قراءة في بعض بنود اتفاقيات ايفيان

كيــــف حصلـــت فرنســـا على حـق الأفضليـــة في استغـلال البــترول بالصّحــراء الجزائريـــة؟

حكيم بوغرارة

قرار تأميـم المحروقـات تعزيـــز للسيـــادة الوطنيـــة

تعكس  مفاوضات اتفاقيات ايفيان والنتائج المتوصل إليها الظروف الصعبة التي كان يفاوض فيها الوفد الجزائري، الذي نجح في استعادة ما كان يصبو اليه: الاستقلال الوطني رغم محاولات فرنسا  نيل امتيازات اقتصادية خاصة في الصحراء الجزائرية، فهي كانت على يقين بأن الجزائريين يستهدفون الاستقلال الذي كان نتيجة حتمية للمفاوضات  ؟.
أعطت اتفاقيات في مجالها الاقتصادي لفرنسا مواصلة استكشاف والتنقيب عن البترول في الآبار التي تم اكتشافها قبل الاستقلال، والاستفادة منها في اطار التعاون الاقتصادي لكن تحت السيادة الوطنية.
وتضمّنت اتفاقية إيفيان في مجال “إعلان مبادئ التعاون من أجل استثمار ثروات باطن الأرض بالصحراء” بتكفل الجزائر بسلامة الحقوق الخاصة بعقود التعدين والنقل التي منحت بواسطة الجمهورية الفرنسية طبقا لقانون نفط الصحراء.
وتحدّث الباب الأول تحت عنوان “الهيدروكاربور والسائل الغازي” عن احتفاظ فرنسا بمجموع عقود التعدين والنقل التي منحتها قبل تقرير المصير، ومع ذلك فإنه بعد وقف إطلاق النار لن تصدر فرنسا تراخيص جديدة لأن بعد إمضاء اتفاقيات ايفيان أصبحت الجزائر هي التي تملك حق إطلاق المناقصات والتنقيب.
وجاء في مجال ضمان الحقوق المكتسبة وامتداداتها “تكفل الجزائر سلامة الحقوق الخاصة بعقود التعدين والنقل التي منحت بواسطة الجمهورية الفرنسية”، طبقا لقانون نفط الصحراء.
  تتعلق هذه الفقرة بمجموع عقود التعدين والنقل التي منحتها فرنسا قبل تقرير المصير، ومع ذلك فإنه بعد وقف إطلاق النار لن تصدر فرنسا تراخيص جديدة للتنقيب في المناطق التي لم تخصص بعد لذلك إلا إذا كانت هذه المناطق قد أعلن عنها قبل هذا التاريخ في الجريدة الرسمية للجمهورية الفرنسية لإجراء التنقيب فيها.
يقصد بامتيازات التعدين والنقل ما يلي: تراخيص التنقيب، تراخيص التنقيب المسماة بتراخيص “د”، التراخيص المؤقتة للإستغلال، إمتيازات الاستقلال والاتفاقيات الخاصة بذلك.
كشفت الاتفاقيات التي تم إمضاؤها في 18 مارس 1962 أي يوم قبل إعلان وقف إطلاق النار عن قانون نفط الصحراء والذي كان “مجموع النظم المختلفة التي كانت مطبقة حتى تاريخ وقف إطلاق النار الخاصة بالتنقيب والإستغلال ونقل “الهيدروكاربور” الناتج في ولايتي الواحات وساوورا، حتى نهاية خط الأنابيب عند الساحل”
وحدّد قانون نفط الصحراء، حقوق وإلتزامات  حامل تراخيص التعدين والنقل، وحقوق الأشخاص الحقيقيين والمعنويين التي منحت لهم بمقتضى الاتفاقيات والعقود الموافق عليها في الجمهورية الفرنسية
فرنسا حافظت على حقّها في نقل المحروقات وتصديرها من الجزائر
استماتت فرنسا في الدفاع عن حق ضمان بعض الأنشطة الاقتصادية في الصحراء الجزائرية، وخاصة في مجال المحروقات،وهو ما يؤكد تمسكها بفصل الصحراء عن الشمال، وحتى بعد اقتناعها باستحالة قبول المفاوض الجزائري بأي تنازل والتمسك بالوحدة الترابية، افتكت فرنسا مزايا هامة تؤكد طمعها الدائم في ثروات الجزائر، وجاء في الاتفاقية “يمارس حملة تراخيص التعدين حقهم بالشروط الإقتصادية العادية حسب توصيات مؤسسة التعدين الخاصة بتحديد رسم النقل، وذلك فيما يتعلق بالنقل العادي أو بواسطة الأنابيب والتوصيات الخاصة بإنتاج الهيدروكاربور السائل والغازي وتأمين نقله وضمان تصديره”.
وتحدثت الاتفاقية أيضا عن حرية فرنسا في التصرف بإنتاج المحروقات الذي تشرف عليه، ونصت الاتفاقية “يمارس صاحب الإمتياز وشركاؤه في إطار مؤسستهم الإقتصادية الخاصة بهم أو المنظمة التي اختاروها، حقهم في التصرف بحرية في الإنتاج سواء بالبيع أو المقايضة أو الإستخدام في الجزائر أو تصديره مع مراعاة سد حاجات الإستهلاك المحلي للجزائر ومعادل التكرير المحلية”.
وأيقنت فرنسا أنّ ما تضمّنته المفاوضات في بعض جوانبها الاقتصادية هي لصالحها - جعل الجزائر تؤمّم المحروقات فيما بعد كرد فعل غايته تعزيز الاستقلال السياسي بالاقتصادي - وفرض المفاوض الفرنسي بندا لحماية امتيازاته بعد الاستقلال مثلما ورد “.....تمتنع الجزائر عن القيام بأي خطوة من شأنها رفع التكاليف أو وضع عقبة أمام ممارسة الحقوق التي سبق ذكرها مع مراعاة الظروف الاقتصادية العادية، ولن تمس حقوق ومصالح المساهمين وحاملي الحصص أو الدائنين لأصحاب تراخيص التعدين والنقل أو تركاتهم أو المشروعات التي تعمل لحسابهم”.
 التّأميم للرد على أطماع فرنسا
لم تكن التأمينات في الجزائر مجرد خطابات تناقلتها وسائل الاعلام بل كانت مواقف رمزية لن تظهر أمام ما ضحّى به الرجال، وفكّر فيه عباقرة الأمة الذين لم يكتب للبعض منهم الظهور لمعرفتهم.
كانت التحولات بعد الاستقلال صعبة وخطيرة على المستوى الدولي، حيث تعرضت الكثير من الدول لانقلابات عسكرية فقط بمجرد تفكيرها في التأميم. عكس هذا حضّرت الجزائر جيدا لتصحيح بعض ما ورد في بنود اتفاقيات ايفيان، ردا على أطماع فرنسا التي لم تكتف بالسماح لها بتفجير قنابل نووية في الصحراء بموافقة جزائرية في المفاوضات بل تعد ذلك لطلب امتيازات على الفترات التي تلت الاستقلال. ومن أحد البنود الخطيرة هو “.....تمنح الجزائر في خلال ستة أعوام من تاريخ تنفيذ هذه النظم الأولوية للشركات الفرنسية بشأن منح تراخيص التنقيب والاستغلال في حالة تساوي العروض القديمة الخاصة بالمناطق التي لم تخصص بعد للإستغلال أو أصبحت معدة”.
يحدّد القانون الجزائري نظام العمل فيها مع احتفاظ الشركات الفرنسية بنظام القانون نفط الصحراء المشار إليه في الفقرة رقم 1 السابقة، وذلك فيما يتعلق بإمتيازات التعدين التي تدخل تحت ضمان الحقوق المكتسبة.
ويقصد بالشركات الفرنسية في هذه الفقرة الشركات التي تخضع لإشراف أفراد حقيقيين أو معنويين من الفرنسيين. ثم بعملة الفرنك، عمليات بيع وشراء الهيدروكاربور الناتج من الصحراء، والمعد مباشرة أو بعد التعديلات الفنية، لتموين فرنسا أو البلاد الأخرى الداخلة في منطقة الفرنك، لتصدير “هيدروكاربور” الصحراء خارج منطقة الفرنك، يطرح المناقشة الحرة، وتستفيد الجزائر من النقد الأجنبي الناتج عنه.
لكن قرار الجزائر بتأميم المحروقات كان أقوى الخيارات لتعزيز السيادة الوطنية، واستغلال الثروات بقرار سيادي دون تبعية لأيّة جهة أو وصاية من أي أحد.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024