التكنولوجيا والمفاهيم الجديدة للأمن الوطني...

أمين بلعمري
25 أفريل 2017

غيّرت الطفرة التكنولوجية الكبيرة جميع المعطيات والمسلمات، سواء كان ذلك في حالات السلم أم الحرب. كما أفرزت هذه الطفرة ظهور هوة كبيرة بين عالمين اثنين، الأول فاحش التطور ينتج التكنولوجيا ويتحكم في ناصيتها، وآخر يعيش على الهامش ويحاول اللحاق بالركب. لكن في هذا المسار علينا مراعاة جانب مهم وهو كيف يمكن استدراك هذا التأخر دون أن نبقى في حلقة تبعية مفرغة للآخر؟.
ليس هناك أسهل من استيراد المصانع الجاهزة والمجهزة بآخر صيحات التكنولوجيا التي تمتلكها الدول الصناعية العظمى، كما نستورد الحواسيب والأنظمة الإلكترونية والشبكات الذكية وغيرها، لكن تبقى كل هذه الأشياء في آخر المطاف مجرد مظاهر لا غير، ودون أن يعني هذا أن البلد متحكم في التكنولوجيا بل يعيش في حقيقة جيل جديد من عبودية القرن 21 بل وضعه أهون من بيت العنكبوت، فمن زوده بهذه التقنيات العالية لديه القدرة على وقفها بكبسة زر أو إرسال برنامج أو فيروس واحد كفيل بإحداث دمار هائل أو شلل تام لكل الأجهزة والشبكات التي أصبحنا نعتمد عليها في كل شيء، بداية من مأكلنا ومشربنا وملبسنا، وصولا إلى تعاملاتنا المصرفية التي تتم كلها عبر بطاقة إلكترونية ندخلها في فوهة آلة مثبتة على جدران البنوك أو مكاتب البريد.
إن الدخول في عصر التكنولوجيات المتقدمة لم يعد خيارا ولكن حتمية، فإن لم تدخل عالم الابتكار والإنتاج، فإنك مجبر على دخول عالم الاستهلاك التكنولوجي حتى يمكنك البقاء على اتصال مع العالم الخارجي، وبالتالي لم يعد أمامنا إلا خياران إثنان وهما إما أن نحافظ على سيادتنا واستقلالنا، وإما أن نعود إلى دائرة الاستعمار في ثوبه الجديد (الاستعباد التكنولوجي). وهذا السيناريو الثاني لا يمكننا النجاة منه إلا بإعطاء المكانة اللائقة للابتكار والبحث العلمي في بلادنا حتى نستطيع الاندماج في هذا العالم ونفهم لغته وتكون لدينا القدرة على التفاعل وامتلاك الأدوات اللازمة للتكيف والرد على كل التهديدات المحتملة المختلفة تماما عن التهديدات بمفهومها التقليدي. فحتى الجيوش لم تعد كما كانت في السابق، فنحن نعيش عصر الجيوش الإلكترونية يقبع جنودها خلف حواسيبهم وينفذون هجمات لا تحدث ضجيجا ولا زئيرا، لكن قوتها التدميرية هائلة وهي قادرة على إصابة بلد بأكمله بالشلل التام دون أن يعرف لا مصدر الهجوم ولا على من يرد أن ترك لك المجال لذلك.
إن تكوين نخبة علمية وبحثية جزائرية عالية التكوين، هو الرهان الحقيقي لبلادنا لمواجهة الجيل الجديد من هذه التهديدات غير التقليدية التي تتربص بنا أكثر من أي وقت مضى، لأن المسألة ترتبط مباشرة بأمننا الوطني واستقرار البلاد. وقد رأينا في الحالة التركية، كيف أفشل أردوغان العملية الانقلابية التي استعملت فيها الدبابات والطائرات والآلاف من العساكر والضباط للإطاحة به وبنظامه باستعمال هاتف ذكي وشبكة التواصل الاجتماعي، قلبت المعادلة رأسا على عقب.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024
العدد 19467

العدد 19467

الأحد 12 ماي 2024
العدد 19466

العدد 19466

الجمعة 10 ماي 2024