الرأي

الحوار مفتاح الاقتصاد

سعيد بن عياد
27 جويلية 2019

وراء المشهد السياسي لأي مرحلة حكم أو مسار تحوّل سياسي في تاريخ الشعوب ترسم معالم الوضع الاقتصادي تعكسها مؤشرات لا يختلف حولها، لأن في نهاية المطاف لا تصمد الأقوال والتصريحات والمواقف أمام الحقائق والمعطيات التي تعبر عن مدى قوة وصلابة اقتصاد بلد من هشاشته، ومن ثمّة قدرة مواجهة تحديات العولمة التي تقودها قوى عالمية غايتها الهيمنة على الأسواق ومصادر الموارد الطبيعية الثمينة، وبلادنا واحدة ممن تتوفر على ما يسيل لعاب كثيرين من المتربصين بها.
ما يرفعه الحراك، منذ أسابيع من شعارات ومطالب تحقّق كثير منها من خلال وضع حدّ لأفراد العصابة ومرافقة الاحتجاجات السلمية والتجاوب الكبير مع مطالب التغيير الشامل وإبعاد رموز النظام السابق عبر القضاء، أمر جميل وبناء، غير أن البقاء طويلا عند نقطة البداية دون التقدم بخطوات مسؤولة إلى مساحة الحوار، يشكّل خطرا على مستقبل المجموعة الوطنية كلها، بالنظر إلى المؤشرات الحمراء التي تبرز في صدارة المشهد، مما يتطلّب حتما إدراك التداعيات وبالتالي ضرورة التزام اليقظة حتى تتفادى البلاد كبوة أخرى سوف تكون كلفتها باهظة لا محالة.
ينقضي الصيف ويحل موسم الدخول الاجتماعي بكل ما يستلزمه من توفير للشروط اللازمة لملايين الأطفال المتمدرسين، وتأمين لديمومة نشاط عالم الشغل والصحة وكل ما يدخل في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكلها مسائل لا يمكن أن تواجه سوى بمدى وجود موارد مالية وبشرية ملائمة في ظلّ مناخ يسوده الاستفرار والأمن والسكينة، التي تفتح آفاق المستقبل اجيال جديدة تتطلع لفرص الحياة في مجتمع يرتكز على قواعد تكافؤ الفرص والعدالة والشفافية في إدارة الشأن العام.
بهذا الخصوص ينبغي التأكيد على أهمية القرارات التي اتخذت ولا تزال أخرى قادمة في مجال مكافحة الفساد وإبعاد الفاسدين والمفسدين الذين عبثوا بخيرات البلاد ونهبوا الثروات وبدّدوا المال العام بشكل غير مسبوق مستفيدين من مراكز نفوذ فخانوا ثقة البلد إلى درجة طالت أن ترهن أجيالا بكاملها، لولا تحرك القيادة العليا لإعادة تصحيح الاتجاه وتصويب بوصلة البلاد نحو الغاية التي ينشدها الشعب انسجاما مع مرجعيته التاريخية مثلما يكرسها بيان أول نوفمبر.
المطلوب اليوم أن ينتبه المجتمع بجميع فئاته إلى حتمية التوجه إلى إعادة تنسيط مسار التحوّل السياسي عن طريق الانتخابات الرئاسية التي تليها كل متطلبات الإصلاحات العميقة والشاملة وفقا لمعايير الممارسة الديمقراطية وسلطان القانون وشفافية المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حتى يمكن أن تبرز الكفاءة التي تمثل مصدر خلق الثروة وروح المنافسة النزيهة، مما يساعد في النتيحة على إرساء ثقافة المسؤولية في إدارة الشأن العام والخضوع للرقابة والمساءلة القانونية حتى لا يتكرّر الفساد الذي لوّث المجتمع وحطّم الإرادة الصادقة، بفعل الإقصاء والتهميش والتحرش.
لذلك فإن تأمين لقمة العيش للأجيال وتكريس التحوّل الذكي يستلزمان حتما الالتفاف خول خيار الحوار السياسي ليرسي في النهاية أسس الإقلاع الاقتصادي بحيث يمكن في مع رئيس منتخب بإرادة شعبية وفي ظل الهدوء والوضوح التكفل بالمتطلبات الاقتصادية والتنموية التي لا تحتمل إضاعة مزيد من الوقت، حتى لا تضيع معها موارد ثمينة وتتبدد تطلعات مشروعة، خاصة وان للجزائر إلى اليوم إمكانيات وأوراق تؤهلها لتجاوز الظرف الصعب والخروج من الأزمة بأقل ضرر شريطة أن ينتقل الجميع إلى مرحلة العمل والتغيير عبر آليات الممارسة الديمقراطية.


 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024