الشهيـــد عبـاس لغـرور

قائــد بـارز بمنطقــة الأوراس

سهام بوعموشة

يعتبر الشهيد عباس لغرور من القادة البارزين بمنطقة الأوراس، وهو من الذين حقّقوا انتصارات كبيرة على العدو، وساهم في وضع قاطرة الثورة على الطريق الصحيح.
ولد الشهيد يوم ٢٣ جوان ١٩٢٦ بدوار أنسيغة قرب مدينة خنشلة، تلقّى التعليم الديني على يد شيوخ الزاوية بالمنطقة، ولما بلغ السادسة من العمر التحق بالمدرسة الفرنسية. كان أبوه يأمل أن ينشا نشأة الرجال الشجعان، فعندما بلغ عمره الـ ١٢ سنة اشترى له والده بندقية صيد ليصطاد بها الطيور، ونصحه بتعلم استعمال السلاح ليكون رجلا شجاعا وقادرا على الرماية، ومستعدا لمواجهة العدو إذا تطلب الأمر ذلك.
انقطع عن الدراسة وعمره الـ ١٣ سنة بسبب الفقر والحرمان، وكذا عزة النفس لأنّه رفض إهانة معلمه الذي كان يعلّمه بالمدرسة الفرنسية، حيث تعرّف عباس منذ صغره على صور شتى من الظلم والاستبداد فانخرط في صفوف حزب الشعب، ولما وقعت مجازر الثامن ماي ١٩٤٥ كان الشهيد في مقدّمة المتظاهرين بمدينة خنشلة.
وعندما ظهرت حركة الانتصار للحريات الديمقراطية واصل نضاله في صفوفها، وكان يحظى باحترام كبير نظرا لتديّنه، ولهذا كان ينادى بالشيخ عباس. بحث عباس لغرور عن العمل فوجد الأبواب أمامه موصدة، ولما عثر على مهنة طباخ في دار الحاكم بخنشلة قبل العمل بها على مضض، أين كان يعمل بالنهار ويجتمع مع المناضلين في الليل سرا.
وفي أحد الأيام بينما كان عباس يتجول في السوق العامة التقى في طريقه بمناضل معروف لدى الإدارة الفرنسية بنشاطه المعادي لها فصافحه عباس لغرور، فلما بلغ الخبر الحاكم استدعاه وطرده من العمل، ثم فتح دكانا لبيع الخضر والفواكه بمدينة خنشلة نهارا، ويجتمع فيه بالمناضلين ليلا لبيع الصحف التي كانت تصدرها الحركة الوطنية سرا ويجمع الاشتراكات من المناضلين، كما كان يساهم في كتابة الشعارات الوطنية على الجدران، ولما ظهرت المنظمة الخاصة كلّف بتأسيس خلية في خنشلة.  وفي عام ١٩٥١، وقعت مظاهرات احتجاجية من قبل شبان المدينة كان الشهيد في مقدمتهم، فألقت مصالح البوليس القبض عليه وعذّبته عذابا شديدا لمدة ثلاثة أيام حتى أنهك العذاب والبرد الشديد قواه، فأصيب بمرض صدري أجبره على التنقل إلى مدينة باتنة للعلاج.في تلك الفترة، اشتد الصراع في قمة هرم الحركة فاتخذ مناضلو المنطقة موقف الحياد من الطرفين، وقرر الشهيد مع مجموعة من الشبان المخلصين عقد اجتماع للنظر في الحل الذي ينقذ جهود الحركة الوطنية فتوصلوا في مطلع صيف ١٩٥٤ إلى أن المخرج الوحيد منه هو الشروع في العمل المسلح ضد الاستعمار، الذي حاول أن يغذي هذه الخلافات.
لما عاد مصطفى بن بولعيد من العاصمة إلى الأوراس، اتّصل بعباس الذي تعرّف عليه أثناء فترة العلاج بباتنة وكلّفه بالتحضير للثورة على مستوى ناحية خنشلة، فقام الشهيد بالاتصال بالرجال الذين لديهم الأسلحة، والذين أدّوا الخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي ممّن كان يثق فيهم، وكلّفهم بتدريب المناضلين على استعمال السلاح واستخدام المتفجرات وأساليب الإغارة.
حضر لغرور اجتماعا في أواخر أكتوبر ١٩٥٤، أشرف عليه بن بولعيد تمّ أثناءه تكوين الأفواج التي تقوم بالعمليات الهجومية في ليلة الفاتح نوفمبر، فعين الشهيد على رأس الفوج الذي يتولى عمليات الهجوم بمدينة خنشلة وضواحيها، وأطلعه على كلمة السر التي يتبادلها المجاهدون فيما بينهم، ولما عاد إلى خنشلة اجتمع بالمناضلين للتشاور حول تحديد الأهداف الستة للهجوم عليها وهي موزع الهاتف، مولد الكهرباء، دار الحاكم، الثكنة العسكرية، مقر البوليس والدرك.
فكان الهجوم الأول على مولد الكهرباء لقطع الإنارة عن بقية الأهداف فيسهل التسلل إليها، ثم قطع خطوط الهاتف لعرقلة الاتصالات بين أفراد العدو، اغتنم عباس لغرور فرصة تنظيم مباراة رياضية جرت بمدينة خنشلة بين الفريق المحلي والنادي القسنطيني، جمعت كثير من أنصار الفريقين، فأمر بنقل الأسلحة والذخيرة إلى شعب ''الغولة'' الذي يبعد عن المدينة ببضعة كيلومترات، شارك في نقلها عشرات من المجاهدين.
وفي ليلة الفاتح نوفمبر ١٩٥٤، اجتمع بالمجاهدين وقسّمهم إلى مجموعات الأولى تتولى عملية تدمير مولد الكهرباء، قطع خطوط الهاتف والمجموعة الثانية تهجم على مقر البوليس والثالثة على الدرك والرابعة على الثكنة، والمجموعة الأخرى تهجم على دار الحاكم.
أما البقية تبقى لتقديم الدعم والإسناد لكل المجموعات عند الضرورة، حيث نفّذت المجموعات الخمسة العمليات الهجومية، حقّقت انتصارات كبيرة ممّا دفع بقوات العدو لمداهمة السكان في بيوتهم واعتقال الكثير منهم.
واستمر البوليس الفرنسي يطارد مجموعة عباس لغرور بدوار ''يابوس'' فوقعت مواجهة بين الطرفين، وعلى إثرها أمره القائد بن بولعيد بتجنّب المواجهة إلاّ عند الضرورة، والاكتفاء بحرب العصابات للاستيلاء على السلاح ثم العودة بها نحو الجبال. وانتقل الشهيد بين القرى والمداشر يدعو السكان لمؤازرة الثورة. وفي جويلية ١٩٥٥، شارك في نصب كمين للعدو بالناحية أين قضوا على عدد كبير من عساكر العدو وغنموا الأسلحة.
وبعد هجمات ٢٠ أوت ١٩٥٥ بالشمال القسنطيني، وقعت أشهر المعارك بالمنطقة ''معركة الجرف'' التي كان لها صدى كبير داخل وخارج الوطن، شارك فيها عباس وأبلى فيها بلاء حسنا وبعد هذه المعركة، خاض عدة معارك بالمنطقة أشهرها ''معركة البياضة''، إلى أن استشهد سنة ١٩٥٧.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024