رمزية مكان

«تن» - «دوف» مياهها جارية منذ أقدم العصور

يعود تاريخ ولاية تندوف إلى أقدم العصور الإنسانية، حيث عثر بالمنطقة على آثار الإنسان، منازل بدائية وقبور عملاقة، كما تشهد على قدم تاريخها الضارب في عمق بحار من الحضارات، النقوش والأدوات الحجرية المنحوتة التي تعود إلى فترة ما قبل التاريخ، عرفت أيضا التواجد البشري وكذا استقراره نظرا لكونها معبرا هاما في مسار القوافل، إذ ما تزال البيوت التي شيدتها بغرض الاستراحة قائمة إلى اليوم بمنطقة «غار جبيلات».
نشأت تندوف كمدينة حوالي القرن العاشر هجري الموافق للسادس عشر ميلادي، ويعود أصل تسميتها حسب البكري في كتابه «مسالك وممالك»، إلى كلمة تيندفوس نسبة إلى آبار حفرها المسافرون غير أنها سرعان ما تزول وتندثر.
في نفس السياق أرجعها المؤرخ حركات إبراهيم لكونها مركزا صحراويا حفر بها المسافرون عبر القوافل، العديد من الآبار إلى غاية انهيار بعضها أو فيضانها، ويحدد موقعها جنوب حمادة الدرعة حيث تتواجد اليوم سبخة تندوف الكبيرة.
وهناك من يرجع أصلها إلى اجتماع كلمتين «تن» بمعنى الينبوع أو العين و»دوف» التي تعني غزارة التدفق، وبهذا يكون المعنى كاملا لتندوف هو العين الغزيرة التدفق.
عندما تعتزم القيام بجولة سياحية لولاية تندوف، عليك الانطلاق من داخل المدينة، حيث يتواجد أهم القصور التاريخية التي تتشكل من قصبات كما تداول ذلك من قبل السكان، وهي قصبة الرماضين وتوجد بها خزانة للمخطوطات النفيسة والوثائق التاريخية، وقصبة «موساني» العتيق التي يوجد بها مقر زاوية محمد المختار بن بلعمش وهو أحد الوجوه التاريخية البارزة بالمنطقة، ويقابلها المسجد العتيق وضريح الولي الصالح محمد المختار بن بلعمش، إضافة إلى مجموعة من الدور التاريخية التي ما تزال شواهدها باقية إلى اليوم كدار الديماني بحي القصابي ودار عيشة بالرماضين وغيرها من الدور ذات الطابع الهندسي المميز للمنطقة.
إضافة إلى تلك القصور والقصبات، تتوزع المواقع الأثرية عبر ولاية تندوف، فسيفساء من التاريخ القديم والمعاصر، والذي تمتزج فيه الحقب التاريخية التي تعاقبت على المنطقة والأمم المختلفة، التي جعلت تندوف مستقرا أو نقطة عبور إلى مختلف الوجهات الإفريقية.
 ولعل من شواهد ذلك النقوشات الصخرية وعلامات الخيل والإبل، وذلك بمنطقة «السلوفية» الواقعة بتراب بلدية تندوف، ويقول سكان تلك الجهة إن هناك عدة ‘’سلوفيات’’، وتعني هذه الكلمة الأرض المنبسطة وهي مكان تواجد الكتابات الصخرية القديمة، وهو ما نراه أيضا عند هضبة أم الطوابع بضواحي بلدية أم العسل، وتحديدا بمنطقة (تنف وشاي) وهي على شكل قاع بحر بدليل تواجد القواقع البحرية والمستحثات، والموقع ما يزال بكرا لم تحدث فيه أي دراسة، ماعدا زيارات متتالية لفرق البحث لمركز الدراسات التاريخية والأثرية خلال التسعينيات من القرن الماضي.
توجد في مدينة تندوف آثار على شكل هرمي بمنطقة واد أزام والمعروفة لدى أغلبية سكان الجهة بـ ‘’دار البرتغيز’’، وتعني الكلمة البرتغاليين، وتمثل أحد المعالم الأثرية النادرة والغريبة على حد سواء،وهي دار مربعة الشكل بها مجموعة من البيوت المفصلة بنفس الحجم والمقاس، وتوجد بقايا بجرّة مصنوعة من الصفائح الحجرية التي يمكن أن يكون الإنسان القديم الذي عمر بالمنطقة قد صنعها وشكلها، والذي امتاز بالقوة وضخامة الجسم.
وتوجد إلى جانب ذلك، آثار مختلفة كالقلعة ذات الشكل الهرمي، والمداخل والأبواب المتعددة بضواحي واد الماء (أم لعشار)، وتحيط بالمكان نصب جنائزية، حيث تشير الحكايات المستقاة من الرحل المتواجدين على ضفاف وحواشي الأودية، أنها قبور الهلاليين الذين كانوا يمتازون بطول القامة، كما توجد على جنبات القبور الدائرية التي ترتفع منها أعمدة حجرية يصل طول بعضها إلى مترين أو أزيد، إضافة إلى تواجد بقايا الجماجم والعظام البالية، تقول الحكاية الشعبية هناك عن وجود متاع وأواني قديمة قد دفنت مع أصحابها منذ عقد من الزمن.

 «أجفار»..الأشكال الهرمية والنّصب الجنائزية
يفضّل البعض من سكان ولاية تندوف قضاء عطله خارج المدينة للتمتع بهواء المناطق السياحية بالمناطق النائية كمنطقة «أجفار»، وهي عبارة عن تنوع جغرافي في غاية الروعة إضافة إلى المعالم الأثرية ذات الأشكال الهرمية والنصب الجنائزية المنتشرة عبر فضاء صحراء الولاية لاسيما بمناطق «لكحال» و»شنشان» على مسافة تزيد عن 500 كلم، وهي أماكن مليئة بالرسومات الصخرية ونقوشات الحيوانات كالبقر والفيلة والتيس والإبل والطيور وغيرها، مع تواجد أشكال مختلفة من أدوات الصيد التقليدي القديم لآلاف السنين كالأحجار المدببة الرؤوس والأسهم الحجرية، كما تزخر منطقة الزمول من جهة أخرى بآثار سياحية كبيرة كالثكنة العسكرية من عهد الاستعمار التي كانت بمثابة السجن الاستعماري بقرية حاسي منير، فضلا عن تواجد البحيرات المائية والسبخات والآثار المنتشرة بمنطقة سطح القمر وقاع بحر بهضبة أم الطوابع أنها فضاءات قابلة لبعث عالم سياحي جديد بتندوف وتكريس حقيقي لثقافة السياحة. 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024
العدد 19467

العدد 19467

الأحد 12 ماي 2024