في مبادرة فريدة عاشت أجواءها بسكيكدة «الشعب»

قرية معماش السبتي بني زيد تكرّم معلمي السبعينيات و الثمانينيات

استطلاع: خالد العيفة

في أجواء احتفالية، وبمبادرة فريدة من نوعها، عاشت الأسرة التربوية، على مستوى قرية الشهيد السبتي معماش، مؤخرا في حضن نشوة التلاقي في حضن التربة الأصيلة، موعد أريد له تبجيل المعلم، حيث النجاح حليفها وهي تنال وسام الشرف بتكريمها للعلم في سابقة أولى هي ثمرة لمبادرة حميدة من صميم ارادة محلية. التظاهرة برعاية جمعية أولياء تلاميذ ابتدائية إبراهيم فوفو بذات القرية، حيث نظّم قدامى تلاميذ أجيال السبعينيات والثمانينيات حفلا تكريميا على شرف قدامى المعلمين.


أرادها تلاميذ الأمس ان تكون احتفالية تكريمية ردا لجميل معلميهم، فكانت بحق لقاء حميميا كبيرا مفعما بنبل العواطف المتدفقة من عمق المشاعر،  وعاش المنظمون، والمكرمون والمدعوون الحدث بكل جوارحهم.
 الحفل اقيم بمدرسة القرية التي أنشأت وتم فتح أبوابها سنة 1972، أي منذ 10 سنوات بعد الاستقلال، حيث كانت الأمية ضاربة أطنابها في المدارس والمشاتي التي أسهمت إسهامات كبيرة بتضحيات جسام في الثورة التحريرية، حيث التحقت أول دفعة دون مراعاة عامل السن فهناك من دخل قسم السنة الأولى وعمره 10 سنوات
ووجد نفسه في المتوسط بعد أربعة سنوات فقط، دراسة في الابتدائي لاستدراك التأخر، وقبل فتح المدرسة، وحسب شهادة أوائل التلاميذ، كانو يتلقون تعليما قرآنيا على يدّ الشيخ سي أحسن بالقرية وآخرون على يدّ الشيخ سي حميدة بمنطقة زروبة.

افتتاح المدرسة بمثابة استقلال ثان بالمنطقة

افتتاح المدرسة كان فرصة لالتحاق التلاميذ  وتحوّلهم من التعليم القرآني، الى التعليم الأكاديمي التربوي وفق المناهج الوطنية، بأقسام مبنية من اسمنت وسقف من قصدير في ظروف مزرية  وبمعلمين قلائل. كان اول معلم هو فوفو مولود ابن الشهيد إبراهيم فوفو، الذي سقط في ساحة الوغى   يوم 20 أوت بالقل، والذي سميت المدرسة باسمه سنوات بعد فتح أبوابها، وحسب نفس الشهود، كان المعلمون جد قلائل لكن تضحيات الرحال كانت كبيرة فطلبوا كل أبناء المنطقة من هجروا وتكوّنوا بعد الاستقلال في المعاهد التربوية ليلتحقوا بالتدريس بمدرسة القرية رافعين التحدي وآملين في الإسهام في محو الأمية والقضاء على الجهل كمخلفات الحقبة الاستعمارية.
بهذه المناسبة، قال مولود فوفو أول مدير ومعلم بالمدرسة في تصريح حصري لـ»الشعب»: «افتتاح المدرسة كان بمثابة استقلال ثان بالمنطقة، حيث نظّم عرس احتفالي بهيج، وفي بداية مشوارها، كانت مشان كثيرة محيطة بالقرية ترسل اولادها للدراسة بالمدرسة كونها الوحيدة بالمنطقة ومنها مشاوي وقرى جعافر، لويدة، لمباطل، قرقورة، احزايم، لعزيلات، البرواقة، لمزارى والسرى، لعنينب، الزاوية والخروب، زروبة، الدردار ودبابز التابعة إقليميا لبلدية تمالوس».
رغم بعد المسافة وغياب الطرق المعبدة والإنارة وكل الظروف التي تسمح بالعيش الكريم في جزائر فجر الاستقلال يضيف مولود، «إلا أن التحدي كان كبيرا والعزيمة كانت أكبر، حيث كان التلاميذ حينها يمشون في مسالك غالية وهم في عمر الزهور لمسافة أكثر من7 كلمتر صباحا وأخرى مساء من أجل التحصيل والتعليم وكذا الشأن بالنسبة للمعلمين الذين كانوا يأتون من كركرة، وعين اغبال، القل، وبني زيد، والبلديات المجاورة وكانت الظروف الطبيعية هاجس يارقهم وخاصة واد كركرة، بدون جسر حينها، كان معلمو الأمس يتخطونه سباحة من أجل الوصول في الموعد من أجل تدريس الطلبة».
وبحسب شهادة المعلم سعدالي ابراهيم، من أوائل مدرسي اللغة الفرنسية لـ»الشعب»: «كنا نحلم أن نرى تلاميذ الأمس اطارات في بناء الجزائر  والحمد لله. كنا نقطع الوادي ونمشي أكثر من عشرة كلمتر في الامطار والثلوج وكل هذا من أجل أن نقد واجب التعليم والتربية و تهذيب النفوس، اللّهم فاشهد اننا بلغنا».
 وأضاف سعدالي في شهاداته: «خلال الثمانينيات تمّ تعبيد الطرق وربط القرية بالكهرباء وتم بناء اقسام إضافية وفتحت مدارس أخرى في المشاتي المجاورة ونقص الضغط وبقيت المدرسة رائدة في نوعية تكوينها ومكانة معلميها، حيث كان تلاميذ المدرسة أن التحقوا بالتعليم المتوسط بالقل كانوا دائما من الاوائل وخاصة في النحو والحساب، واللغة الفرنسية»، وحسب نفس المتحدث، فإنه كان بالمدرسة احسن المعلمين في اللغة الفرنسية،
والنحو، ومنهم محمد قدادرية، المرحوم شاوش محمد، وأحمد وبكوش اسماعيل، وبولامة الشريف وسعدالي إبراهيم وركي باية، وغيرهم.
من جهته قال الاستاذ الدكتور منصور رحماني، أحد قدامى التلاميذ في شهادة حية لنا: «كان فتح المدرسة بالنسبة لنا بمثابة فجر جديد، وكنا تتزاحم في القسم المكتظ، ورغم الفقر و لحرمان والظروف الطبيعية القاسية التي كانت كل المنطقة تعاني منها»، اما الدكتور عمار فوفو وهو أستاذ باحث بجامعة سكيكدة، يصرح لـ»الشعب»، «كنا نمشي مسافات طويلة في الظلام الدامس وفي مسالك عالية، وكنا لا نخاف من شيء إلا من الوادي أن امطرت، لا شيء تمنعنا من السير، حتى الأودية كنا نقطعها سباحة من أجل الوصول في الوقت المناسب، لقسم الدراسة ولا نتغيب ابدا»، واضاف فوفو» كنا نحمل غداؤنا في محافظنا، ونتزود منها عند الجوع، كانت ظروف قاهرة وصعبة جدا، وبعد أكثر من أربعين سنة، عاد تلاميذ الأمس الى عين المكان و قرروا البحث عن معلميهم في كل القرى والمدارس ودعوتهم الاحتفالية لشكرهم والثناء عليهم على ما قدموه في سبيل القضاء على الجهل ومحو الأمية المتوارثة عن الحقبة الاستعمارية».
وصرح المنظمون لهذه الاحتفالية لنا بالقول: «بمجرد أن طرحت الفكرة بين شباب القرية من أجيال السبعينيات والثمانينيات حتى هرول الجميع مساهما ومبادرا، وتم الاتصال بإطارات القرية المتواجدين في كل المستويات، حيث رحبوا بالفكرة وتم تنصيب لجنة تحظير تسهر على كبيرة وصغيرة وسارت الأمور بجدية كبيرة، وتم جمع المال اللازم بفضل مساهمات الجميع.»

حضور لافت  لمعلمي جيل الاستقلال والجيل الجديد

كانت المفاجأة بحضور غير مسبوق لكل المعلمين والمقدر عددهم 34 معلما من القدماء، اما التلاميذ فكان حضورهم قويا جدا وتزاحم الجميع في هدوء بساحة المدرسة من أجل متابعة فعاليات الاحتفال الذي تكفل به قدماء التلاميذ من حيث التنشيط، وقامت اللجنة المنظمة بتكريم 10 عمال من عملوا بالمدرسة وأغلبهم رحلوا رحمهم الله، وتخللت الاحتفالية تكريم ثلاثة أوائل للناجحين في شهادة التعليم الابتدائي بمعدل 9,80, و9,70 وعشرة آخرون تحصلوا على معدل فوق 9.
دعي للحفل ضيوف شرف من أصحاب العلم  والفكر واستحسن الحاضرون المبادرة واثنوا عليها خاصة أنها أتت في نهاية السنة الدراسية، حيث تزامنت مع نهاية الأسبوع مما سمح للجميع بأن يكون حاضرا، ولقد أبدع الأستاذ إبراهيم نطور، ولخشين مولود من خيرة تلاميذ القرية في تنشيط الحفل، واعدت أطعمة تقليدية من طرف عائلات القرية التي أسهمت كثيرا في انجاح الحفل الذي حضره ايضا معلمي المدرسة، و تلاميذ الجيل الجديد.
للإشارة، لازالت المدرسة تكوّن لحد اليوم، تلاميذ من أصحاب مستوى لابأس به، لكن من الناحية المادية تعاني المؤسسة من نوع من التهميش  والنسيان من طرف البلدية، حيث أن رئيس البلدية لم يكلف نفسه حتى عناء الحضور رغم أن الدعوة وجهت له وهو المسؤول الأول عن المدرسة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024