الجَزائِرُ الجَديدَةُ المُنتَصِرَةُ.. وها هِيَ اليَقِظَةُ..

نَصحُـو بِالسِّيــــادَة ونَسمُــو بِالرِّيـادَة..

بِقَلَم: عَمَّار قواسمية

لِكُلِّ أُمَّةٍ في التّاريخِ لَحظاتٌ يُغاثُ فيها المَجدُ المُحتَضَر، وتُسقَى فيها جذورُ الهُويَّةِ العَطشى بِدِماءِ الأبطالِ وصَفوِ النّيّات. والجزائرُ – وهي في مَحفلِ الذِّكرى الثّالثةِ والسِّتينَ لاستقلالِها– لا تَسترجِعُ التّاريخَ لِلتّفاخرِ السّاذَج، بل لتَفحَصَ بِهِ الرّاهنَ، وتَستنطِقَ المُستقبَلَ، وتَسْتجلِيَ مكانَتَها بينَ الأُمَم؛ فما كانَ الاستقلالُ يومًا نهايةَ المسيرِ، بل شُروعًا في جِهادٍ آخر: جِهادِ السِّيادةِ، وجِهادِ البِناءِ، وجِهادِ التَّمَوقُعِ فِي العَالَمِ المتحوِّلِ، بلا خُنوعٍ ولا تَبَعِيَّة.

وفي هذا العَصر الذي اشتدَّت فيه سُعارُ المحاورِ، وغَلت فيهِ سِلعُ التَّطبيعِ والرُّكوعِ، ها هي الجزائرُ تُجَدِّدُ العَهدَ معَ شَعبِها وثَوابِتها، وتُعِيدُ نَفسَها إلى المَوقعِ الّذي استَحقَّتهُ بالتّاريخِ، ورَسَمَتهُ بالدَّمِ، وسَتُثَبِّتُهُ بالاجتهادِ والوَعيِ ورَصانةِ القَرار.
كانَ الاستعمارُ الفرنسيُّ – في سَكرتهِ الاستعلائيّةِ – لا يَكتَفِي بِقَهرِ الأرضِ ونهبِ الخَيراتِ، بل رامَ صَهرَ الإنسانِ الجزائريِّ في بوتقةِ “الفرنَسَةِ” ومسخِ الهُويَّة؛ فما رَضِيَ أن يَكونَ مُستعمِرًا، بل أرادَ أن يكونَ “أبًا شَرعيًّا” لِوَطَنٍ لَم يُنجبه، ووصيًّا ثقافيًّا على أمّةٍ عَلَّمَت الثّقافةَ قبلَ أن تُدوَّن!
قالوا: “الجزائرُ فرنسيّةٌ”، لا لِقلّةِ حُجّتِهم، بل لِغِرَازةِ الاستيطانِ، ورغبةِ الإبادةِ الحضاريّةِ، وكِبْرِ الحَمَلَةِ التَّبشيريّة. ظنّوا أنَّ الشَّهاداتِ تَنسَخُ الشَّهادة، وأنَّ اللُّغةَ تُسقِطُ الأرض، وأنَّ الرّايَةَ تُزهِقُ الرّوح. لكنَّ شَعبًا عَصِيًّا على الذَّوَبانِ، صامدًا في الجُذورِ، مُمتَنِعًا على الخدعةِ، لن تُغويه الحِيلُ الإداريّة، ولا تُرهِبُهُ فَرَماناتُ باريسَ ولا حِبالُ المَكرِ الدبلوماسيّ..!
هذا الشَّعب – وقد خُيِّلَ لهم أنَّه ذابَ – كانَ كالصَّخرِ: صامتًا ظاهرًا، صاخبًا باطنًا، يُضمِرُ الهُويّةَ كما يُضمِرُ الصُّوفيُّ سِرَّه، ويَغرِسُها في الأبناءِ كما تُغرَسُ البذورُ في الظِّلالِ، حتى إذا ما آنَ أوانُ الجَهرِ، أزهرت تلك الجذورُ بَنادقَ، وتفتَّحتْ ألسِنَةٌ بالجزائريَّةِ قبلَ النُّطقِ بالألفاظ.
لم تَستطعِ الفَرنَسَةُ أن تَنزعَ من الفلّاحِ “يا بِن عَمِّي”، ولا من الأمِّ “آمين”، ولا من الجدّةِ “تربح يا وْليدي”. وكم من طفلٍ في مدرسةِ المُستَعمِرِ تَلقَّى الحروفَ اللاتينيّةَ على كُرهٍ، ثم عادَ فَفَكَّها بِلُغَةِ أُمِّه..! لقد كانَ هذا الشّعبُ جزائريًّا حتّى النُّخاع، ومِن نُخاعِه نزفَ دمَ الاستقلالِ، لا مِن أوراقِ مكاتبِ السّيادةِ المُصطنَعة.
وما إنِ ارتفعَ لواءُ الحُرّيَّةِ، حتّى بانَ مَعدنُ الشَّعبِ، لا بوصفه جماهيرَ هائجةٍ، بل بصِفَتِه أمَّةً واعيةً تلتفُّ على وِحدتِها كما يَلتفُّ النّصلُ على غِمدِه. إنَّهُ شَعبٌ تَمَسَّكَ بالوطنِ لا  لأنه قطعةُ أرضٍ، بل لأنه قطعةٌ من العَقيدةِ، والتفَّ حولَ مؤسّساتِهِ لا تزلُّفًا ولا خَوفًا، بل إدراكًا أنَّ الدَّولةَ إن سَقَطت سَقَطَت السَّقيفةُ على رؤوسِ الجميع.
لم يُغرِه بَريقُ الأبواقِ الّتي تَنفخُ في نايِ الفُرقة، ولا أصغى لِحَمَلَةِ الخرابِ الذّينَ يُزيّنونَ لهُ “رَبِيعًا” في عزِّ الشّتاء، ويَرشُونَهُ بِفُتاتِ الشُّكوك. لقد أدركَ – بالفِطرةِ قَبلَ الدُّستورِ – أنَّ الخِلافَ إذا ضاعَ فيه الوطنُ، صارَ كُفرًا بِالنّعمةِ، ومَقتًا لِلدِّماءِ الّتي سالت كي يُرَفرِفَ عَلَمٌ واحِدٌ فوقَ الجميع.
وقد تفطَّنَ الشّعبُ – وهو أعرَقُ في الألمِ من أن يُخدَعَ بالعناوينِ الرّنانة – أنَّ الفتنةَ تُولَدُ من ضِغثِ الحِرص، وتَشتعلُ من رَمادِ الغَفلة، وتُسَوَّقُ بألفِ لِسانٍ من خارجِ الوطنِ وداخله. فمَن ذاقَ وَيلاتِ الحُروبِ، لا يُناوِلُ أصابعَهُ لِلجَمرِ مَرَّتَين، ومَن قَدَّمَ فلذاتِ الأكبادِ للوطنِ، لا يُسَلِّمُهُ لمن يُتاجرُ بالشِّعاراتِ ويُمارسُ التّفجيرَ من وراءِ حِجاب. لقد سقطتِ الأقنعةُ، وسقطَ معها المشروعُ الّذي أرادَ أن يُحَوِّلَ الحُرّيّةَ إلى فوضى، والوَطنَ إلى ساحَةِ تصفيةِ حساباتٍ دوليّة. ولَم يَهتزَّ الحِبالُ بينَ الشّعبِ والحُكومةِ؛ لأنَّ في القلوبِ رُكامًا من الذّكرى، وفِي العيونِ بَقايا من الدّمعِ القديمِ، تكفي لِفَهمِ أنَّ خرابَ الأوطانِ يبدأُ دائمًا من تَحتِ الشّعاراتِ البَرَّاقة والعِبارات الرَّقراقة..!
ثُمَّ “الجِبهَةُ الدّاخليَّة” وما أدراك ما الجَبهة الداخلية..! فَإنَّها إن لم تُحصَّن بالثّقةِ والوعيِ، صارت ثَغرةً تَنفُذُ منها سِهامُ الحَربِ النّاعِمَةِ، الّتي لا تُدَوِّي كما تَفعلُ القنابِل، بل تَهمِسُ كالمَوعِظةِ، وتَنقُبُ في القُلوبِ نَقبَ السُّوسِ في الخَشب. وَليسَ كُلُّ ما يُبَثُّ تثقيفًا، ولا كُلُّ ما يُنشَرُ تَنويرًا؛ فمِنَ الإشاعاتِ ما يُلفُّ بثوبِ الحِرصِ، ومِنَ السُّمومِ ما يُقدَّمُ في كُؤوسِ الحِوار. والجزائرُ – وقد أفاقَت من الفِتَن – عَلِمَت أنَّ تَماسُكَ الجَبهةِ الدّاخليَّةِ، من وَحدةِ الرّمزِ، وقوّةِ الخطابِ، واستقامةِ المؤسساتِ، هو السّلاحُ الّذي لا يَصدأُ، والحِصنُ الّذي لا يُخترَق. والوَطنُ لا يُباعُ مرّةً واحدة، وإنّما يُستنزَفُ كلَّما صَمَتَ العقل، وانشَغَلَ الجُمهورُ بِالضَّجيجِ عَن المَصير.
وإذا كانتِ السيادةُ في زمنِ الأمسِ تُقاسُ بالحدودِ والجُيوشِ، فهي في زمنِ اليومِ تُقاسُ بِالتحكُّم في البيانات، وامتلاك البُنى التّحتيّة الرقميّة، وحماية السيادة السيبرانية من أخطارِ الاختراقِ والتَّطفُّلِ والتّبعيّةِ التِّقنيّة. ولٰذٰلك أدرَكَتِ الجزائرُ – بيَقظتِها الجديدةِ – أنّ الاستقلالَ لا يَكتملُ في الجغرافيا فقط، بل في الفضاءِ الرّقميِّ أيضًا، حيثُ تَنتشرُ المنصّاتُ وتَتسابقُ الخوارزمياتُ وتُختلَسُ العُقولُ من وراءِ الشاشاتِ. فَأطلقت مشاريعَ الرقمنة الشاملة في التعليمِ والصحةِ والعدالةِ والإدارةِ، وسَعَت إلى توطين البرمجيّات بدلَ استيرادِها، بل ووضعت شرطَ استضافة البيانات داخل الوطن، لا في خوادمَ أجنبيةٍ تَخزِنُ وتُراقبُ وتُتاجر. وها هي اليومَ تسعى إلى تطويرِ الذكاء الاصطناعي الوطنيّ، وربطِه بخصوصيّات المُجتمعِ، حتى لا تُفرَضَ علينا حلولٌ لا تُشبهُنا، وتكنولوجياتٌ تُعيدُ إنتاجَ التبعيّةِ في صورةٍ ناعمةٍ بَراقة؛ فالسِّيادةُ الرّقميّةُ ليست رفاهًا، بل دِرعُ المستقبلِ، وشرطُ البقاءِ في زمنٍ لا يرحمُ مَن تَخلَّفَ عن الرَّكب..!
إنَّ استرجاعَ السِّيادةِ لا يَكونُ بِرَفعِ العَلمِ وَحدَه، ولا بإضافة المَقطَع الخامس من النَّشيدِ الوطني وَحدَه، بل بإقامةِ الموقفِ الوطنيِّ على قواعدِ القَرارِ السّياديِّ الصَّلبِ، وبتَحقيقِ الاكتفاءِ في مواطنِ الحاجةِ، والاعتمادِ على الذّاتِ في مواطنِ القُوَّة. وها هي الجزائرُ، وقد تطهَّرَت مِن شَبَحِ التَّبَعيّةِ، تُبهِرُ المُتابِعِينَ بتَموقُعِها الرَّصينِ في مُحيطِها الإقليميِّ، ومَكانَتِها المُتّزِنةِ في ساحاتِ التّأثيرِ الدّوليِّ، دُونَ أن تَبِيعَ مبدأً، ولا أن تشتريَ رِضا الأقوياءِ بالخُنوع. لَم تَعُد الجزائرُ تَنتظرُ منَ الجالِسِينَ على المَوائدِ الدّوليّةِ فُتاتًا، بل جاءت بِكُرسيِّها، وبِصَوتِها، وبِذَخيرَةِ تاريخِها، لتَقولَ: “أنا الحاضرةُ بما أملِك، لا بما يُملَى عَلَيَّ”.
ولَو لم تَكُنِ السِّيادَةُ سُلوكًا يُغرَسُ في النُّفوسِ، لاكتَفَينا برَفعِ الأعلامِ ونَصبِ التَّماثيلِ، وتركنا الأيّامَ تُرَبِّي الأجيالَ على غَيرِ هُدى. ولٰكِنَّ السِّيادَةَ –كما يقولُ أهلُ التَّدبير– لا تَستَقِرُّ في الوَثائقِ وحدَها، بَل في الذّاكرةِ الحَيَّةِ، وفي المَناهِجِ الحَصيفَةِ، وفي اللّغةِ الّتي تُسَمِّي الأشياءَ بأسمائِها. فأيُّ جِيلٍ لا يُدركُ كيفَ كانتِ الجزائرُ تُعذَّبُ، لن يُدرِكَ كيفَ يجبُ أن تُحتَرم، وأيُّ طالبٍ لا يَسمَعُ عن جُرحِ الثّقافةِ، سيَبيعُ لغتَهُ بأوَّلِ وَعدٍ زائِف. تَبدَأُ السِّيادَةُ من فَصلِ الدّرسِ، ومِن طَريقةِ نُطقِنا لأسماءِ الشُّهداءِ، ومِن إيمانِنا أنَّ الجزائرَ لا تُخضِعُ رأسَها ولو سَقَطَتِ الجِبالُ، فكيفَ تُخضِعُ جَبينَها في زَمنِ القُوَّةِ والبَصيرَة..؟!
وليس من نافلةِ القولِ أن نُسطِّرَ بالأدلّةِ ما يُثبتُ أنَّ الجزائرَ ما عادت تُصفِّقُ في المَجالسِ، بل تُقرِّرُ، وتُفاوضُ، وتَبني المحاورَ بِميزانِ السِّيادةِ. فَفي الملفِّ الليبيِّ، لم تَكُن الجزائرُ ضيفًا على طاولةِ الحلِّ، بل كانت الحَكَمَ الّذي تُصغي إليهِ الأطرافُ جميعًا، عِلاوَةً على مَوقفِها المبدئيّ الثّابت من قضيّةِ الصّحراءِ الغربيّةِ الّتي ما سَعت فيها لمَنفعةٍ ولا غَنيمة، بل دَعَمَت حَقَّ الشَّعبِ الصحراويِّ في تقريرِ مصيرِهِ كما أقرَّتهُ المواثيقُ الأمميةُ، لا كما تُروِّجُ له الآلَاتُ الإعلامية؛ فالقضايا العادلة –عند الجزائر– ليست قميصًا يُرتدَى عند الحاجةِ ويُخلَعُ عند التّوتر، بل مَنهجُ دَولة، وخُلقُ ثورة، ومِرآةُ هُويّة لا تُساوِمُ ولا تُقايِض، ففي قضيّةِ فلسطينَ، صَدَحت الجزائرُ حيث سَكَتَ غيرُها، واستضافت “لَمْ الشّملِ الفلسطينيّ” في أكتوبر 2022، وأثمرتِ المُصالحةُ رغم أنفِ المُطَبّعِين. ومازال مبعُوثُنا في مَجلس الأمن يَضع يده الجُرح، ويُذَكِّر العالَم بمدَى نذالته بعد طوفان الأقصى. ومالي، ونيجر، ومنطقةُ الساحل، تشهدُ للدبلوماسيّةِ الجزائريّةِ، الّتي تُفكِّكُ الأزماتِ بلا قصفٍ، وتُرمِّمُ الخلافاتِ بلا إملاءات. أما الغازُ، فهو جُنديٌّ صامتٌ من جنودِ السيادة، به تفاوضت الجزائرُ مع أوروبا دون انحناء، واستُقبِلَ رئيسُها في روما استقبالَ الحلفاءِ لا الزُّوّار. وها هو صندوقُ النقدِ يُقِرُّ في آخرِ تقاريرِه: “الجزائرُ على طريقِ الاستقرارِ الاقتصاديِّ بثباتٍ غير مسبوق”.
وما نَفَعَت أمَّةٌ استرجَعَت أرضَها وفَقَدَت أمرَها، ولا أغنَتها الرّاياتُ إذا كانَ القرارُ يُصنَعُ في غَيرِ ديارِها. ولذٰلك كانت الجزائرُ –في يَقَظتِها– تُحافِظُ على اقتصادِها كما يُحافَظُ على العِرضِ: تَرفُضُ القُروضَ المُذِلَّةَ، وتَنأى عنِ المُؤسّساتِ الّتي تُغري بالمالِ وتَسرِقُ الإرادة؛ فَلَيسَت التَّنميةُ في تَكديسِ الإسمنت، وإنّما في تَحقيقِ الاكتفاء، وصَونِ القَرار، ورَبطِ الخُبزِ بالحُرِّيّة، لا بالدُّيونِ والتبعية. ولِهٰذا رَأينا الجزائرَ تَمدُّ يدَها لشُركاءِ النِّدِّ لا لِمانِحي الوِصاية، وتُوَقِّعُ اتّفاقاتِها بِمِدادِ المَصالحِ المشتركةِ، لا بِحِبرِ الرَّهْنِ الخفيِّ؛ فالاستقلالُ لا يُقاسُ بالأعلامِ وَحدَها، بل بالمُوازناتِ والاتّفاقياتِ، وبقُدرتِك على أن تقولَ: “نَعم” حِينَ تَشاء، و«لا” حينَ تُريد، دونَ أن يُقطَعَ عَنكَ الوَردُ، أو تُرفَعَ مِن فَوقِك المِظلَّة.
على أنَّ الإنصافَ يَقتضي أن نَقولَ: ما بَلغنا الغايةَ بَعدُ، وما أُقفلَ بابُ التّرقّي، ولا رَكَدَ بَحرُ الإصلاحِ، بل نحنُ في بداياتِ الانطلاقِ الجادّ، نَحتاجُ إلى نَفَسٍ أطوَل، وإلى هَندسةٍ أمتنَ في مجالاتٍ بعينِها، كالتّعليمِ الّذي هو مِعمارُ الأممِ، والصّحّةِ الّتي بها يَسلَمُ الجَسدُ والاجتماعُ، والإدارةِ الّتي تحتاجُ إلى نَفخِ الرُّوحِ لا تَبديلِ الجُدران. ولسنا نقولُ هذا تَثريبًا ولا تَجريحًا، بل حِرصًا على ألاّ نَغتَرَّ بِمَا حَقَّقناه؛ فإنّ أخطرَ المَزالقِ أن نَحسبَ البداياتِ نِهاياتٍ، وأن نَظُنَّ ما شُيِّدَ يُغني عَمّا يُشيَّد. إنَّ الوطنَ كَالكِتابِ الحَيّ، لا يَكمُلُ إلا إذا كَتَبَ فيهِ الجَميع.
وها نحن – في الذكرى الثّالثةِ والسّتينَ لعيدَي الاستقلالِ والشّبابِ – لا نُقيمُ مَأتمًا للذِّكرى، بل نُقيمُ لها عُرسًا من الوعي، نَحتفلُ لا لِنُسَكِّنَ جُرحًا، بل لِنَشحَذَ هِمَّةً، ونَستَجمِعَ القُوَى من حِبرِ التّاريخِ لِنَكتبَ بها سُطورَ الآتي. لقد خَرَجَ الاستِعمارُ من الأبوابِ، فلا نَدَعهُ يعودُ من النّوافذِ، وتحرَّرنا من القُيودِ، فلا نَضِق ذرعًا بالمسؤوليَّة. وإنَّ الجزائرَ –الّتي بَنَت استقلالَها بالشّهادةِ، وحافَظَت عليه بالوَعي– لَقادِرةٌ على أن تُحقِّقَ نهضتَها بذكاءِ أبنائِها، وصدقِ عزيمتِهم، وصوابِ رؤيتِهم. ولسنا مَعَ مَن يقول: “لقد فعلنا ما فيه الكفاية”، بل مَعَ مَن يقول: “مَا زالَ الوطنُ يُنادِي، وما زِلنا قادرين على أن نكونَ أهلاً للنِّداء”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025