الإفراط في تناول الفيتامين «د» يسبّب تعقيدات خطيرة

حرصت الدكتورة أسماء بوساحة، صيدلية مختصة في طب البكتيريا والجراثيم، خلال لقاء أجرته معها جريدة «الشعب» على تعريف القراء بموضوع الفيتامين «د» خاصة بعد تسجيل ارتفاع محسوس ومتفاوت في عدد كبير من نتائج التحاليل المخبرية الطبية، في فترة ما بعد الإصابة بالكوفيد. وأفادت بأن الأمر يعود إلى نقص وعي المواطنين بخطورة الاستهلاك العشوائي لهذا النوع من الفيتامينات، خاصة في فترتي الجائحة وما بعدها، وحذّرت من التأثير العكسي وأضراره في حالة نقص أو ارتفاع هذا النوع من الفيتامينات الذي يجهله عدد كبير من الأشخاص، وأكدت على ضرورة معرفة عواقبه.

«الشعب»: سجلتم مؤخرا ارتفاعا في نسبة تناول الفيتامين «د» على مستوى المخبر، هل من توضيح؟
 الدكتورة أسماء بوساحة: نتكلم اليوم على الفيتامين «د» بالنظر لتدوال هذا الموضوع في الأوساط الطبية سيما على مستوى مخبرنا أو في العيادات الاستشفائية بمختلف اختصاصاتها، لذلك يتوجب الكشف عن أهمية هذا النوع من الفيتامينات في العملية الأيضية في الجسم وكيفية الحصول عليها. على هذا الأساس نقول إن الفيتامين «د» يعتبر مادة دسمة، ينتجها جسم الإنسان ويمكن تناولها في شكل جرعة علاجية أثناء الوجبة الغذائية ليتحقق امتصاصها بطريقة صحيحة وفعّالة، وهذا ما أثبتته دراسات علمية حديثة، على عكس ما كان متعارف عليه من قبل حيث كان يفترض أن يتناولها الشخص وهو صائم. كما يجب معرفة أن الفيتامين «د» عبارة عن هرمون يمكن الحصول عليه أيضا في شكله الطبيعي من خلال تناول أغذية تحتوي عليه، كما ينتج عن طريق استخلاصه من خلال امتصاص الجلد لأشعة الشمس، وبعدها يمكن إعادة تركيبه في جسم الإنسان عن طريق عملية بيولوجية ويمكن تلقيه من مصدرين أساسيين يتمثلان في المصدر الغذائي الذي ينقسم إلى نوعين نباتي أو حيواني مثل الأسماك أو صفار البيض أو الحليب ومشتقاته المضاف بالفيتامين «د»، وعلى الأرجح يكون مصدرها حيواني بالنسبة لمجتمعنا، لعدم توفر عدد كبير من أنواع الفطر الغذائي، وأيضا لا يجب أن ننسى أننا نتحدث عن العائلة الجزائرية البسيطة التي تفتقر لهذا النوع من الأغذية.  أما المصدر الثاني لهذا الفيتامين يتحصل عليه الجسم عن طريق امتصاص الجلد لأشعة الشمس، كما سبق وأن ذكرت ذلك.
  كيف يتم الكشف عن وجود خلل في الفيتامين «د» في الجسم، وما هي خطورته؟
 أول شيء يجب الإشارة إليه هو أن الشخص قبل أن يصل إلى مرحلة اختبار نسبة الفيتامين «د» في جسمه سيحس بأعراض منبهة، ونذكر أهمها هو الإحساس بالوهن الجسدي مع ألم في عظامه وأسنانه، عندها ما عليه إلا التوجه إلى الطبيب للكشف، الذي يوجهه بدوره لإجراء عدة تحاليل مخبرية على رأسها تحليل الدم لفيتامين «د»، وهذا ما نتلقاه من طرف الأطباء على مستوى المخبر حيث تأتينا وصفات طبية من مختلف التخصصات، وللعلم أن الوظيفة الأساسية للفيتامين «د» عندما يكون بنسبة عادية تتمثل في الحفاظ على نسب متوازنة من الكالسيوم والفوسفور التي يتناولها الشخص، داخل الجسم، كما تساهم في عملية استرجاعها على مستوى الكليتين لكي لا تضيع عن طريق إخراج هاتين المادتين في الفضلات والبول. ولهذا عند تسجيل نقص في الفيتامين «د» تضعف هذه العملية، مما يؤدي إلى انخفاض كل من الكالسيوم والفوسفور في الجسم، وهذا سينعكس على عمل عدة وظائف أساسية في الجسم حيث نسجل تراخي في العضلات وتُفقد القوّة في التقلص وتصاب العظام بهشاشة خاصة لدى الأطفال الصغار الذين قد يتعرضون بسببها لعدة أمراض، نذكر منها الكساح أو التقزم أو توقف النمو Rachitisme ، أما الكبار في السن في حالة النقص يتعرضون لمرض « الأوستيومالاسي» Osteomalatie بعد النقص المطول للفيتامين «د»، كما هو الحال أيضا عند المرأة في مرحلة ما قبل إنقطاع الحيض، مما يؤدي إلى الإصابة بالأوستيوبوروز» هشاشة العظام، خاصة مع ما ينجر عنه من تغيرات في الهرمون لديها في هذه المرحلة من حياتها بالذات، وهو ما ينتج عن عامل واحد فقط، وهو إحداث خلل في عملية امتصاص وتثبيت نسب صحيحة ومعتدلة من الكالسيوم والفوسفور في الدم نتيجة الخلل في الفيتامين «د»، علما أن بامكانه أن يؤثر على كل من العضلات، العظام، والأسنان ومنه يمكن إستنتاج أهمية الكالسيوم حيث يدخل في عمل عدة وظائف أيضية أخرى نتيجة تفاعلات في جهاز المناعة، كما يعمل على نقل السيالة العصبية.
- هل يمكن شرح أهمية استعمال الفيتامين «د» في علاج الإصابات الفيروسية مثل الكوفيد أو غيره؟
 تقوم الفيتامين «د» بوظيفة أخرى مهمة جدا في الجسم، وهي الحماية من كاسكاد سيتوكينيك cascade cytokinique، ويرجع ذلك لتوفر خلايا في الجهاز المناعي في حالة التعرض إلى هجوم فيروسي تفرز مواد تحارب بها الخلايا الفيروسية، وعند ارتفاع تلك المواد تصبح مضرة بالصحة حيث تحدث عملية عكسية، بينما هي في الأصل تنتج من أجل الحماية تتحول إلى مادة تتلف الرئتين في حالة الكوفيد، مثلا وبما أن الإصابة الحادة لكورونا فيروس تمس كانت على الأغلب تمس الرئتين ففي هذه الحالة تقوم الفيتامين «د» بإنقاص من حدة إنتاج هذه المواد وبالتالي الحماية من الأضرار التي يمكن أن تحدثها في الجهاز التنفسي لهذا الغرض أثبت الدراسات العلمية في هذا الإطار فعالية إدخال هذا الفيتامين ضمن علاج الكوفيد بطريقة أولية، وهنا تتضح أهميتها في الجسم، لأنها تعزز المناعة وهي تنقص من المواد المضرة «سيتوكين»، وهي تعطل الإفراز المضر بالصحة لذلك يصفها الأطباء للمرضى.
 ما رأيكم في التناول العشوائي لهذا الفيتامين، هل هناك خطورة على صحة الأشخاص؟
 يجب توضيح أمر متكرر وخطير لاحظناه في مجال اختصاصنا وعملنا له علاقة مباشرة باعتقاد ساد مؤخرا حول علاج الكوفيد بالفيتامين «د»، لأنه في الأصل يعزز المناعة، لأن عدد كبير من الأشخاص أصبحوا يتناولون هذا الفيتامين دون اللجوء إلى الطبيب المعالج وبدون إجراء أي تحليل مخبري يبين بوضوح نقص أو ارتفاع هذه المادة في الدم، ليكن في علمكم ففي مثل هذه الحالة كثير منهم يقومون باقتنائها من الصيدلية بدون وصفة فعندي مثلا حدث مؤخرا وان جاءتني مريضة قامت بتناول الفيتامين «د» بعد إصابتها بأعراض خاصة بالفيروس كعلاج بصفة يومية، هذا التصرف خاطئ، مما أدى إلى تسجيل نسب كبيرة من هذا الفيتامين في الدم لديها ناهيك عن الأعراض التي يمكن أن تحدث جراء ذلك. هذا ما يجعلنا ندعو المواطنين إلى التوقف عن تناول الفيتامين «د»  دون استشارة الطبيب، لأنه مثلما يؤدي نقصه إلى اختلال في العملية الأيضية الخاصة بالجسم نجده في الحالة العكسية يرفع من نسبه ما ينجم عنه حالة تسمم خطيرة، نتيجة ارتفاع نسب الكالسيوم في الدم مع الإحساس بالتعب وارتخاء العضلات يرافقه الشعور بالدوران، وهذا ما ينجم عن التطبيب العشوائي وتناول الدواء بدون وصفة الذي أنصح بشدة، الابتعاد عنه فالمرور عند الطبيب يبقى إلزامية على المرضى مهما اختلفت نوعية المرض حتى ولو كان أمر غير خطير يتحول عن طريق التهاون إلى ظهور حالات معقدة يصعب ويطول علاجها، لأن الجسم بذلك يحتاج مجددا إلى تطوير ميكانيزمات مقاومة ضد الفيروسات، وهنا تكمن درجة الخطورة لتحقيق الاعتدال في العمليات الأيضية يجب إتباع نصائح المختص الذي يتكفل برحلة العلاج التي يمكن أن تطول إذا لم تحترم خطواتها الضرورية، وهي مراجعة أهل الاختصاص دوما وأبدا.