كعادتي ارتشف القهوة مع صديقي ثم يقودنا الحديث عن جراح غزة، غزة التي تحمل وجع الأرض وعذابات النزوح، قناديلها البيضاء، تهدي الأشقاء، روحها الطاهرة النقية، رغم الألم، تصر على البقاء، ومحال أن تطفئها أيادي المحتل الصهيوني السّوداء..
قادنا الحديث أيضا عن الوضع الكارثي وما خلّفته الحرب من تداعيات كارثية، ومن متغيرات غريبة على شعبنا الفلسطيني الذي يتوق إلى الحرية، وإقامة دولته على ترابه الوطني، ففي الأيام الأخيرة جرت عمليات قرصنة للمساعدات، وأنّ قطاع غزة أصبح أقرب إلى أن تسيطر عليه عصابات من قطاع الطرق، وأن الأمور تتغير على الأرض الفلسطينية بسرعة الرياح، وأصر صديقي أنّنا متّجهون إلى صوملة قطاع غزّة، وقد يدخل القطاع في نوع من الحرب الأهلية، وحينها يكتمل مشهد الصوملة وينتهي حلم الدولة الفلسطينية.
أيّها السّادة الأفاضل:
وصول القطاع إلى مثل هذه الحالة لن يقود إلى تصفية إمكانية أن يكون للشعب الفلسطيني دولة بل أيضا سيشجّع النازي نتنياهو وعصابته على إنهاء الكيانية السياسية الفلسطينية الشرعية. وأن أهداف نتنياهو واليمين الصّهيوني المتطرف، سيقودنا إلى التهجير لا سمح الله، لقد بدأت محاولات إنهاء حلم الدولة الفلسطينية، وذلك بإبقاء قطاع غزة مفصولا تماما عن الضفة.
وفي الحقيقة:
من حق المواطن الفلسطيني، سواء كان في قطاع غزة أو في الضفة، أو في الشتات أن يسأل: ما الذي يحدث؟ وكيف يكون الخروج من المأزق؟ ربما على كل فلسطيني أن لا ينسى إنجازات منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، إقامة سلطة وطنية، وزارات، مؤسسات، أمن وطني، سفارات في كل أنحاء العالم، جواز سفر فلسطيني معترف به من معظم دول العالم، مطار، تأسيس ميناء، لقد أدركت دولة الاحتلال الإرهابية النازية أهداف الرئيس الرمز الشهيد ياسر عرفات رحمه الله، لذا قامت باغتياله.
وبعد شن حرب الإبادة الوحشية يتّجه المطبخ الصهيوني الإرهابي إلى صوملة غزة وهنا نتساءل: كيف يمكن التصدي لهذه الكارثة؟ كيف نمنع صوملة قطاع غزة ونمنع التهجير، كيف يمكن وقف حرب الإبادة؟
المعطيات كافة على الأرض، تؤكّد بما لا يدع مجالا للشك أنّ هناك مخططا صهيونيا لمستقبل قطاع غزة يرتكز على إشاعة الفوضى الهدامة في غزة، والذي يهدف إلى هدم البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمجتمع الفلسطيني من خلال إشاعة الفوضى، وعدم تمكين الفلسطينيين من إعادة بناء أي كيانية في غزة، مستغلا بقاء حركة حماس في القطاع واستمرار الحرب، لذلك قال نتنياهو لا فتح ولا حماس.
حتى الآن، أنتجت الفوضى أمراء حرب جدد، هؤلاء سوف يكون البناء الجديد البديل عن البناء القائم، بحيث يتولى كل رجل عصابة منطقة جغرافية محدّدة، ويكون وكيل أمني وسياسي واقتصادي، ويعمل خلق نظام بديل في منطقته! من يتابع الفوضى العارمة التي تشهدها محافظات غزة من (سرقة المساعدات تحت نظر الجيش، العصابات المسلحة، الاشتباكات المسلحة في الشوراع، غلاء الأسعار، القتل والاعتداءات على الأملاك الخاصة والعامة)، يصل إلى أن الفوضى أحد أسلحة وأدوات حرب الإبادة الجماعية، لجعل حياة السكان مستحيلة وتضعهم أمام تحديات وخيارات محدودة، وبالتالي يكون الهجرة والتهجير السبيل الوحيد للنجاة!
والقضية يا سادة يا كرام:
نعيش المرحلة القاسية من الحرب، وهي مرحلة شديدة التعقيد والصعوبة، وهي بدء بروز نظام جديد، تريد منه دولة الاحتلال الارهابية النازية ألا يكون مرتبط بهوية سياسية أو وطنية أو يتملك قدرة على الاستقلال، الأمور على الأرض خطيرة جدا، وتحتاج من الكل الوطني اجتثاث تلك المخططات الصهيونية الخبيثة، وقبل فوات الأوان.