المرجعية القانونية واضحة

التاريخ لا يدخل أروقة المحاكم... إلا في حالة الإساءة لـ”الذاكرة”

جمال أوكيلي

دعا السيدان جمال يحياوي، مدير مركز الدراسات والبحث في الحركة الوطنية وأول نوفمبر ١٩٥٤، وأبي إسماعيل محمد، مدير التراث التاريخي والثقافي بوزارة المجاهدين، إلى حماية ذاكرة المجاهدين والشخصيات الثورية والشهداء، من الإساءة وإلحاق الضرر المعنوي بنضالهم الوطني الساطع.

وفي هذا السياق، شدّد السيد يحياوي، على ضرورة إبقاء مسألة كتابة التاريخ في إطار المقاربة العلمية المتوجهة إلى الاعتماد على الأدوات الموضوعية القادرة على نقل المعلومة أو الحادثة دون أي حكم مسبق أو قراءة تستند إلى خلفيات غير محبّذة... رافضا رفضا مطلقا إدخال التاريخ إلى أروقة المحاكم... والقصد هنا، أن الرأي أو وجهة النظر لا ينبغي أن تسقط في مطبّ تضيف الآخر في خانة لا تليق... وبالأحرى غير مناسبة... وإن تعدى الأمر هذه الحدود، فإن المرجعية القانونية هي التي تفصل في الأمر.
من جهته، دعّم السيد أبي إسماعيل محمد، ما ورد على لسان السيد يحياوي، وهذا عندما أكد على أن الفعل اللفظي أو أي شيء من هذا القبيل، يستدعي تدخلا مباشرا من قبل السلطات العمومية، قصد وضع حدّ لكل عمل يرمي إلى إلصاق أوصاف معينة بمن ساهم في الثورة... وهناك ما يعرف بالأحكام الجزائية بقانون المجاهد والشهيد، وخاصة المادة ٦٦ التي تنص صراحة على ما يلي: “يعاقب على كل مساس برموز ثورة التحرير الوطني المنصوص عليها في المادة ٥٢ من هذا القانون طبقا لقانون العقوبات”.
وشرح السيد أبي إسماعيل شرحا مستفيضا تداعيات هذه القضية، دون الولوج في التشخيص، خاصة تجاه أولئك الذين يوظفون “التاريخ” لحسابات آنية، هدفها الظهور بمظهر المتمكن من حيازة موقع معيّن لدى الرأي العام على حساب المساس بقيم نضال الأشخاص، سواء أكانوا على قيد الحياة أو استشهدوا أو وافتهم المنية... كل هذه الأصناف يحميها القانون.
لذلك، لا نستغرب أبدا من وجود متابعات قضائية في هذا الشأن، كانت الساحة الوطنية مسرحا لها خلال الأيام الماضية، أساء أصحابها لشخصيات ثورية بوصفها بأوصاف غير لائقة بتاتا... وآليا تحرّكت العديد من الجهات كي تكون طرفا مدنيا في هذه القضية... وهذا بإعادة الاعتبار لهؤلاء الرجال.
ولابد من التأكيد هنا، أن النصوص التشريعية التي سُنّت في هذا الإطار، جاءت من أجل الإحاطة الشاملة بالظاهرة حتى لا تتكرر.. أو يسعى البعض لاتباعها.. لذلك فإن الحماية تتوجه إلى كل الرموز الوطنية دون تمييز، حتى تكون عبرة لمن يعتبر، كوننا لا نقبل بثقافة جلد الذات والتنكر للآخر. وفي هذا السياق، أورد السيد يحياوي أمثلة حيّة... اصطدم بها في الكثير من المواقع التي كان يتنقل إليها من أجل إلقاء محاضرات بخصوص الثورة... وهذا عندما تصل إلى مسامعه أسئلة محرجة ذات طابع استفزازي.. لكنه يفضل الاستماع للآخر بدلا من الإجابة، وفي نهاية المطاف يفرغ كل ما في جعبتهم، دون قدرتهم في إيصال رسالتهم... كل ما في الأمر أنه كلام معروف عند الناس... لا يتطلب كل تلك الهالة... أو الزعامة أو حب الظهور أمام الملأ.
لذلك، فإن حماية الذاكرة... هو في خلاصة القول، الحفاظ على الثورة في وجدان الشعب الجزائري... وهذا عمل جبّار يقع على كاهل كل من هو مخوّل له مثل هذا العمل... ويتجلّى أكثر في مبادرات الجهات المسؤولة التي تسعى جاهدة من أجل أن يترسخ ذلك في أعماق الشباب. و«معرض الذاكرة” المقام بحديقة “الوئام”، يفتح آفاقا واسعة لهذه الفئة من أجل السفر إلى أمجاد الجزائر... وهذا وفق صيغة جديدة تعتمد على الوسائط الإلكترونية الحديثة، التي تسمح للمرء أن يعيش الحدث عن قرب... وبكل الوسائل المتاحة له... و«معرض الذاكرة” استطاع حقا أن يبلّغ هذه الرسالة للأجيال... خاصة مع تلك الشهادات الحيّة عن الثورة، أي جعل الحواس تتفاعل كلها مع الذاكرة... وتعود إلى مرحلة كان فيها الشعب شغله الشاغل، هو الاستقلال مهما كان الثمن... وهذا هو هدف الجزائريين مهما قيل ويقال عن الثورة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024