ذاكرتنا... هويتنا

فنيدس بن بلة
07 ماي 2019

واحدة من اكبر الجرائم ضد الانسانية في القرن العشرين  لا زلت محفورة في الذاكرة الجماعية وجرحها لم يبرأ. انها مجازر الثامن ماي 1945 التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية في حق جزائريين ابرياء انتفضوا من أجل الحرية رافعين مطالب الاستقلال الذي وعدوا به من القوى المحتلة عند وقوفهم الى جانب الحلفاء في الحرب على المانيا النازية. لكن العكس وقع بدل ان تلتزم فرنسا بوعودها راحت تقترف ابشع جريمة لن تسقط بالتقادم.
الأخطر انها تتمادى في التعتيم السياسي والاعلامي على  إحدى المآسي المرتكبة في حرب الابادة على الجزائريين والتمادي في تنكرها لوجود  امة جزائرية في التاريخ  لها مساهمة كبيرة في الحضارة الانسانية. تجاهل فرنسا الاستعمارية لوطن اسمه الجزائر والتنكر لوعودها  ولدت حرارة مقاومة للها والبحث عن اقوى الطرق ونجاعة المقاربات في  استعادة الحرية باللغة التي يفهمها المستعمر والرسالة التي تصله بوضوح دون مشفرات.
فجاءت الارادة قوية لدى الجزائريين قوية في المرور الحتمي الى خيار الكفاح المسلح  دون وضع في الحسبان موقف باريس واكاذيب معدي استراتيجيتها الحربية الذين وصفوا  ببرودة دم وأعصاب مجازر الثامن ماي  بالأحداث المتفرقة حريصة على إخفائها عن الرأي العام.
تم هذا بفضل قيادة شابة سبقت زمانها  حددت معالم الثروة المجيدة واختارت لها المكان والزمان حتى استعادة السيادة كاملة غير منقوصة.
لكن المجازر التي مهدت الارضية لهذا الانجاز التاريخي لم تزل في اعتقادنا بعيدة عن الاهتمام المطلوب ولم تنل حقها في التأليف والتدوين والعمل السنيمائي او المسرحي. وفي كل مرة تتعالى الاصوات مطالبة بعدم نسيان  الذاكرة التاريخية باعتبارها تمثل الهوية والانتماء .بصفتها الماضي، الحاضر والمستقبل. لكن القلة القليلة من الكتابات تناولت هذه المأساة  منطلق التحرر الوطني ومرجع انتفاضة الشعوب التواقة الى الاستقلال.
نقول هذا  اقتناعا منا بان نسيان مجازر الثامن ماي وغيرها من حملات الابادة الاستعمارية هي في حد ذاتها جريمة لا تغتفر وضرب من نكران الذات والقبول بتشوية الحقائق من مستعمر لا زال مستمرا في حروب الذاكرة  وغير مبال بالاعتراف والاعتذار وتسليم الارشيف الوطني. هو مستمر في هذا التوجه جاعلا من القناة التاريخية التي أنشاهأ خصيصا في حرب الذاكرة مع الجزائر قناة لتبييض وجهه الأسود والترويج  للعبارة التي لم يتخلى عنها في تشويه الراي العام  القائلة بان للاستعمار رسالة تمدن وتحضر .
شاهدنا هذا في اكثر من مناسبة بخروج سفاحين عن الصمت وهم يبررون جرائمهم  عبر فضائيات وندوات .وآخرون يتباهون بارتكابها في مذكرات لهم قائلين انهم قاموا بها  بشرف وفخر تحت الراية الفرنسية والنظام الفرنسي.
انها مسؤولية يجب التحلي بها في إعطاء المعادلة الذاكرة حقها من التمحيص والدراسة وتقديمها للاجيال بتوظيف الصورة وشبكات التواصل الاجتماعي خاصة مع بروز شباب في الحراك الشعبي يطالب بجزائر جديدة تواقة للعصرنة . جزائر تجعل من أصالتها قوة انطلاق نحو التجدد والتغيير الجذري لنظام سياسي بديل يكسب ثقة ومصداقية باتخاذ الماضي منطلقا للحاضر والمستقبل. وذاكرة 8 ماي  محطة مفصلية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024