريب العسكري ضم 12 درسا، تتمحور هذه الدروس حول كيفية استخدام الأسلحة والقتال الفردي وحرب العصابات، وتم فتح الدورة التدريبية الأولى في جانفي 1948 وتكللت بالنجاح، بينما انطلقت الدورة الثانية في شهر أوت من نفس العام، وخلال الفترة التدريبية، ارتأت قيادة المنظمة الخاصة وعلى رأسها محمد بلوزداد، إضافة مصلحة اتصال لاسلكي وقسم للمفرقعات وآخر للاستخبارات والاستعلامات، وتم عرض الموضوع على المكتب السياسي فتمت الموافقة بالإجماع على المطلبين، بينما تم التحفظ على مجال الاستخبارات، أما الجوانب التي بقيت مستعصية على المنظمة الخاصة فتتمثل في التسليح وتوفير المال.
وأمام ملاحقة البوليس الفرنسي لأعضاء المنظمة والمناضلين في صفوفها، بادرت إلى اتخاذ إجراءات وترتيبات للدخول في مرحلة جديدة والتي كان من ملامحها ومظاهرها الرئيسية فصل جميع إطاراتها من مناضلين ومنخرطين مع إعلان فصلهم، لينجوا من تلك الملاحقة، وهكذا أصبحت المنظمة في وضعية جيدة وواصلت تدريباتها التي كانت تتم في منطقتي شرشال الساحلية، وعين وسارة بالهضاب العليا، وقد كان تعداد أعضاء المنظمة الخاصة والمناضلين في صفوفها غير مضبوط، فقد تراوح بين 1750 إلى 2000 عضو.
أما قيادة الأركان فقد مرت بثلاث مراحل هامة هي كالآتي:
قيادة الأركان الأولى 1947- 1948: وتشكلت من الأعضاء الذين أسندت لهم مهام ومناطق مختلفة من الوطن: الرئيس: محمد بلوزداد، مساعد الرئيس: حسين آيت أحمد مكلف بمنطقة القبائل، محمد بوضياف، مكلف بالقطاع القسنطيني، جيلالي رجيمي: منطقة العاصمة 1، وتضم العاصمة ومتيجة والتيطري، أحمد بن بلة : القطاع الوهراني، عبد القادر بلحاج: منطقة العاصمة 2، وتضم مناطق الشلف والظهرة (مستغانم).
وما لبثت المنظمة الخاصة أن جددت قيادة الأركان بعد تدهور الوضع الصحي للرئيس محمد بلوزداد وتم إعفاؤه من المنصب.
قيادة الأركان الثانية: 1948-1949: الرئيس: حسين آيت أحمد، محمد بوضياف : القطاع القسنطيني، جيلالي رحيمي : العاصمة 1 العاصمة والتيطري ومتيجة والقبائل. محمد ماروك : العاصمة 2 الشلف ومنطقة الظهرة بما فيها مستغانم. احمد بن بلة : القطاع الوهراني، عبد القادر بلحاج : التفتيش العام والتدريب.
قيادة الأركان الثالثة: 1949- 1950: الرئيس : أحمد بن بلة، جيلالي رجيمي : العاصمة 1 العاصمة متيجة - التيطري – القبائل، عبد الرحمن بن سعيد : القطاع الوهراني، محمد بوضياف : القطاع القسنطيني. أحمد محساس : العاصمة 2 الشلف ومنطقة الظهرة، المساعد : العربي بن مهيدي، عبد القادر بلحاج: التدريب العسكري والتفتيش العام.
قضية تبسة 18 مارس 1950
أرسلت قيادة المنظمة الخاصة كومندوس لتأديب أحد قدماء المناضلين المدعو عبد القادر خياري الذي قام بإفشاء الأسرار التي كانت بحوزته عن المنظمة وأعضائها، حيث تم اختطافه لكن تمكن من الفرار وسارع إلى إبلاغ مصالح البوليس عن وجود شبكة شبه عسكرية تابعة لحزب حركة الانتصار للحريات الديمقراطية، فقام البوليس الفرنسي يومي 18-19 مارس باعتقالات واسعة في صفوف المناضلين، وقد توسعت لتشمل كل أرجاء البلاد وتوالت أساليب الاعتقالات والاستنطاق والتعذيب، وفي 31 مارس 1950 بلغ عدد المعتقلين 155 مناضلا وبعد شهرين أي في 31 ماي 1950 بلغ عددهم 500 مناضل، لكن مصادر استعمارية ذكرت أن عدد المعتقلين كان 363 فقط.
وفر عدد كبير من مناضلي الحزب والمنظمة الخاصة إلى الجبال، وإلى دول أخرى حيث كانت القاهرة وجهة العديد من القادة البارزين مثل محمد خيثر وأحمد بن بلة وحسين آيت أحمد حتى اندلاع ثورة نوفمبر سنة 1954.
وبذلك، انتهت مرحلة هامة من تاريخ الحركة الوطنية لتمهد للكفاح المسلح وثورة التحرير ضد المستعمر الفرنسي بين 1954-1962 حيث كلل هذا الكفاح الدائم بالاستقلال بعد توقيع اتفاقية ايفيان في 18 مارس بين وفد جبهة التحرير الوطني والمستعمر الفرنسي وإعلان وقف إطلاق النار بين الطرفين يوم 19 مارس 1962، ليتم وضع حد لصراع طويل دام 132 سنة من المعاناة والظلم والاستبداد ضد شعب أعزل ومسالم يبحث عن العيش بسلام.