فشـل الحملات ضـد كـورونا، مختصّـون يؤكّـدون:

شبح «أوميكرون» يعيـد الوضـع الوبائي إلى نقطـة الصّفـر

فتيحة كلواز

شبكات التّواصل تدفع المواطنين نحو الخطأ

عوامل نفسية أفقدت المواطن مسؤوليته

 بالرغم من تحذيرات منظّمة الصحة العالمية ودقّها ناقوس خطر موجة رابعة لـ «كوفيد»، سيكون المتحوّر «أميكرون» المحرّك الأول لتفاصيل وضع وبائي عالمي مجهول المعالم يخشى المختصون عودته إلى نقطة الصفر. إلا أنّ جزائريين ما زالوا «يستمتعون» برفع تدابير الحجر الصحي في صورة تعكس اعتقادهم الراسخ بنهاية الوباء، فالمتجوّل في مختلف الفضاءات والمساحات العمومية، وسائل النقل والمؤسسات يجد أمامه مجتمعا يعيش خارج دائرة الخطر.
 اتّفق المختصّون النفسانيون في تصريحات لـ «الشعب»، أنّ حالة اللامبالاة والاستهتار والتراخي نتاج عوامل نفسية أثّرت سلبا في شخصية الفرد، الذي أصبح يعيش بعيدا عن واقعه اليومي ليتحوّل إلى مواطن «سيبراني» يعيش تفاصيل حياته في عالم افتراضي يروّج للسّخرية والاستهزاء.
أوعز مختصّون أسباب استهتار المواطن بالإجراءات الوقائية إلى عدة عوامل، بينها اعتماد سلوك رد الفعل عوض سلوك الوقاية والاحتياط، بالإضافة إلى «عقلية القطيع»، والتعامل غير المدروس مع المواطن من خلال الوصاية بعيدا عن تحميله المسؤولية، كما اعتبروا غياب الثّقافة الصحية سببا في لامبالاة المواطن، مؤكّدين ضرورة إعادة النظر في منهجية حملات التحسيس والتوعية لعدم نجاعتها وفعاليتها في استقطابه.

المواطن يتبنّى سلوك ردّ الفعل

 أرجع أستاذ قسم علم النفس وعلوم التربية والأرطفونيا جامعة محمد لمين دباغين سطيف 2، الدكتور خالد عبد السلام، في اتصال مع «الشعب»، جذور لامبالاة واستهتار الجزائري تجاه وباء كورونا، إلى عقليته التي تجعله يتعامل بردود الأفعال تجاه وضعيات معينة، حيث لاحظ في مختلف المؤسسات هذا البعد في طريقة تفكيره، فعندما يرى الفرد انتشار الفيروس وكل ما يحيط به من إجراءات وتدابير، نجده يفكر أنه مادام لم يصب هو أو أحد الأشخاص القريبين منه لن يكون ضروريا الالتزام بالإجراءات الوقائية بل نجده يصل في بعض الأحيان إلى درجة الاستهزاء بها، واعتبارها سلوكا مزعجا وغير مألوف، لذلك هو لا يتبنّى سلوك الوقاية والاحتياط بل سلوك رد الفعل.
أما العامل الثاني بالنسبة له هو أنّ الجزائري يتعامل مع فيروس كورونا على أساس «منطق القطيع»، ويرى الأستاذ أنه مرتبط أساسا بما تقوم به العامة أو الأغلبية، فإن نزعت الكمامة نزعها والعكس صحيح، فحتى داخل الجامعة نجد القليل من الطلبة يرتدونها، ما يعكس منطق القطيع السائد في مختلف المستويات، حتى وصلنا في الأيام السابقة بعد انخفاض عدد الإصابات لأقل من مائة إصابة في اليوم الواحد، إلى اعتبار ارتداء الكمامة في التجمعات سواء كانت جنائز أو أفراح سلوكا مستهجنا بل ويُتّهم مرتديها بالخوف، فـ «منطق القطيع» إذا هو أحد المعايير التي يفكر بها الجزائري، والتي تجعله يسير وفق القاعدة «مادام المجتمع لا يحترم الإجراءات الوقائية أنا كذلك لن أحترمها».
هناك أمر آخر يعتبره المختص النفساني مهما هو تدخل شبكات التواصل الاجتماعي بنشر معلومات متناقضة تكون غالبا سببا في تشوّش الأفراد ما يمنعهم من أخذ «كوفيد-19» على محمل الجد، فهناك إشاعات كثيرة في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما شهدناه خاصة في المراحل الأولى من الوباء، لكن لاحظنا أنه في كل مرة تنتشر العدوى في المحيط القريب أو الضيق يبدأ الأفراد في أخذ الاحتياطات والإجراءات حتى وإن لم يتبعوا خطواتها بالشكل المطلوب منهم.
ولم يستثن خالد عبد السلام من أسباب اللامبالاة والتراخي البعد الإعلامي، حيث فَقَدَ المواطن الثقة في مختلف وسائل الإعلام، واتّجه إلى إعلام مواز تصنعه الوسائط الاجتماعية، فهو لا يثق في المؤسّسات الإعلامية لأن الإعلام الرسمي أو الخاص يمارس الدعاية ولا يمارس الاعلام، ونتيجة تراكم خبرات سابقة تقول بأنه يقدم معلومات مغلوطة عن الواقع، هجر الجزائري الاعلام الرسمي والخاص ولجأ الى الاعلام البديل، ما جعل من التحسيس والتوعية أمرا ثانويا إلا اذا وصل الفيروس اليه أو محيطه الضيق، فهنا يأخذ الاحتياطات اللازمة، لكن ليس بالجدية ولا بالاستمرارية التي تجعله مقتنعا بالتزام بها مادام الفيروس موجودا.

طرق كلاسيكية مستهلكة

 ربط المتحدّث عدم جدوى الحملات التحسيسية والتوعوية وفشلها في جعل المواطن ملتزما بالإجراءات الوقائية، بفقدانه الثقة في كل شيء وهو أكبر خطر تعيشه الجزائر اليوم - حسبه - ويراه سببا مباشرا في حالة الاستهتار السائدة، بالإضافة الى اعتماد طرق كلاسيكية في الحملات التحسيسية والتوعوية، ما جعلها بعيدة عن التجاوب والرواج المطلوبين، فالطرق المستعملة مستهلكة فقدت مفعولها في الميدان، وهو سبب عدم انتباه الرأي العام لها، علما أن الملصقات موجودة في كل مكان حتى داخل الحافلات، لكن دون جدوى تذكر.
في الجامعات مثلا ـ أضاف يقول ـ نجد متطوعون يقومون بحملات تحسيسية لارتداء الكمامة واستعمال المعقم، لكن ميدانيا لا يحترمون هذه الإجراءات، بالإضافة إلى الهوة الموجودة بين الخطاب الرسمي والممارسة في الواقع، فمثلا تمّ التأكيد على توفير بروتوكول صحي للجامعة لكن ميدانيا لا يوجد أي بروتوكول صحي فالقاعات والمدرجات تعرف اكتظاظا للطلبة، ولا مراقبة لحرارة الداخلين إلى الجامعة.
وافترض عبد السلام أن يكون التحسيس بطرق جديدة ضروريا، فقد حان الوقت لاعتماد شخصيات ذات مصداقية لدى المواطن ومن ذوي الاختصاص من أطباء في الومضات الإشهارية على مستوى وسائل الإعلام الثقيلة، إلى جانب تفادي اللغة المستعملة لعدم قدرتها على الإقناع، دون أن ننسى ما ينشر من إشاعات حول أطباء يرفضون أخذ جرعة اللقاح أو شخصيات عامة تجعل المواطن يعيش تناقضات بين ما ينشر على مستوى وسائل الإعلام وما هو موجود في الوسائط الاجتماعية، بالإضافة إلى ما ينقل شفهيا بين أفراد المجتمع، فالجزائري يصدق الشفهي المنقول من فلان إلى فلان إلى آخر.

مواطن سيبراني!

 اعتبر الدكتور فقدان الثقة في كل مؤسسات المجتمع هو أخطر ما تعيشه الجزائر اليوم، فأي دعاية او حملات تحسيسية والتوعوية لا تلقى إقبالا أو تجاوبا من المواطنين، وحتى المطويات التي توزع في مختلف الأماكن كوسائل النقل لا يقرأها المواطنون، مؤكّدا أنّنا اليوم أمام مواطن بشكل جديد هو المواطن السيبراني يعيش في عالم افتراضي بعيدا عن العالم الواقعي، ومعلوم أن العالم الافتراضي يميل إلى الهزل والسخرية ونشر ثقافة التفاهة، وهو ما يجعل الشخص غير مبالي، إلا إذا أصيب شخصيا أو أحد مقربيه، وهو ما أكدناه سابقا في أن الجزائري يتعامل برد الفعل وليس بالوقاية والاحتياط.
في ذات السياق، أشار إلى انه حتى وإن سألت الواحد منهم يجيب بكل بساطة «هاد الشيء يقدروا ربي»، بل نجد الكثير من الأشخاص ينشرون استدلالات غير منطقية وغير واقعية لتبرير استهتارهم واستهزائهم بالتدابير الوقائية، بالقول أن الأشخاص الأكثر حرصا واحتراما للإجراءات الوقائية هم الأكثر إصابة بينما هؤلاء الذين لا يحترمونها لم يصبهم أي شيء.
وهنا وصل الأستاذ إلى أن الاستهتار واللامبالاة أصبحت قيمة ثقافية في المجتمع الجزائري، لذلك لابد من إعادة النظر في الطرق البيداغوجية المتبعة بمراجعة البرامج التربوية، الحصص التلفزيونية والإذاعية، الخطط المنزلية، إعادة النظر في أسلوب الخطاب والتواصل والتعبير وأسلوب مخاطبة عقل المواطن لإنضاجه بعيدا عن ممارسة الوصاية عليه.
في الوقت نفسه أصر على الابتعاد عن استغباء المواطن من خلال تحميله المسؤولية في البيت، والشارع والإدارة، ففي مختلف التعاملات معه غالبا ما يعامل كمصنف من الدرجة الثانية، متسائلا كيف سيكون مسؤولا والمحيط يحطم فيه روح المسؤولية، فعندما نرفع ثقته في نفسه ونحمّله المسؤولية سينخرط لا محالة في الأنشطة بل سيكون جزءاً منها في حربنا ضد كوفيد -19، عند ذلك نستطيع تحقيق نتائج إيجابية وليست سلبية.
ثقافة صحية منعدمة
 ربط المختص النفساني مسعود بن حليمة في اتصال مع «الشعب» تعنّت ورفض المجتمع الالتزام التام بالإجراءات الوقائية الى غياب ثقافة صحية سليمة لدى المواطن، ما جعله غير واع ولا مدرك للأخطار المحدقة به على ضوء المعطيات والمؤشرات الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية المتعلقة بالمتحور «أميكرون»، بالإضافة الى انعدام المسؤولية الاجتماعية تجاه الاخر، فمن المفروض ان كل شخص رأى آخر غير ملتزم بارتداء القناع الواقي ومسافة الأمان، عليه ان يذكره بضرورة ووجوب احترام الإجراءات الوقائية لأنها حماية للجميع، ونفس الشيء بالنسبة لمن يدخل المدارس او المساجد، مؤكدا في سياق متصل على قدرة المجتمع في استحداث ونشر ثقافة صحية سليمة بين افراده.
لكن الملاحظ ـ حسبه ـ الآن هو التهور فكل واحد من أفراده يرى نفسه خارج دائرة الخطر أو أن له قيمة إنسانية أكبر من الجميع، كاشفا ان الشخصية الجزائرية مضطربة لانعدام البعد الإنساني فيها، لان الإنسانية تعني شعور الفرد بالآخرين ومحيطه، وهي مسؤولية اتجاه الاخر، وهو ما لا نجده في المجتمع.
ويرى بن حليمة الحل في الردع والصرامة في التعامل مع المخالفين للإجراءات الوقائية وتوصيات المختصين، سواء في وسائل النقل أو المطاعم أو أي فضاء يتواجدون فيه، لأنهم إذا وجدوا المجال مفتوحا سيزداد تهورهم، لذلك ستمنع الصرامة والتحسيس وتوعوية الاستهتار الموجود والفهم الخاطئ، كما لم يستثن أهمية الدور الذي يؤديه الإمام من خلال حثه المتواصل على احترام البروتوكول الصحي.
وربط المختص النفساني فشل الحملات التحسيسية في استقطاب المواطن نحوها باتباعها منهج تحسيس غير مدروس، فعندما نريد الوصول الى منهج تحسيسي توعوي ناجع وفعال لا بد من دراسة الشخصية المستهدفة، بتوظيف المعلومات الصحية بطريقة أكاديمية واجتماعية تتكيف مع بيئته ومحيطه، وهو ما اعتبره المشكل الوحيد المطروح حاليا، فالأمر لا يتعلق بنشر معلومات فقط بل بانخراط المواطن في استراتيجية مجابهة فيروس كورونا.
مسألة وقت
 قال الأمين العام الوطني لنقابة بيولوجيي الصحة العمومية يوسف بوجلال، المختص في المكروبيولوجيا وعلوم الجينوم، في اتصال مع «الشعب»، إن «أوميكرون» اصبح مشكلا عالميا خاصة وانه سريع الانتشار بنسبة اكبر من متغير «دلتا» ما يجعله الأخطر  بالاخص، وأن احتمال مقاومته للقاح مطروح بقوة في انتظار التحاليل الجينية التي ستثبت ذلك من عدمه، واكد أنه سيتم إعلان النتائج بعد عشرة أيام، فإن كان غير مقاوم للقاحات فنحن ما نزال في مأمن يكفي الاقبال على اللقاح بشكل كبير لمنع انتشاره والحد من خطورته، اما ان كان العكس وكان متغيرا مقاوما للقاحات سيسجل العالم عددا كبيرا من الإصابات والوفيات.
وعن بيان معهد باستور الذي أكد عدم تسجيل اية إصابة بمتحور جنوب افريقيا «أميكرون»، قال بوجلال ان الامر مرهون بالوقت فقط ومحتمل ووارد بشكل كبير، بالنظر الى فتح المجال الجوي امام الرحلات نحو أوروبا وافريقيا، وهما القارتان اللتان تعرفان انتشارا لحالات الإصابة بالمتحور الجديد، فبالرغم من هذه المعطيات والمؤشرات الصحية ما زال مجال الجزائر الجوي مفتوحا خاصة مع فرنسا وإفريقيا.
وعلى اعتبار أن المتحور ما زال مجهولا للمختصين، في انتظار ما ستصل اليه التحاليل الجينية، أكد المتحدث ان اللقاح هو أكبر حماية للمواطنين، لذلك كان من الضروري بما كان التلقيح لاكتساب مناعة ضد المتحور الجديد، الذي لن يكون الوحيد في الموجة الرابعة بل ستكون متحورات أخرى، بالإضافة الى الإجراءات الوقائية خاصة ارتداء القناع الواقي والتباعد الاجتماعي التي ستكون أكبر حماية للمواطنين إن كان «أوميكرون» مقاوما للقاحات.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19465

العدد 19465

الأربعاء 08 ماي 2024
العدد 19464

العدد 19464

الثلاثاء 07 ماي 2024
العدد 19463

العدد 19463

الإثنين 06 ماي 2024
العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024