كلمة العدد

مشاريع أم مؤامرات؟

فضيلة دفوس
05 ديسمبر 2017

بدأ الحديث مؤخّرا يتزايد عن إمكانية إطلاق مشروع «مارشال» جديد لمواجهة التحدّيات الأمنية التي تعرفها القارة الافريقية، وتحديدا منطقة الساحل. المشروع الذي تحاول بعض الدول الأوروبية تسويقه خلال القمم والاجتماعات التي تعقد مع القارة السمراء، يستلهم إسمه من «مشروع مارشال» الذي أقرّته الولايات المتحدة الامريكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية لإعادة بناء أوروبا، ومساعدتها على إنعاش إقتصادها الذي دمّر عن آخره. ووفقا لما تسرّب من أفواه الخبراء والسياسيين، فإن «مارشال أفريقيا» وعكس نظيره الأمريكي الذي تضمن حزم مساعدات ومنحا وهبات وقروضا ميسّرة، فهو يقضي بتخصيص برنامج ديون للدول الافريقية يوجّه لاقتناء الأسلحة، والوسائل التي تساعدها على مواجهة التحديات الأمنية، ما يعني أنه لا يجمعه بمارشال أوروبا غير الاسم فقط أما المحتوى والهدف فهما مختلفان تماما، ففي حين قدّمت أمريكا كل التسهيلات الاقتصادية التي ساعدت الأوروبيّين على إعادة بناء أنفسهم، فإنّ هؤلاء يصرّون بالمقابل اليوم على إسقاط الدول الافريقية في فخّ المديونية وخدماتها اللاّمتناهية، الأمر الذي يجعل استحضار الاسم التاريخي لمشروع مارشال، مجرّد واجهة برّاقة، تخفي وراءها نفس المسعى الغربي الذي ظلّ ولا زال لا يرى في افريقيا غير ثرواتها وامكانياتها التي يجب أن تستنزف وتنهب بأي طريقة وتحت أي مسمّى.
 من هنا نجد بأنّ الرّبط بين اسم المشروعين أمر مضلّل ومجحف بالنسبة لأفريقيا، لأنّ أمريكا التي سارعت إلى تقديم حُزْمة الإنقاذ الاقتصادي لأوروبا حتى تعيد بناء ما دمّرته الحرب، وحتى تمنع قيام أنظمة متطرّفة على نموذج النازية والفاشية، لم تخنقها بالمديونية، الأمر الذي جعل القارة العجوز تنطلق كالسهم في إعادة البناء والتنمية حتى بلغت أعلى درجات التطور والتكامل.
لكن «مشروع مارشال افريقيا» يضع السمّ في العسل ويقدّمه للأفارقة، إذ يستغل معاناتهم وعجزهم عن مواجهة التنظيمات الإرهابية والاجرامية، ويفتح خزائنه أمامهم للاقتراض، قصد شراء السلاح الذي تنتجه مصانعه، والنتيجة إثقال كاهلهم بمزيد من الديون، وبالتالي بمزيد من الضغوط والهيمنة.
في الواقع أفريقيا بحاجة ماسة الى المساعدة الجادة والنزيهة لمواجهة الدمويين، وهي لا يمكنها أن تصدّ أبوابها في وجه أيّ مشروع استراتيجي يدخل في هذا الاطار، لكن يجب أن تَكُون هذه المشاريع صادقة النّوايا، غير مُحَمّلَة بأجندات المستعمِر القديم وأهدافه الاستنزافية لخيرات القارة وثرواتها.
لهذا فالمشروع الذي تتوفّر له فرصٌ كبيرةٌ لمواجهة التهديدات الإرهابية في البيئة الإفريقية، يجب أن يكون مشابها لـ «مارشال الأمريكي»، الذي أعاد بناء أوروبا، وأنقذها من خطر الوقوع مجدّدا في قبضة العنصرية والقومية المتطرّفة، وعزّز ديمقراطيتها التي أصبحت منارة وقدوة للعالم أجمع.
يبقى في الأخير الإشارة إلى أن الاقتصار على المعالجة الأمنية والاستخباراتية التقليدية لمكافحة مظاهر التطرّف والإرهاب في إفريقيا، لا يمكنه أن يكون ذا جدوى، ما لم ترافقه استراتيجية  مدروسة بحكمة تقود إلى مصالحةٍ وطنيةٍ بين الأطراف المتصارعة في دول الأزمات الإفريقية، وترفع من ثقافة الحوار البَنّاء، وتدعم  الشفافية والحُكم الرشيد والمشاركة السياسية.
كما أنّ القضاء على الإرهاب، لا يمكنه أن يتحقّق إلاّ بإطلاق تنمية مستدامة في إفريقيا، وبغير هذا؛ فإنّ البيئة الإفريقية للأسف الشّديد ستبقى حاضنةً خصبة لمعضلاتٍ أمنيةٍ عدّة، ليس أقلّها الإرهاب والهجرة غير الشّرعية والاتجّار بالبشر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024