أكدوا أهميـة توظيف العلاقـات السياسية في دعـم التنميـة..خــبراء لـ”الشعــب”:

الدبلوماسية الإقتصادية..رؤية جديدة للجزائر المنتصرة

خالدة بن تركي

أداة فعّالــة لجلــب الــثروة وتعزيــز مكانـــة البـــلاد فـي السوق الدوليــة

تبنت الجزائر، خلال السنوات الأخيرة، توجهاً استراتيجياً جديداً في سياستها الخارجية، يقوم على تحويل العلاقات السياسية الجيدة التي تربطها بعدد من الدول إلى شراكات اقتصادية ملموسة تخدم أهدافها التنموية.
ويأتي هذا التحول في إطار سعي الجزائر إلى جعل دبلوماسيتها أداة فاعلة في دعم الاقتصاد الوطني، من خلال توظيف مكانتها الإقليمية والدولية في بناء علاقات تعاون مثمرة في قطاعات حيوية، على غرار الطاقة، الفلاحة، الصناعة، والأمن الغذائي.
ويعكس هذا التوجه وعياً متزايداً بأهمية تكامل البعدين السياسي والاقتصادي في رسم السياسات العامة، بما يساهم في تنويع مصادر الدخل، جذب الاستثمارات، وتعزيز أسس التنمية المستدامة التي تراهن عليها البلاد في مرحلتها الجديدة.

يرى خبراء في الاقتصاد أن الجزائر وقّعت عدة اتفاقيات اقتصادية مع دول مثل إيطاليا والصين وتركيا، هذه الاتفاقيات سمحت بجلب استثمارات جديدة، وتبادل الخبرات، وفتح أسواق خارجية للمنتجات الجزائرية، كما ساعدت في تطوير قطاعات مهمة مثل الطاقات المتجددة والفلاحة في الجنوب، وهو ما يؤكد أن الدبلوماسية أصبحت اليوم وسيلة فعالة لدعم الاقتصاد وتحقيق التنمية في البلاد.

استثمــار دبلوماسـي

وصرح الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي البروفيسور مراد كواش لـ “الشعب” أن الجزائر، خلال السنوات الخمس الأخيرة، تبنت توجها واضحا يقوم على استغلال علاقاتها السياسية الجيدة مع عدد من الدول لعقد اتفاقيات اقتصادية وشراكات قوية في عدة مجالات.
وأضاف كواش أن العلاقة مع إيطاليا تعد مثالا واضحا على هذا التوجه، حيث أثمرت الزيارات السياسية رفيعة المستوى بين البلدين عن تعاون اقتصادي متين، خاصة في مجال الطاقة، وذكر أن الجزائر تسعى إلى تحويل إيطاليا إلى منصة لتصدير الغاز الجزائري، وأيضا الهيدروجين والكهرباء في المستقبل، كما أشار إلى أن التعاون توسع ليشمل مشروعا مشتركا في مجال الزراعات الاستراتيجية والصناعات الغذائية
وأفاد بأن الجزائر ترجمت أيضا علاقتها السياسية الطيبة مع قطر إلى شراكة اقتصادية واعدة، أبرزها مشروع إنتاج الحليب الجزائري- القطري، الذي يعتبر خطوة مهمة نحو دعم الأمن الغذائي وتنويع الاقتصاد، وأضاف أن هذا المشروع يشكل نموذجا عمليا لكيفية تحويل العلاقات الدبلوماسية إلى استثمارات منتجة، حيث يهدف إلى تطوير سلسلة إنتاج الحليب ومشتقاته على المستوى المحلي، وتقليص فاتورة الاستيراد في هذا المجال الحساس.
وأوضح الخبير، المشروع ينفذ في إطار تعاون مشترك بين القطاعين العام والخاص، ويعتمد على إدماج التكنولوجيا الحديثة ونقل الخبرات، مما يعزز من قدرات الجزائر الإنتاجية في قطاع الصناعات الغذائية كما ينتظر أن يسهم هذا الاستثمار في خلق مناصب شغل جديدة وتحفيز النشاط الاقتصادي في المناطق المستفيدة، خصوصا في ولايات الجنوب، حيث تتوفر الأراضي والمياه والإمكانات اللوجستية.
أكد كواش أن مثل هذه المشاريع الاستراتيجية تعد جزءا من الرؤية الاقتصادية الجديدة للجزائر، التي تراهن على تنمية القطاعات المنتجة، وجلب الاستثمارات الأجنبية ذات القيمة المضافة، بالشراكة مع دول تجمعها بالجزائر علاقات ثقة وتفاهم سياسي.
وفي هذا السياق، تعمل الجزائر على جذب الاستثمارات الأجنبية التي تقدم قيمة مضافة، أي تلك التي لا تقدم الأموال فقط، بل تساهم أيضا في نقل الخبرات والتكنولوجيا، وتكوين العمال المحليين، والمشاركة في تطوير الإنتاج داخل البلاد.

تقــارب اقتصــادي

وأشار المتحدث إلى أن الجزائر تفضل إقامة شراكات اقتصادية مع دول تربطها بها علاقات سياسية قوية يسودها التفاهم والثقة المتبادلة، موضحا أن هذا النوع من العلاقات يعد قاعدة صلبة لأي تعاون اقتصادي ناجح، فحين تكون الثقة السياسية حاضرة، يصبح من السهل تجاوز العراقيل الإدارية والفنية، كما يتاح للمستثمرين العمل في بيئة أكثر استقرارا ووضوحا.
كما أن هذا التوجه يعكس تغيرا واضحا في السياسة الاقتصادية للبلاد، حيث أصبحت الدبلوماسية الجزائرية تستخدم لدعم الاقتصاد، من خلال فتح مجالات التعاون مع دول تعتبر شريكا موثوقا ويمكن الاعتماد عليه في مشاريع طويلة.
وعرج الخبير إلى العلاقات السياسية الممتازة مع سلطنة عمان التي أفضت إلى توقيع اتفاقيات في عدة مجالات، من بينها الاقتصاد، الصناعة، الفلاحة، التعليم العالي والصحة، ما يعكس رغبة الطرفين في تعزيز التعاون الشامل، وتابع قائلا: “إن العلاقات التاريخية بين الجزائر وفنزويلا، والتي تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، تشهد اليوم دفعة جديدة، حيث تم مؤخرا التوقيع على عدد من الاتفاقيات لتوسيع التعاون الاقتصادي، وذلك استنادا إلى تقارب سياسي وأيديولوجي متجذر بين البلدين”.
وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن معظم الشركاء الاقتصاديين للجزائر هم شركاؤها السياسيون في المقام الأول، كما هو الحال مع الصين، تونس، موريتانيا وغيرها، ولفت إلى أن هذه الإستراتيجية سمحت للجزائر ببناء شبكة شراكات اقتصادية على أسس متينة ومستقرة.
وفي ختام تصريحه، شدد الخبير مراد كواش على أن الجزائر تسير في الطريق الصحيح، من خلال استثمار التقارب السياسي مع دول متعددة لتعزيز موقعها الاقتصادي دوليا، معتبرا أن ترجمة العلاقات السياسية إلى شراكات اقتصادية هو خيار استراتيجي ضروري لتحقيق التنمية المستدامة واستقرار البلاد.

رصيـد منتـــج

بدوره البروفيسور خالد قاشي، خبير اقتصادي ومالي، بالمركز الجامعي تيبازة، صرح أن الجزائر، في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي يشهدها العالم، اليوم، تقف على عتبة مرحلة حاسمة، تستدعي إعادة توجيه سياستها الخارجية، ليس فقط لتحقيق التوازن السياسي، بل من أجل تحويل رصيدها السياسي المتنامي إلى مكاسب اقتصادية تدعم الاقتصاد الوطني وتعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد.
وأكد قاشي لـ “الشعب”، أن العالم لم يعد يعترف بالعلاقات الدبلوماسية الشكلية أو الصور التذكارية، بل أصبح يقيس نجاح العلاقات الدولية بمدى قدرتها على إنتاج اتفاقيات اقتصادية فعالة، تخلق الثروة وتوفر فرص العمل، وتخدم مصالح الشعوب.
وقال المتحدث، إن الجزائر تملك موقعا جغرافيا استراتيجيا يجعلها في قلب ثلاث كتل اقتصادية هامة: أوروبا الباحثة عن بدائل طاقوية، إفريقيا الصاعدة، ومنطقة المتوسط الغنية بالفرص الاستثمارية، وأضاف أن هذا الموقع يمنح الجزائر قوة تفاوضية كبيرة، لكنها لم تستغل بشكل كاف في السنوات الماضية، حيث بقيت العديد من الاتفاقيات في مستوى النوايا والبيانات الدبلوماسية دون أن تترجم إلى مشاريع اقتصادية ملموسة.
وأوضح الخبير أن التحولات الدولية، مثل نهاية القطبية الواحدة وبروز قوى اقتصادية جديدة كالصين وروسيا وتركيا والهند، تعد فرصة حقيقية للجزائر لإعادة رسم خريطتها الاقتصادية الخارجية، وبناء شراكات متوازنة قائمة على مبدأ الربح المتبادل، خصوصا في ظل تزايد أهمية الطاقة عالميا.

شراكـــات استراتيجيــة

كما أن زيارة الجزائر إلى فنزويلا، ورغم الظروف الداخلية الصعبة التي تمر بها الأخيرة، أثمرت عن توقيع 14 مذكرة تفاهم شملت مجالات حيوية مثل الطاقة، الصحة، الفلاحة، البناء والأدوية، وهو ما يثبت – حسبه – قدرة الجزائر على بناء شراكات استراتيجية، خاصة مع وجود إرادة سياسية واضحة في ظل الجزائر الجديدة.
ويؤكد الخبير أن الجزائر قطعت خطوات مهمة على المستوى الدبلوماسي منذ نهاية 2019، ما أتاح لها فرصا واعدة لتعزيز تموقعها الاقتصادي إقليميا ودوليا، وأوضح أن تحقيق هذا الهدف يتطلب تعزيز التنسيق بين الجهازين الدبلوماسي والاقتصادي، وتفعيل منظومة متابعة فعالة، إلى جانب مواصلة جهود تبسيط الإجراءات الإدارية، بما يساهم في تحويل نوايا الاستثمار إلى مشاريع ملموسة تخدم التنمية.
وعليه يتفق الخبراء، أن الجزائر تسير في اتجاه صحيح عبر توظيف علاقاتها السياسية لبناء شراكات اقتصادية تعزز التنمية، وتوفر فرص العمل، رغم التحديات التي تتطلب تنسيقا أفضل وتفعيل المتابعة لتحقيق نتائج أكثر.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025