أرعب المخابرات الاستعمارية الفرنسية

مسعود زڤار خدم الجزائر أثناء الثورة التحريرية وبعد الاستقلال

مسعود زقار كان أحد أبرز رجال مصالح الاستعلامات الجزائرية عاش من أجل الجزائر الجزائر، ووهب نفسه وماله في خدمتها، مول العديد من العمليات الناجحة لصالح البلاد في الخارج لم يكشف إلا على القيل منها. رجل كانت ترتعد لذكر اسمه المخابرات الفرنسية لمكانته الخاصة لدى القوى العظمى سيما امريكا، لكنه للأسف مجهول لدى الأجيال الصاعدة.

ولد مسعود زقار في 8 ديسمبر 1926 بالعلمة في ولاية سطيف، التي كانت تسمى آنذاك «سانت أرنو» وسط عائلة فقيرة، وبما أن والده كان رجلا بسيطا، فقد أرغم الطفل على تحمل مسؤولية العائلة بكاملها، وسعيه لكسب القوت دفع به إلى المغامرة والهجرة إلى فرنسا وعمره لم يتجاوز العاشرة، اشتغل بفرنسا مدة 4 أشهر وعاد إلى أهله بفرنكات معدودة، وعوض أن يواصل دراسته بالمدرسة الفرنسية فضل مساعدة والده في المقهى بوسط مدينة العلمة.
 لكن هذا الطفل لم يكن عاديا في نظر والده بل كان كثير التحرك يتسم بنشاط وحيوية منقطعة النظير، ولذلك عمد والده إلى تزويجه وعمره 13 سنة، لكن هذه الخطة لم تفلح مع مسعود ولم يدم الزواج طويلا ليعود هذا الزوج المشاغب إلى حياة العزوبية من جديد.
 بعد العمل مع والده تحول إلى بائع للحلوى رفقة ابن عمه وعمره 15 سنة، هنا راودته فكرة صنع الحلوى بدل بيعها. شرع في تجسيد فكرته ونجح في إنجاز ورشة لصناعة حلوى، عرفت يومها باسم «برلنقو والفليو». كان يصنعها بنفسه بمستودع بالعلمة ويتولى تسويقها خارج المدينة، الورشة نجحت وبدأ مسعود يشق طريق النجاح. بعد أحداث 8 ماي 1945 انتقل زقار إلى وهران مع عائلته.
أصبح مسعود يعرف بألقاب مختلفة كرشيد كازا و»بحري» و»شلح» و»ميستر هاري»، وهي التسمية التي اشتهر بها وسط الضباط الأمريكان المعسكرين بالقاعدة الأمريكية بالمغرب، وهي القاعدة التي تمكن من اختراقها بعد إتقانه للغة الإنجليزية وكثرة احتكاكه بضباطها، وقد بلغ به الأمر إلى حد توظيف أحد أصدقائه بها، وهو نواني أحمد الذي عمل بالقاعدة وكان يمد مسعود بمختلف المعلومات الحربية، كما تمكن الاثنان من الحصول على أسلحة وأجهزة اتصال بالتواطؤ مع بعض الضباط.
وبهذه الطريقة تمكن رشيد من الحصول على جهاز إرسال متطور يستعمل في تجهيز البواخر، وهو الجهاز الذي أدخلت عليه بعض التعديلات وأصبح يستعمل في البث الإذاعي لـ «صوت الجزائر» بالناظور، حيث شرعت هذه الإذاعة السرية في البث بتاريخ 16 ديسمبر 1956 ، كما أن احتكاكه بالأمريكيين سمح له باكتساب خبرة واسعة في مجال السلاح وأجهزة الاتصال وبلغ به الأمر حد تكوين علاقات مع شخصيات أمريكية راقية وبعض أعضاء الكونغرس الأمريكي.
 كان يحضر معهم معظم الحفلات والنشاطات التي ينظمونها، وقد أتيحت له الفرصة بأن يتعرف على زوجة السيناتور جون كينيدي الذي أصبح بعد سنوات رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فكان يوظف كل هذه العلاقات لدعم القضية الجزائرية. العمليات الاستخباراتية كللت بنجاح باهر.
 وبدأ الرجل يوسع دائرة استعلاماته في عدة أماكن، حيث تمكن من خلق علاقات في محيط الرئيس الفرنسي شارل ديغول، وكان في كل مرة يزود قيادات الثورة بمعلومات سرية للغاية وكان بمثابة النواة لشبكة المخابرات التي لعبت دورا بارزا في الاستعلام الحربي.
 وبما أنه أصبح يتقن التعامل مع أجهزة الاتصال، زود مقر «المصلحة الخاصة للسلاح بالإشارات» بمحطة للاتصال اللاسلكي يتصل بها مباشرة ببوصوف وهواري بومدين، لم يسبق لأي شخص أن تكفّل بمفرده بإنجاز مصنع للسلاح، وقد اختار « رشيد كازا» أن تكون هذه المغامرة بالمغرب، وكان ذلك في مكان ما بالقرب من منطقة الناظور، لأنه لا أحد يعلم الموقع بالضبط إلا مسعود وقلة ممن معه، وحتى هذه القلة كانت إذا غادرت المكان لا تكاد تعرف طريق العودة إلا بتوجيه من رشيد كازا، فلا ملك المغرب ولا أي شخص مغربي كان يعلم شيئا عن هذه المؤسسة النادرة في الوطن العربي، فظاهريا المصنع يبدو مختصا في صنع الملاعق والشوكات ويعمل به عمال أجانب من دولة المجر، لكن في المستودعات الخفية المكان مخصص لصنع ما يدعى بـ «البازوكا».
وبما أن مسعود كان حريصا على سرية النشاط فلم يوظف فيه إلا المقربين إليه، بعضهم من أفراد العائلة وكلهم تقريبا من أبناء المنطقة؛ أي من مدينة العلمة. كان هؤلاء يشرفون على عمليات التركيب لمختلف قطع الغيار التي كان يستقدمها زقار من أمريكا بطريقته الخاصة التي لا يعلمها إلا هو، وحتى المقربين إليه لا يعلمون، خاصة تلك التي تبدو من خلال شكلها بأنها مخصصة لصنع القذائف، وأما بعض القطع فقد كانت تدخل علانية على أساس أنها موجّهة لصنع الملاعق والشوكات، وحتى العمال المغاربة الذين تم تشغيلهم لم يكونوا على دراية بطبيعة المصنع الذي يعملون به.
 النفوذ الكبير لمسعود كان بالولايات المتحدة الأمريكية، أين تعرف على أبرز الشخصيات كالرئيس السابق ريتشارد نيكسون الذي استطاع إقناعه باستقبال الرئيس هواري بومدين في 1974، كما كانت له علاقة مع كاسي المدير السابق لوكالة المخابرات الأمريكية، وكذا رائد الفضاء فرونك بورمان الذي زار الجزائر بدعوة من مسعود واستقبل من طرف الرئيس هواري بومدين. علاقاته امتدت أيضاً لجورج بوش الأب قبل أن يصل إلى الرئاسة، والذي أصبح فيما بعد نائبا للرئيس ريغن، وصديقا لمسعود.
كانت الحقيقة التي أبهر بها الجميع هي تلك المتعلقة بإنقاذ الجزائر من هجوم أمريكي وشيك وكان ذلك عام 1967 خلال الحرب العربية الإسرائيلية. في الوقت الذي كانت الجيوش العربية في مواجهة مع الإسرائيليين كان الأسطول السادس لأمريكا يحوم في البحر الأبيض المتوسط وبالضبط في نواحي شرشال، وبفضل التحركات التي قام بها زقار مع القيادة الأمريكية، غادر الأسطول المكان وتم تجنب الكارثة بسلام، حقيقة أخرى كان يجهلها الجميع أن مسعود زقار تمكن بحنكته وبفضل احتكاكه بالأمريكان من إنقاذ رئيس دولة عربية من الاغتيال، حيث أعلم بومدين بالأمر قبل حدوثه وبومدين بدوره أبلغ هذا الرئيس الذي نجا من الموت بفضل التحرك الذي قام به زقار.
توفي مسعود زقار في 21 نوفمبر1987 بأحد فنادقه بمدريد ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه بالعلمة، حيث شهدت جنازته حضور شخصيات كرئيس الجمهورية حاليا عبد العزيز بوتفليقة ووزراء سابقين، بالإضافة إلى رجال أعمال أجانب، ومن دول الخليج.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024
العدد 19444

العدد 19444

الأحد 14 أفريل 2024
العدد 19443

العدد 19443

السبت 13 أفريل 2024