ثراء المضمون وتوسيع التمثيل

فضيلة بودريش
12 مارس 2019

لا يمكن للحراك السلمي الذي أظهر وعيا كبيرا للشعب الجزائري، إلا أن يفضي بطرق سلسلة ومعبدة بالسلم والهدوء والحوار، نحو بناء أرضية الندوة الوطنية، التي يعول عليها في الخروج بورقة طريق ذات رؤية دقيقة وعميقة تؤسس للمرحلة المقبلة، من خلال إشراك جميع الجزائريين في بناء وطنهم من مختلف الفئات أي من النساء والشباب، ومن دون الاستغناء عن أصحاب الخبرة والتجربة وذوي الكفاءة العالية.
الجزائر اليوم أمام منعرج آخر لا يقل أهمية وحساسية مما سبق ومرت به منذ استقلالها، أي تسطير مرحلة الغد التي يتطلع الجزائريون أن تكون أكثر استقرارا وإشراقا وانفتاحا على الديمقراطية والحريات، لذا يفترض من كل مواطنة ومواطن التحلي بالكثير من اليقظة والانخراط من دون تردد في مسعى التغيير السلمي والبناء الوطني، الذي يحتاج مشاركة الجميع وسواعد الجميع، ومن أجل نبذ أي تعطيل لمصالح المواطن وكل انسداد قد يؤثر على المكاسب التي تحققت عبر أجيال كانت سخية في عطائها خاصة في السنوات الأولى من الاستقلال. ومثلما أدرك جيل الحرية بالأمس مفاتيح استعادة الجزائر أرضا وهوية من براثن المستعمر، من المفروض أن جيل اليوم يستكمل مسيرة البناء والحفاظ على وطنه بذكاء وحنكة وروح مسؤولية، وحتى لا يفرط في كل ما تحقق مع المطالبة سلميا بما يتناسب مع التطورات التي يعرفها المجتمع خاصة في مجال الحريات.
تقبل بلادنا على مواعيد هامة يعول عليها التأسيس لجمهورية جديدة، وإن كانت الندوة الوطنية التي من المنتظر أن تعقد خلال الأشهر المقبلة، ستكون فاصلة بحتمية ثراء مضمونها وتوسيع تمثيلها الذي يتجاوز بهما مختلف الإشكاليات العالقة. لذلك وفي الوقت الذي أعطيت فيه إشارة بداية التغيير فإن هذا التغيير ينبغي أن يبدأ أيضا من أبسط مواطن كون معركة بناء الوطن تكون أفقية وعمودية ومن القاعدة إلى أعلى الهرم، والجميع يتحمل المسؤوليته بداية من الطالب الذي ينبغي أن يجتهد في التحصيل العلمي إلى العامل الذي يؤدي واجبه المهني على أكمل وجه، والمسؤول الذي يسير بمهارة حتى تختفي كل مظاهر الفساد وقطع الطريق.
الانطلاق عبر ورقة الطريق التي تسفر عنها الندوة الوطنية، لن تكون من الصفر أومن العدم بل تستكمل مسار النمو الذي تحقق عبر عدة عقود من الزمن، تصحح فيها الأخطاء وتستدرك النقائص، ولا يمكن طي أو إلغاء ما أنجزه الجزائريون بالأمس واليوم، لكن ينبغي التمسك بالإثراء والتحسين والتطوير التي تخدم الوطن والمواطن في نفس الوقت.
الحذر ثم الحذر خاصة في المرحلة الراهنة، فلا ينبغي الانسياق وراء الأصوات المجهولة التي لا تعرف هويتها أو مصدرها أونواياها وتتربص شرا بالجزائر، الحذر كذلك من بعض الجهات المندسة وراء الحراك الشعبي بغرض محاولة التحريض تحت عدة أقنعة مزيفة، لاقتناص الفرصة والتخطيط لسرقة استقرار ومكاسب الوطن، التي اعد المحافظة عليها مسؤولية جميع المواطنين.
لا ينبغي الانسياق بثقة عمياء وراء الكم الهائل الذي تفرزه وسائط التواصل الاجتماعي والدعوات التي يجهل مصدرها، وكمواطنين حريصين على بناء وطن كبير والحفاظ على شموخه والقفز إلى حياة أفضل، مطالبين أن نميز ما يبث وينفث هنا وهناك ومسؤولين عن ضرورة التحليل والتفكير والتدبر في كل كبيرة وصغيرة، حتى لا ننجر أمام أصوات لا نعرف مصدرها والحذر من التجاوب معها بعفوية وتلقائية، خاصة الحيطة من إقحام أطفالنا وفلذات أكبادنا في أمور ومسائل تلهيهم عن دراستهم وتخنق طفولتهم البريئة، وتستخدمهم لأغراض تسيء للوطن، لأنهم جيل الغد وينبغي أن يتشبع بالتسامح والشفافية والصراحة وحب العمل كونهم ذخر المستقبل.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024