قانــــــــون ''الإنديجيـــــــــــنا '' نمـــــــوذج للعنصريــــــة الفرنسيـــــــــة تجـــــــاه الجزائريـــــــين

نصـــوص وإجــراءات استثنائيــة

سهام بوعموشة

لعل أسوء إجراء اتّخذته الادارة الاستعمارية طيلة ١٣٢ سنة من احتلالها للجزائر هو قانون ''الأنديجينا ''او قانون الأهالي كوسيلة قمع واستبداد ضد الشعب الجزائري.
ويظل هذا القانون نموذجا فريدا في إساءة السلطة الفرنسية وسوء معاملتها بين البشر والعنصرية تجاه شعب اغتصبت أرضه، ومع ذلك تدّعي أنّها جاءت حاملة للحضارة ورسالة تمدينية، وبالمقابل تنعت الجزائريين بالمتعصبين والمتخلفين الذين لم يسارعوا في احتضان تلك الحضارة المزعومة.
ويعرف الدكتور أبو القاسم سعد اللّه ''الأنديجينا'' في كتابه الحركة الوطنية الجزائرية (١٨٦٠ ــ ١٩٠٠)، بأنّه مجموعة نصوص وإجراءات استثنائية سنّها ووظّفها المسؤولون الفرنسيون ضد الجزائريين الذين يشكون في ولائهم ولا يرتاحون لتصرفاتهم، مضيفا بأنّ الذين سنّوا هذه الاجراءات التعسفية هم أعداء الجزائريين من الغرباء الذين اغتصبوا أرضه وادّعوا أنها لهم بحكم الغلبة الحاقدين عليهم لا لشيء سوى أنّهم لم يستسلموا لهم كالنعاج بل ظَّلوا يقاومون كالأسود الجريحة.
واوضح سعد اللّه في هذا الشأن، أن قانون ''الانديجينا'' لم يشرع دفعة واحدة وانما بدئ به سنة ١٨٧١ ثم اضيفت البنود  مع ثورة ١٨٨١، وقد ظل هو القانون الفرنسي للجزائر لأكثر من خمسين سنة، حيث أراد الاميرال ''ديقيدون'' إصدار قانون خاص لا يشبه القوانين المعمول بها في فرنسا.
ويقول صاحب كتاب ''الحركة الوطنية الجزائرية'' أنّه من التناقضات في الأقوال والأفعال أنّ الفرنسيين يتحدثون عن ''دمج'' الجزائريين وتذويبهم في فرنسا، بينما يصدرون ضدهم قوانين خاصة أو استثنائية جدا.
وجاء في مشروع اللجنة الفرنسية أن كل مسلم (جزائري) عليه أن يحمل بطاقة امنية وأن التسول ممنوع ولو كان المسلم عاجزا، وإن وجد في حالة تسول حول احدى البلديات سيسجن لمدة تتراوح ما بين شهر وسنتين.
 واستمر ديقيدون يعطي الحرية في إنشاء اللجان لمحاكمة الجزائريين في المناطق البعيدة وأعطى للحكام المحليين حق السجن ثمانية أشهر والتغريم بخمسين فرنكا، وكذلك أعطى صلاحيات مماثلة للولاة في الأقاليم الثلاثة، وذلك رغم عدم المصادقة الرسمية على أي من المشاريع المذكورة فإن الحكام الاداريين ظلوا يستعملون السلطات الاستثنائية طبقا لهواهم أو حسب تعليمات يصدرها الحاكم العام.
وعندما تولى الجنرال ''شانزي'' سنة ١٨٧٣، أصدر مشروعا بالمخالفات التي يستحق عليها في نظره الجزائريون العقوبات الاستثنائية، وكانت قائمة المخالفات طويلة بدأت بـ ٢٧ مخالفة، ثم أخذت تتضخم ويضاف إليها كلما حدث ما يستوجب الاضافة، حتى تجاوزت الأربعين مخالفة.
ويؤكد سعد اللّه أن تقدير المخالفات كان متروكا لاجتهاد الاداريين المحليين، لأنّ بعضهم لم يكن يخضع لأي نص وإنما يخضع لنزوة الحاكم الذي هو عادة شاب مندفع غير عارف بعادات وتقاليد أهل البلاد وليس له أخلاقا ولا ذمة.
وقد اشترك في إعداد قائمة المخالفات والي قسنطينة والجزائر ومدير الشؤون الأهلية، وبعد ذلك نشر الولاة قائمة المخالفات وأذاعوها في كل مكان وبذلك حلّت السلطة القمعية مكان السلطة القضائية.
ومن بين المخالفات نجد إهانة مستخدمي السلطة الفرنسية ولو كانوا خارج وظائفهم، السكن المعزول أي خارج الدوار بدون رخصة، مغادرة الدوار بدون رخصة، الاجتماع لأغراض دينية بدون رخصة مثل الزردة وزيارات الشيوخ، إهمال الاستدعاء البسيط ولو كان شفويا وعدم المثول امام السلطات وغيرها من الاجراءات.
وخلال الفترة (١٨٧٧ ــ ١٨٨١) أضيفت موادا أخرى للمخالفات، منها عدم التسجيل في الحالة المدنية إهمالا أو رفضا، ومنها أيضا الشكوى المتجددة من عدم الانصاف بعد الحكم النظامي، فرض الضمان المشترك أو المسؤولية الجماعية، فإذا وقع حادث قتل أو حريق في غابة فإن كل العرش أو القبيلة المجاورة تتحمل المسؤولية.
وقد أضيفت سنة ١٨٧٧ مواد تتعلق بالأراضي وتمليكها وتحديد الخريطة الأمنية وعدم الحصول على رخصة لتمرير الحيوانات في أراضي الغير كالغابات، ومنذ سنة ١٨٨١ أضيفت إليه مواد جديدة ووافق عليه البرلمان الفرنسي بمجلسيه، والغريب في الأمر يقول أبو القاسم سعد اللّه أن نائب الكولون في البرلمان ''قاستو'' هو مقرر المشروع في صيغته الجديدة.
بالإضافة إلى القمع، كان من أهداف ''الأنديجينا'' جمع المال وتفقير الجزائريين، وكانت الأحكام تصدر بدون حق في الاستئناف، وليس من حق المظلومين أن يشتكوا حتى بالكلام، غير أنّ هناك بعض الفرنسيين الذين ندّدوا بهذا القانون كصحيفة ''المنتخب'' التي ظهرت في قسنطينة سنة ١٨٨٢.
فقد كتبت هذه الصحيفة عدة مقالات ضد انتزاع الأرض من الجزائريين وضد المسؤولية المشتركة التي رأتها غير انسانية وغير شرعية، وقالت أن المسؤولية في التمرد تقع على الحكام الذين عينتهم فرنسا ليحكموا باسمها فصاروا يهينون الناس، وهكذا يتّضح مرة أخرى وتنكشف مساوئ الاستعمار الفرنسي بالجزائر من جرائم وإجراءات قمعية المخالفة للأعراف الدولية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024