لا للفوضى ولا للإبقاء على العهد البائد!

بقلم: مسعود بولعراس
01 جويلية 2020

هل كتب علينا الاختيار بين فرضيتين؟ سواء التمسّك بالوضع الموروث عن العصابة، وهي حالة تؤدي حتما إلى موت بطيئ لنظام الحكم وما ينجرّ عن ذلك من عواقب من جهة، أو اللجوء إلى التغيير الجذري والفوري لذات النظام وما يُفضي إليه ذلكم التغيير الجارف من نتائج وخيمة على استقرار البلاد من جهة أخرى.
ثمة موقف سلبي آخر، يتمثل في رفض الانضمام إلى المسار المؤسساتي، كعدم المشاركة في النقاش الجاري حول مراجعة الدستور وعدم الانخراط في مسار الانتخابات التي سيفضي إليها. هذا الموقف السلبي بعدم التفاعل الإيجابي، هو أيضا إسهام بطريقة أو بأخرى في كارثة عظمى.
إن المعارك التي نخسرها، هي دائما تلك التي لا نخوضها. لذلك فإن جدلية الاختيار بين السيئ والأسوأ مرفوض كمسعى منذ البداية وغير مقبول بتاتا.
فيما يخصّ الفوضى العارمة، المستجدة في «ربيع الصحراء» حسب وصف في كتاب صدر عام 2015، يتأكد بما لا يدع مجالا للشك، أن النداءات المتكرّرة لمراحل انتقالية أو مجالس تأسيسية من أطراف سياسية، ليست أكثر من قفزات نحو المجهول، وليس صدورها من طرف حزب أو حتى من قبل أحزاب متعدّدة هي التي ستعطيها المصداقية أو الشرعية.
بدليل أنه لا يوجد بلد واحد اختار هذا النّهج أي «المسْعى التأسيسي» النابع من مخابر «الحلف الأطلسي»، نجا من فتنة الحرب الأهلية والفوضى المدمرة.
إن التغيرات المصطنعة، التي يُصدّرها أساسا فاعلون جدد باسم القانون الدولي وبغطاء المنظمات المسماة «غير الحكومية» تكشف يومًا بعد يوم طابعها الحقيقي والمعادي أساسا لثورات التغيير السلمي.
منظمات معروفة في جنيف ولندن، وقودها بقايا التيارات المتطرّفة، وكذا الغاضبون المافيويون الناقمون على النظام القديم، يعملون دون هوادة خلْف الستار أو انطلاقا من معاقل خلفية مريحة بعيدًا عن الأضواء يروّجون للعصيان المدني وخلق البلبلة والدفع إلى العنف. في هذه «الحمم» التي تجمع بين الشيء ونقيضه لا يفقد البعض الأمل في محاولة استرجاع حضورهم داخل القطب المعروف بـ «البديل الديمقراطي» وذلك للاستحواذ على مكاسب» الحراك الجديد».
طبعا هم يحاولون فرض هيمنتهم على ديناميكية «الحِــراك» الذي هو بمثابة تطلّع شعبي رائع إلى الديمقراطية. وهو أيضا حركية أمل وتطلّع ديمقراطي واجتماعي إلى التغيير السلمي والشامل، وهو أيضا مطلب مُلّح لمزيد من الكرامة.
طموح هؤلاء يضعهم في موقف مُخالِفٍ بصورة واضحة لنصّ وروح الدّستور الذي يشكل السند القانوني لاعتمادهم، وكذلك تُجاه قانون الأحزاب المنبثق عنه وبصورةٍ أشمل وأوسع فيما يخص النظام العام.
هذا الطموح يُصنّفهم كسُلطة تأسيسية في حدّ ذاتها، وكقوّة تحريض على الفتنة والعصيان المدني.
بالمختصر المفيد فإن المادة الثامنة من الدّستور السّاري المفعول والمؤطر للّعبة المؤسساتية بما فيها، يمنح السلطة التأسيسية للشعب وحده الذي يمارسها بواسطة المؤسسات الدّستورية من خلال الاستفتاء أو الممثلين المنتخبين. وهو تنظيم من صلاحيات رئيس الجمهورية دون سواه.
عملية المغالطة ومحاولة الاستحواذ على شعبية الحِراك واضحة للعيان وتهدف إلى إبعاد الحراك عن سِكّته الأصلية وأهدافه المشروعة.
يبدو أنهم يتناسون بأن «الدولة القومية» وفي قلبها نواتها الصلبة الجيش الوطني الشعبي هي التي رافقت الحِراك وحَمَتْه، بحيث حافظ على ما يحتويه من قِوى وطنية شعبية طاهرة.
هذه القِوى هي نفسها التي أعطته قوّة الاستمرار بالرغم من التحالفات غير الطبيعية بين قِوى غير سياسية إضافة إلى تصادم بعض المصالح المتضاربة والمتناقضة.
تلك القوى الوطنية الطاهرة مكنت الدولة القومية من الخروج من سنوات الضياع والانهيار التي ميزت مرحلة ما قبل 12 ديسمبر 2019، وأعطتها قوّة الخروج بأكثر صلابة.
نحن اليوم في مفترق الطرق، نواجه قوّتين متنافرتين: أطراف تتغذى بأحلام استعمارية جديدة تحت غطاء التمهين الديمقراطي من خلال المطالبة بمراحل انتقالية ولو بغطاء «المجلس التأسيسي»، هذا من جهة. في المقابل، أي التيار المضاد الذي يطمح لتغيير النظام عن طريق الخروج من الوضع الموروث عن 20 سنة من النهب والفساد والتبذير غير المحدود، وذلك باختيار مسعى التغيير السلمي والمُمَنْهَج عن طريق المسار المُؤسساتي الهادئ والتدريجي.
يبقى أن شكل ورزنامة الإجراءات وميكانيزمات الإصلاح المرتقب يرتكزان على استشراف مُسبّق يقوم على أساس أن الحَكَامة الديمقراطية وتوازن السلطات يستندان إلى اقتصاد سوق اجتماعي، الشيء الذي يسمح بنسف النّظام السياسي القديم وإزاحة رموزه الفاسدة التي فرّت في معظمها إلى الخارج أو هي تقبع في السجون حاليا.
في ديباجة برنامجه الانتخابي وتعهّداته 54 من أجل جمهورية جديدة، التزم الرّئيس عبد المجيد تبون أمام الله وأمام الشعب أن يبذل قصارى جهده لتجسيد التطلّعات المشروعة التي عبّر عنها الحراك ابتداء من 22 فبراير 2019 من أجل تغيير شامل وحقيقي من شأْنه السّماح لوطننا بانطلاقة قوّية، وتمكين شعبنا من العيش في جزائر ديمقراطية وفي رفاهية، وفاء لقيم ثورة نوفمبر 1954 الخالدة، التي يجد فيها كلّ الجزائريين كرامتهم ومكانتهم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024