لن تجد أبدا من يرفض معيار «الكفاءة»، فالناس جميعا يتّفقون على أنها المعيار الأوحد الضامن للنجاح، غير أن هذا الإجماع النّظري، لا نجد له تصريفا في الواقع، فالغالب على معاملاتنا اليومية يقتضي «المعريفة» و»القرابة الجهوية» و»الانتماء» حتى وإن كان انتماء إلى مقهى واحد..
ولا نعرف كيف أمكن للعقل (عندنا)، أن يستوعب هذا التناقض الصارخ، ويعيش في ظلاله هانئا مرتاحا، حتى إن كثيرين صاروا يصطنعون المبررات والتسويغات التي تتيح لهم قضاء مصالحهم، دون التفكير في الآخرين، ولا الاهتمام بهم والانشغال بأمرهم، حتى إذا وقعوا فيما يحضّون عليه، تراهم يندّدون ويستنكرون..
ونعتقد أن هذا التناقض لم يتسلّل إلى العقل فجأة، وإنما هو نتيجة طبيعية لما تراكم من فساد في حياتنا طيلة عشريات، وهو ما أثر تأثيرا مباشرا على الضمائر، فصار الواحد من الناس يبرر قائلا: (راهي الكلّ هكذا).. ولا يدرك مطلقا أنها لا يمكن أن تكون هذه حالها، إن تحفّظنا جميعا عن التوسّل بالمعارف والخلاّن، من أجل الحصول على حقّ يضمنه القانون..
إن هذا الوضع ينبغي أن يتغيّر، بل يجب أن يتغيّر، فهو حجر عثرة أمام كل طموح مشرق، وهو معطّل لكل مشروع واثق، فإذا نحن أردنا النجاح، فالمقتضى أن تكون إرادتنا صادقة، وأن نلتزم جميعا بمعايير الضمان..
الآن، نحن في حاجة ماسّة إلى الحرص على استخراج كل ما هو جميل من الجزائري، عوض تكريس الأفكار المتجاوزة والعقليات البائدة، فالجزائري لديه كثير ممّا تتباهى به الأمم، وهو قادر على تجاوز الصعاب..