الرأي

المنافسة النزيهة والمبادرة الصادقة

سعيد بن عياد
24 جويلية 2019

القول بأن للجزائر قدرات تساعدها على تخطي الظرف الراهن والتموقّع مجدّدا ضمن البلدان الناشئة حقيقة ترتكز على معطيات، لو يتمّ استغلالها جيّدا في قطاعات إنتاجية وخدماتية لها ثقل في معادلة النمو، يمكن إدراك النجاعة في وقت وجيز وبأقل كلفة. إنه خيار المنافسة النزيهة والمبادرة الصادقة.
المثال الذي يحتذى به، تجربة فريق كرة القدم بنيله كأس إفريقيا، وهي محطة تستحق التشخيص والبحث في عوامل النجاح، الذي لم يكن صدفة، بقدر ما كان ثمرة مسار لخيارات مناجيريالية امتزجت بانتهاج مقاربة ترتكز على الكفاءة والإبداع والمبادرة من جهة وإنهاء هيمنة المحسوبية والتداخل في المهام والصلاحيات وسطوة أصحاب مراكز النفوذ. ولو يتمّ نقل تلك الوصفة الناجحة إلى عالم المؤسسات والمرافق الإدارية والهيئات التي تتولى إدارة المال العام، يمكن توقع انجاز أهداف من شأنها أن تغير من واقع المشهد الاقتصادي وترتقي بالأداء الإداري، بحيث يسمح التخلص من تراكمات سلبية لمرحلة سابقة أظهرت في نهاية المطاف عجزها وتبيّن قصورها، في ظل تراجع مؤشرات النمو رغم الكم الهائل من الموارد المالية التي ضختها الدولة في دواليب المنظومة الاقتصادية ورافقتها تحفيزات وإعفاءات ضاعت بين مخالب الفساد.
أمام اتجاه الوضع إلى انسداد مالي يلوح في الأفق، بفعل تراجع احتياطي الصرف بالعملة الصعبة وتعطّل الأداء الاستثماري والإنتاجي في قطاعات استهلكت أغلفة مالية مرتفعة وفّرتها بنوك ومصادر تمويل عمومية مختلفة مثل الصندوق الوطني للاستثمار، لا يبدو من خيار سوى العودة إلى معايير النجاعة التي تفتح المجال أمام دور ريادي للكفاءة التي تستعيد مركزها في المشهد، وتحرّر المؤسسة من قيود الوصاية المكبّلة للمبادرة والمعطّلة للمنافسة، وإضفاء الشفافية على الخيارات والتوجهات وفقا للإمكانيات المتاحة والقدرات التي في المتناول. وما يحتاج إليه الوضع الاقتصادي خاصة في هذا الظرف أن يتم احداث قطيعة تامة مع ممارسات هيمنت في السابق على دواليب المنظومة بمؤسساتها وبنوكها وإدارتها، فكانت النتيجة ما يظهر للعلن اليوم، من فساد تفشى على كافة مستويات الهرم وضياع للثقة التي يجري ترميمها منذ أن أزيحت العصابة ليفتح أفق جديد، يتطلّب التفاف كل القوى المخلصة حول ورقة طريق بناء المسار الجديد.
إن أول تلك القوى المعنية بالمساهمة في تفعيل وتيرة اجتياز المنعرج المحفوف بالمخاطر، هي أساسا مكونات عالم الاقتصاد من مؤسسات ومقاولات وعمال في كل القطاعات الإنتاجية، التي تملك فيها الجزائر أوراقا قوية لكسب المنافسة وإعادة تنشيط المشاريع الجارية وتحسين أداء الوحدات الإنتاجية القائمة، بما فيها المؤسسات التي تعود لأشخاص وقعوا في قبضة مكافحة الفساد. في هذا الإطار يقع أيضا على عاتق المنظمات المهنية دور لا يقل أهمية في تكريس ثقافة العمل الاقتصادي وفقا لقواعد الشفافية، ومن ثمة حماية النسيج الاقتصادي من آفة الفساد القاتلة للأمل والمهدّدة لأجيال بكاملها، وذلك بالعودة إلى مبادئ المقاولاتية الصحيحة، التي ترتكز على المنافسة النزيهة والمبادرة الصادقة لخدمة البلاد ووضع المصلحة الشخصية وفي معادلة المصلحة الوطنية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024