التّحويلات الاجتماعية.. المعضلة والحل

سعيد بن عياد
25 مارس 2017

تشكّل التّحويلات الاجتماعية خاصة التمويلات العمومية الموجهة للدعم في مختلف القطاعات أبرز المسائل التي توقف عندها وفد خبراء صندوق النقد الدولي، الذي دعا إلى الحد منها مقدما تبريرات فيها ما هو موضوعي مثل الانعكاسات السلبية لتعميم الدعم، غير أنّ الانعكاسات غير الاقتصادية التي تشمل الجوانب الاجتماعية بكل ما يتعلق بها من استقرار وعدالة اجتماعية تندرج في المفهوم الحقيق للدولة الاجتماعية تتطلب تناول توجيهات الـ «أفامي» بكثير من الحذر. لذلك فإنّ الإطار الأمثل لإيجاد ضوابط ورقة طريق موضوعية للتحويلات الاجتماعية يتمثل في البيئة المحلية، حيث ينبغي توسيع دائرة التشاور والتنسيق للتدقيق في المعطيات ورصد المؤشرات ضمن رؤية استشرافية تساعد على تجاوز التداعيات المختلفة وبلوغ الأهداف الاقتصادية المسطرة ضمن النموذج الجديد للنمو. بمعنى أن يتم الاجتهاد برؤية وطنية مفتوحة للإثراء من خبرات جزائرية وفقا لمقاربة مقارنة إقليميا ودوليا لوضع خيارات واقعية توازن بين التضامن والفعالية الاقتصادية. ومن ثمّة إن الوصفات التي يقدمها الصندوق خالية من الاعتبارات الاجتماعية ولا تراعي الاستقرار والسكينة بل تتعامل مع المؤشرات من جانب مالي بحت لا مجال فيه للتداعيات. ولقد كانت انعكاسات مخطط التعديل الهيكلي الذي طبقته الجزائر في أعقاب توقيع اتفاق إعادة جدولة المديونية الخارجية مطلع التسعينات على درجة من الخطورة إلى درجة تجاوز الإفرازات الاقتصادية والاجتماعية السلبية مثل تصفية المؤسسات العمومية وتسريح العمال.
في تلك السنوات العقيمة وبعد سنة أو سنتين من تطبيق إجراءات الـ «أفامي» القاتلة للنمو والمثبطة للعزيمة، عرف النشاط الإرهابي اتّساعا خاصة في منتصف التسعينات حينما وجد بيئة اجتماعية متدنية بفعل البطالة والفقر وانعدام أفق في عالم الشغل بالرغم من الآليات التي اعتمدتها الدولة للحد من الآثار السلبية. وكانت الفاتورة مكلّفة جدا في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي من تدمير للمؤسسات وتشريد لعمالها. لذلك إنّ الوضعية الراهنة اليوم على ما تتميز به من صعوبة مالية ليست مثل تلك التي مرت بها البلاد في تلك التجربة العسيرة، حيث لا تزال مؤشرات تبعث على التفاؤل بتجاوز المنعرج المحفوف بمخاطر ينبغي إدراكها مسبقا، والتوجه إلى مرحلة يمكن للاقتصاد الجزائري أن يجدد انطلاقته نحو النمو.
لذلك فإنّ العلاج لمشكلة محلية يكون بإجراءات محلية من ذات البيئة ترافقها الخبرات الأجنبية بما في ذلك رؤية خبراء الـ «أفامي» لكن بتطويعها للواقع وعدم أخذها كخيار حتمي جاهز. وإذا كان الطب تطور فلم يعد اللجوء إلى عمليات علاج غير دقيقة فإن هناك علاجات أكبر من أنّها مجرّد مسكّنات ومنها التأهيل الوظيفي للجسد العليل. ومن  يوجد تأهيل المنظومة الاقتصادية وإعادة ضبط المراكز الفاعلة فيها وفقا لمعايير النجاعة يمكن أن يكون السبيل الأمثل للعثور على الحلول الفعالة بأقل كلفة اجتماعية خاصة، بمعنى أن يندرج النمو في الإطار الاجتماعي بحيث تلعب المؤسسة الاقتصادية دورها في ذلك وتكون المشاريع الاستثمارية تصب في نفس الوعاء. وبالفعل فإن المقاربة الاقتصادية التي تبنتها الدولة ترتكز على قيم اجتماعية لا تتعارض مع مسعى النمو، وذلك بإرساء خيار ترشيد النفقات والحد من الاستيراد وتوسيع الاستثمار المنتج وتنويعه في ظل تحرير المبادرة من المعوقات البيروقراطية وجعل الفعل الاقتصادي في الصدارة.
لقد سطّرت الثلاثية الأخيرة بعنابة هذا التوجه كرد للوضعية الراهنة، بحيث لا يمكن كما أكّدتها الجلسات الوطنية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة المنظمة أخيرا، وتمّ التأكيد في المناسبتين على أنّ الخروج من دوامة الصدمة المالية الخارجية يكون من بوابة النمو الاقتصادي وليس بالسقوط في التقشف القاتل للأمل. وهنا جوهر المسألة المتعلقة بالتحول الاقتصادي الذي يرتبط بتغير السلوكات وليس الذهنيات، ويقصد سلوكات الممارسات اليومية للفاعلين الاقتصاديين المحليين في كل القطاعات بترجمة القناعة برفع التحدي في شكل أفعال ملموسة تنعكس على السوق وتنتج قيمة مضافة، وقد بدأت بعض مؤشّراتها تبرز مثل تراجع عجز الميزان التجاري للشهرين الأولين من السنة الجارية مقارنة بنفس المدة من السنة الماضية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024
العدد 19467

العدد 19467

الأحد 12 ماي 2024
العدد 19466

العدد 19466

الجمعة 10 ماي 2024
العدد 19465

العدد 19465

الأربعاء 08 ماي 2024