تشكّل شواطئ ولاية سكيكدة، الممتدة على مسافة 247 كيلومتراً، وجهة سياحية استثنائية تجذب الآلاف سنوياً بفضل سحرها الطبيعي الفريد، حيث تلتقي زرقة مياه البحر المتوسط مع رمالها الذهبية ومحيطها الأخضر الغنّي، لترسم فسيفساء طبيعية آسرة تخطف الأنظار، وتستقطب عشاق الاستجمام موسم بعد موسم.
تبرز شواطئ “روسيكادا” ضمن هذا المشهد كجوهرة بخصائص مميزة، تجسد تنوعاً فريداً يزاوج بين الرمال الناعمة والغطاء الغابي الكثيف، مما يمنحها جمالاً طبيعياً أخّاذاً يغري الزوار بالعودة.
وتأتي هذه الشواطئ في صدارة المقاصد السياحية بالجزائر، لا سيما وأنها تحتضن أطول شاطئ متصل على المستوى الوطني، يمتد لأكثر من 25 كيلومتراً بين منطقتي “العربي بن مهيدي” شرقاً وبلدية فلفلة غرباً، وكذا بلدية عين الزويت صاحبة أطول ساحل بالولاية تحتضن 03 شواطئ من أحسن الشواطئ بالولاية بل على المستوى الوطني، الشاطئ الكبير، واد طنجي، وواد بيبي.
هذه المقومات الطبيعية الفريدة، مدعومة بموقع استراتيجي، تجعل سكيكدة قبلة للمصطافين من مختلف ولايات الوطن وزواره من الخارج، حيث يتوافدون على شواطئها بحثاً عن متنفس استثنائي يزاوج بين هدوء الطبيعة وجمال البحر.
شاطئ العربي بن مهيدي.. بداية الرحلة
وكانت السلطات قد أعطت إشارة انطلاق الافتتاح الرسمي لموسم الاصطياف لسنة 2025 بولاية سكيكدة، من شاطئ العربي بن مهيدي ببلدية سكيكدة، تحت شعار “صيفنا لمة وأمان”، من قبل السلطات الولائية، وبمشاركة نوعية لمختلف شركاء القطاع السياحي.
ورغم التحدّيات المرتبطة بالبنية التحتية والخدمات التي تعكف السلطات الولائية على معالجتها، تواصل شواطئ سكيكدة تسجيل إقبالاً قياسياً خلال كل موسم اصطياف، وتستهدف المبادرات الجارية إعادة تأهيل الوجه الحضاري والتاريخي للولاية، المعروفة قديماً باسم “روسيكادا”، وانتشالها إلى المرتبة السياحية التي تليق بمخزونها الطبيعي.
ويتوقع، أن تستقطب شواطئ ولاية سكيكدة أزيد من 10 ملايين مصطاف بحسب قطاع السياحة بالولاية، لاسيما وان الموسم الصيفي الماضي سجل 10 ملايين و590422 من المتوافدين على شواطئ الولاية.
وأكد والي سكيكدة، السعيد أخروف، خلال إشرافه على افتتاح الموسم الصيفي، تجند القطاعات من خلال توفير الإمكانيات المادية والبشرية والعديد من الإجراءات التي تضمن نجاح موسم الاصطياف وراحة المصطافين وزوار الولاية.
وتضم الولاية، 30 مؤسسة فندقية، بطاقة استيعاب 3920 سرير، منها 15 مؤسسة فندقية على الساحل، بطاقة استيعاب 2645 سرير، 14 مؤسسة فندقية حضرية بطاقة استيعاب 1165 سرير، ومخيم سياحي واحد بطاقة استيعاب 120 سرير، بالإضافة الى 05 مخيمات عائلية بطاقة استيعاب 416 خيمة” 3328 سرير”.
كما تحصي الولاية، 80 وكالة سياحية معتمدة، منها 02 عموميتين، و15 جمعية ذات الطابع السياحي ودواوين محلية للسياحة.
تدفق استثنائي للمصطافين
وشهدت شواطئ ولاية سكيكدة، مؤخرا، إقبالاً غير مسبوق للمصطافين، وذلك قبل الإعلان الرسمي عن انطلاق موسم الاصطياف الصيفي 2025، ولاحظت “الشعب” خلال جولة ميدانية توافداً كبيراً من الولايات المجاورة، مؤشراً على بداية مبكرة للنشاط السياحي.
وامتلأت الشواطئ الممتدة من “العربي بن مهيدي” مروراً بـ«واد ريغة” وصولاً إلى “فلفلة” بأعداد هائلة من السيارات والحافلات حاملة أرقام ولايات مجاورة، وامتدت ظاهرة الازدحام على طول كورنيش سكيكدة، لاسيما عند شاطئ “بيكيني الصغير”، حيث اصطفت المركبات القادمة من خارج الولاية على امتداد الطريق الساحلي.
كما أن “الشاطئ الكبير” بعين الزويت شهد إقبالاً ملحوظاً من مجموعات الشباب هواة التخييم منذ اليوم الثالث من عيد الأضحى المبارك، قادمين من ولايات مثل قسنطينة، باتنة، بسكرة، أم البواقي، قالمة، بالإضافة إلى أبناء سكيكدة أنفسهم.
وبرز ميناء “سطورة” الترفيهي كأبرز الوجهات التي تفضلها العائلات السكيكدية مع بداية فصل الصيف وخلال فترات العطل، ويبدو أن قربها من مركز مدينة سكيكدة (روسيكادا) عبر الكورنيش البحري، يجعلها الخيار المثالي للتنفيس والاستجمام أو لاستقبال الضيوف خلال المناسبات الصيفية والأعراس.
ويبدو أن شواطئ سكيكدة تستعد لموسم صيفي حافل، لكن نجاحه المستدام مرهون بمعالجة التحديات الهيكلية وتبني رؤية تنموية شاملة تعزّز تنوع المنتوج السياحي وتوفر تجربة مميزة للزوار وأبناء الولاية على حد سواء.
تأهيل شاطئ واد لحجر
وخصصت مصالح ولاية سكيكدة غلافًا ماليًا قدره 4.4 مليار سنتيم، لتهيئة وفتح شاطئ واد لحجر ببلدية تمالوس أمام المصطافين لأول مرة خلال الموسم الصيفي الحالي، وينقسم هذا المبلغ بين 3 مليارات سنتيم من ميزانية الولاية، و1.6 مليار سنتيم من صندوق الضمان والتضامن للجماعات المحلية.
أوضح زوبير بوكعباش، مدير السياحة والصناعة التقليدية بالولاية، أن شاطئ واد لحجر بتمالوس يعد من أجمل شواطئ المنطقة ويشهد إقبالًا كبيرًا، لا سيما من قبل العائلات، وأشار إلى أن قرار فتحه أمام المصطافين جاء استجابة للحركة الكبيرة التي يشهدها، مضيفًا أنه لم تُسجل أي حالة غرق فيه، مما شجّع السلطات على اتخاذ هذا القرار.
وكانت اللجنة الولائية المكلفة باقتراح فتح ومنع الشواطئ للسباحة بسكيكدة قد أجرت زيارات ميدانية سابقة شملت 7 بلديات ساحلية، بهدف معاينة 11 شاطئًا جديدًا مقترحًا للفتح، وشملت هذه الشواطئ لخرايف “سيدي عبد الرحمان” ببلدية خناق مايون، واد لحجر ولبحيرة ببلدية تمالوس، واد طنجي ببلدية عين الزويت، الميناء “لاجوثي” ببلدية سكيكدة، واد ريغة، واد الصابون وصوفيا ببلدية فلفلة، الزوارع وكاف فاطمة 3 ببلدية بن عزوز، راس الحديد ببلدية المرسى.
وتمتد هذه الشواطئ من أقصى غرب سواحل ولاية سكيكدة إلى أقصى شرقها، وقد عُقدت اجتماعات بحضور رؤساء المجالس الشعبية للبلديات المعنية لدراسة إمكانية فتحها أمام الجمهور، ورغم التوقعات التي رجحت تدعيم الولاية بأربعة شواطئ جديدة، إلا أن ما تم الاستقرار عليه هو فتح شاطئ واحد فقط، وهو شاطئ واد لحجر.
وفي سياق متصل، تم منح 20 جزءًا من الشواطئ، موزعة على 13 شاطئًا في 7 بلديات ساحلية، بمساحة إجمالية قدرها 56585 متر مربع، وفقًا لحق الامتياز.
ويُعد فتح شاطئ واد لحجر خطوة هامة لتعزيز العرض السياحي بولاية سكيكدة، وتوفير المزيد من المساحات الترفيهية للعائلات والمصطافين خلال الموسم الصيفي.
شواطئ آمنة
ومن أجل موسم صيف خالٍ من الحوادث، لاسيما حوادث الغرق، خصصت مديرية الحماية المدنية للولاية، لشهر جوان الجاري، عند الافتتاح الرسمي لموسم الاصطياف، 350 حارس شواطئ، بينما سيخصص لشهري جويلية وأوت من السنة الجارية، حوالي 520 حارس شواطئ مؤقت، سيتم توزيعهم على شواطئ الولاية المسموحة السباحة فيها، بحسب أهمية كل شاطئ من حيث كثافة إقبال المصطافين عليها، لاسيما خلال شهري جويلية وأوت، إذ يتميزان إلى جانب ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة، بالتوافد الكبير للمصطافين، بسبب حصول العديد منهم على عطلهم السنوية.
توعية وتحسيس
في إطار التحضيرات الخاصة بالحملات التحسيسية المكثفة، والتي ستُنظم طيلة موسم الصيف لضمان عطلة صحية وآمنة، أشرف خالدي محمد، المدير العام للمؤسسة الاستشفائية عبد الرزاق بوحارة سكيكدة، على افتتاح فعاليات الأيام التحسيسية والتوعوية لموسم الاصطياف 2025، بالتنسيق مع مصلحة الطب الوقائي؛ أين قام بتسطير برنامجًا ثريا ومتنوعا يهدف إلى ضمان تكفل أمثل بالمرضى والمصطافين، وتوفير خدمات صحية نوعية تليق بالمواطن، مع التركيز على استمرارية الرعاية الصحية وتوفير الأدوية.
ويشمل البرنامج التحسيسي محاور هامة أبرزها فيما يتعلق بالمخاطر الصحية المرتبطة بفصل الصيف، ارتفاع درجات الحرارة وضربات الشمس، الإسهال عند الأطفال والرُضع، التسممات الغذائية المحتملة، الأمراض المتنقلة عبر المياه، وارتفاع حالات لسعات العقارب.
وأكدت الدكتورة عبادة أخصائية في الطب الوقائي، والدكتورة شوكال، طبيبة عامة بوحدة الأوبئة والطب الوقائي، أن هذه الحملات ستكون واسعة وموجهة مباشرة للمواطنين، مع التركيز على التربية الصحية والوقاية من الأمراض الموسمية، والتوعية بالسلوكيات الصحية، لا سيما بالنسبة للفئات الهشة كـالأطفال، المسنين والنساء الحوامل.
كما دعت الطبيبتان إلى الاهتمام بالتغذية الصحية، في ظل الانتشار المتزايد للأغذية الجاهزة والوجبات السريعة، مشددتين على ضرورة ترسيخ ثقافة الغذاء المتوازن والآمن.
وتأتي هذه المبادرات لتؤكد حرص المؤسسة الاستشفائية عبد الرزاق بوحارة سكيكدة على الوقاية أولاً، والتكفل المستمر والدائم بصحة المواطن طيلة موسم الاصطياف.
وسطرت، مصالح أمن سكيكدة، مخطط أمني يهدف إلى تأمين الشواطئ المفتوحة أمام المواطنين، لما يتميز به الموسم الصيفي من توافد كبير للمصطافين على الشواطئ وكذا التدفق المروري الكثيف لحركة المرور، من خلال وضع تشكيل أمني متكامل من أجل ضمان كافة الظروف الأمنية الملائمة لراحة المواطنين وتقديم لهم التسهيلات الملائمة والفعالة من أجل إنجاح الموسم وتوفير كل المتطلبات الأمنية الضرورية.
ومن أجل حماية ومراقبة هاته الشواطئ، بحسب خلية الاتصال والعلاقات العامة بأمن ولاية سكيكدة، تم إنشاء خمسة مراكز شرطة للمراقبة وحماية الشواطئ مجهزة بكافة الضروريات والوسائل المادية تتوزّع على هاته الشواطئ حيث تعمل على حماية وتأمين المصطافين ليلا ونهارا 24سا/24 كافة أيام الأسبوع، ثلاث مراكز شرطة لمراقبة وحماية الشواطئ بكورنيش سطورة، مركز شرطة لمراقبة وحماية الشواطئ على مستوى شاطئ عين الدولة بالقل، مركز شرطة لمراقبة وحماية الشواطئ على مستوى شاطئ وادي ريغة بفلفة، مع تشكيل دوريات راجلة بالزي المدني والرسمي على طول هاته الشواطئ تعمل على مراقبة هويات الأشخاص المشتبه بهم كذلك ردع الجريمة بأشكالها: كالسرقات، حيازة واستهلاك المخدرات، المشاجرة في الطريق العام وغيرها من الجرائم.
ومن جهة موازية ومن أجل ضمان سيولة حركة المرور وأمن كافة مستعملي الطريق، أوضحت خلية الاتصال و العلاقات العامة، ان فرق المرور ستضاعف من نشطاها في محاربة الإجرام المروري من خلال وضع حواجز أمنية ثابتة، ودوريات راكبة وأخرى للدراجات النارية و السكوتر تعمل على تسهيل حركة المرور وكذا منع التوقفات العشوائية للسيارات، بالإضافة إلى تفعيل أنشطة فرقة حماية البيئة والعمران التي ستضاعف نشاطها في مجال مراقبة الأنشطة غير الشرعية التي تمارس بالطريق العام والأماكن العمومية والرمي العشوائي للنفايات، وكذا نصب المخيمات والكراسي و الشمسيات بطرق عشوائية.
حيث تسعى مصالح أمن سكيكدة، بحسب ذات المصدر، إلى توفير أجواء آمنة للمصطافين وجعل الشواطئ مجالا للمتعة والترفيه والاستجمام لكافة الأسر والعائلات دون إغفال دور المواطنين وتثمينه باعتبارهم شريكا فعالا في العملية الأمنية، خصوصا فيما يتعلق بالتبليغ عن أي نشاط من شأنه المساس بالأمن العام.
إنجاح الموسم الصيفي..
وقد أعطيت كل الأولوية لإنجاح الموسم الصيفي، بحسب مصالح الولاية، من خلال تجنيد جميع المصالح وتسخير كافة الإمكانيات المادية والبشرية حرصا على توفير كل شروط الراحة والطمأنينة والسكينة والرفاهية للمواطنين والسواح وذلك تنفيذا لتعليمة وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، حيث تم تفعيل اللجنة الولائية المتعددة القطاعات ومصالح الأمن، لتنسيق كل النشاطات للتحضير والمتابعة والعمل الميداني، رفقة المنتخبين المحليين، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لاسيما على مستوى البلديات الساحلية 14 للولاية، حيث تم فتح 36 شاطئا مسموحا للسباحة تتوفر على التجهيزات والمرافق اللازمة من مراكز لمصالح الأمن والحماية المدنية ومرافق لدورات المياه والنظافة.
مخطط وقائي
كما تم وضع مخطط وقائي لضمان الأمن عبر الطرقات على غرار المخطط الأزرق بالنسبة للأمن الوطني، ومخطط دلفين بالنسبة للدرك الوطني، للعمل على تأمين المواطنين وتنظيم حركة المرور بما يمكن من تقليل الازدحام المروري، لاسيما في الأماكن التي تشهد إقبالاً واسعاً للجمهور، وخاصة أن ولاية سكيكدة تستقطب كل موسم اصطياف أزيد من 10 ملايين زائر.
وتم تسخير كل الموارد البشـرية لتسيير الشواطئ المفتوحة للسباحة واحترام مبدأ مجانية الولوج إليها ومكافحة استغلالها الفوضوي وتهيئتها من حيث الإنارة العمومية والصـرف الصحي وصيانة الطرق وتسيير أماكن ركن السيارات مع الترخيص لأكبر عدد منها للركن بصفة مجانية وتحديد التسعيرة للحظائر المؤجرة من طرف مصالح البلدية بالمناطق الحضرية.
مع الحرص على توفير شروط الأمن والنظافة ومنح الامتياز لمتعاملين محترفين طبقاً للتنظيم المعمول به الذي يحكم الاستغلال السياحي للشواطئ من أجل ضمان تسيير احترافي للشواطئ وتحسين نوعية الخدمات المقدمة للمصطافين مع الأخذ بعين الاعتبار فئة ذوي الهمم باستحداث ممرات خاصة بهم ضمانا لحسن استقبالهم.
مع تخصيص مواقع للاستقبال الأمثل للوافدين من ولايات الجنوب والمناطق الداخلية للبلاد في ظروف لائقة تستوفي كل شروط الأمن والراحة ناهيك عن التنسيق مع القطاعات المكلفة بالثقافة والشباب والسياحة من أجل إعداد برامج مخصصة للأنشطة الثقافية والرياضية و الترفيهية بما في ذلك الأنشطة الليلية لخلق فضاءات استقبال ملائمة للعائلات مع الحرص على توفير وسائل النقل لضمان خدمات موثوقة كفيلة للاستجابة للطلب المتزايد للمصطافين خلال موسم الاصطياف.
كما وضع جهاز لمراقبة جودة مياه البحر على مستوى الشواطئ المرخص بها للسباحة، بالتنسيق بين المصالح المعنية مع ضمان المراقبة الدورية للشواطئ والتدخل لاسيما في مجال الإسعاف مع وضع كل التدابير الوقائية لحماية المستهلك من خطر التسممات الغذائية التي يمكن أن تشكل خطراً على صحة المواطن بالخصوص على مستوى الشواطئ، المحلات التجارية، المطاعم، والمخيمات الصيفية، واتخاذ الإجراءات الردعية في حق المخالفين.