يوميات مليـئـة برعـب

«الشعب» تقـف علـى معانــــاة سكــان عمـارة «الموت»بسكيكـدة

خالـد العيفة

 يعيش سكان عمارة «روسيكادا» بشاطئ كازينو بكورنيش سطورة، حالة من اليأس والإحباط ، بسبب الوضعية التي آلت إليها هذه البناية التي يعود تاريخها إلى العهد الاستعماري، جعلتهم يعيشون داخلها يوميات أقل ما يقال عنها بالمأساوية، على اعتبارها مهدّدة بالانهيار على قاطنيها في أي لحظة، «الشعب» وفي زيارة لها وقفت على حياة الشقاء التي يكابد معاناتها السكان الذين عبّروا عن تذمرهم لغياب تكفل حقيقي بمشكلتهم وترحيلهم قبل وقوع الكارثة.

عائلات لم تجد مكانا يأويها لظروفها الاجتماعية، وجدناها تعيش تحت سقف خطير، وبين جدران متصدّعة، وفي أجواء بيئية كارثية، جراء اهتراء قنوات الصرف الصحي، التي أصبحت مصدر روائح كريهة، وأمراض متنوّعة، وزاد من وقع الأمر اللامبالاة من قبل السلطات المعنية، التي لم تحرّك ساكنا، وتهتم بهذه العائلات، بإدماجها ضمن قائمة السكن المخصّصة لترحيل ساكني بنايات الهشّة بالمدينة.

جدران متصدّعة وإهتراء قنوات الصرف الصحي

البناية «روسيكادا» المتواجدة قبالة شاطئ «كازينو»، تحوّلت إلى عمارة «الشبح»، بالنسبة إلى السلطات المحلية، فمن جانب توجد قبالة شاطئ يقصده الآلاف كل فصل صيف، ومن جانب آخر هي بكورنيش سطورة قبلة كل سكان المدينة وخارجها،  موقع جل الكل يعرف وضعها من المواطنين ومسؤولي الولاية،  وضعية أرّقت ساكنيها، وجعلتهم في حيرة من أمرهم، فمن الوهلة الأولى وأنت تلج بوابتها الرئيسية تعلم علم اليقين أن القادم لقاطنيها سيكون أمّر، فبمجرد صعودك للسلالم تعتقد أنك بداخل كهف وليس بوسط المدينة.
  البداية في زيارتنا لهذه العمارة كانت مع المواطن «علي»، حيث استقبلنا عند المدخل ليكون دليلنا في اكتشاف مخاطر العمارة على قاطنيها، علي يسكن داخل هذه البناية رفقة 08 عائلات أخرى، تعيش نفس الألم وأمل الترحيل، لسكنات تنقذهم من خطر الموت المحقق تحت الأنقاض، كذا لتحفظ كرامتهم كمواطنين عليهم واجبات ولهم حقوق كذلك، قال ان بداية تدهور عمارة «الموت» و»التشرد»، كما يفضل تسميتها كانت خلال سنة 2012، حيث شهدت مدينة سكيكدة اضطرابات جوية، وتهاطل للأمطار بغزارة، أدى إلى انجرافات مسّت مختلف مناطق البلدية.

«روسيكادا» تختزل وضعية المدينة القديمة

 من بينها انجراف التربة على مستوى حي بن قانة بالطريق العلوي لسطورة، وكذا من الجهة العليا لعمارة روسيكادا، إضافة إلى الأشغال التي كانت جارية بهذه المنطقة والتي تفتقد الى دراسة جادة، حيث أثّر كل ذلك على تماسك التربة، وأتت على هيكل العمارة، التي تعود للحقبة الاستعمارية في الأصل ما جعلها لا تحتمل كل هذه العوامل.
 وعليه تناشد عائلة «علي» ومن خلالها بقية العائلات التي تعيش الخوف المستمر، أن تلتفت السلطات الولائية لظروفها الكارثية، ووضعها الحرج، ومنحها سكنات تليق بكرامة المواطن، وقد وضعت العائلة بين أيدينا وثائق تؤكد على أن هذه البناية قد تمّ معاينتها من قبل الهيئة الوطنية لمراقبة البناء ناحية قسنطينة، وطلبت مصالح البلدية بإخلاء البناية فورا، ومنع استغلال البناية من جديد مهما كان نوعه أو صفته.
وصرّح محدثنا، أنه تمّ خلال سنة 2013، جمع العائلات بحي عيسى بوكرمة، إلا أن ظروف العيش لم تكن ملائمة، حيث جمعت عائلتين في موضع واحد، مما اضطرهم إلى العودة إلى سكناتنا رغم أنها مهترئة وخطرة.
وأوضح «علي» أن البعض من ملاك لسكنات بالعمارة قاموا ببيع سكناتهم للأشخاص من خارج الولاية، لاستغلالها إلا في فصل الصيف لقربها من شاطئ البحر، والبقية الذي لا يتعدى عدهم 20 عائلة ما تزال تعاني بهذه السكنات الضيقة، والمهدّدة بالانهيار في أي لحظة على اعتبار أن شقق العمارة لا تصلح للسكن، وهو ما تلاحظه للوهلة الأولى عند دخولها، بل وأنت تصعد السلالم، تتأكد من هذه البناية، اختزلت كل معاناة مدينة سكيكدة القديمة، فهي اسم على مسمى «روسيكادا» فتكاد أن تتحول الى أطلال، أكل وشرب عليها الدهر.

عائلات تتألم للوضعية وتناشد السلطات

وكان استغرابنا، كيف لتلك العائلات أن تغامر بحياة أبنائها، فكانت إجابتهم أن العيش وسط هذا الخطر أهون عليهم من التشرد في الشارع، وقد روى لنا أحدهم، بأن البناية شهدت حادثة انهيار قبل سنوات، أدت إلى إصابة عدة أشخاص، بينهم امرأة حامل، حيث نجوا بأعجوبة من الموت وعدهم رئيس الدائرة حينها بالترحيل في ظرف أسبوع، لكن الحال انتهى بهم إلى الإقامة في روضة للأطفال، بينما فضّل البعض الآخر البقاء في العمارة، رغم أنها مصنّفة في الخانة الحمراء  صدر في حقّ السكان قرار بالإخلاء.
وصادفتنا عائلة لابن شهيد، يسكن هذه العمارة، الذي تألم للوضعية التي يوجد عليها، خصوصا وأن له أربعة أبناء، ولم يتمكّن من الحصول على سكن، ومازال يعاني بهذا المنزل المتكون من «بيت ومطبخ، وتعرض أبنائه إلى أمراض صدرية بفعل الرطوبة الكبيرة، لاسيما عند تهاطل الأمطار، التي
تتسرّب إلى شقته، ناهيك عن تشققات كبيرة بالحائط الخلفي، والذي انهار جزئيا، تسبب صعوبة فتح باب المنزل بحرية، مما يضطروا إلى إدخال مشترياتهم من النافدة، لاستحالة إدخالها من الباب بسهولة.
وقالت ربّة بيت تسكن بالطابق الأول من العمارة، أن هذه الأخيرة كالدهليز مظلمة، والإنارة ضعيفة، والخطر يحدق بالسكان من كل ناحية، نتيجة التدهور الفظيع الذي مسّ سكناتهم بسبب هشاشتها ولم تعد تصمد، لا سيما في فصل الشتاء، حيث يغيب عنهم النوم ويقضون ليال بيضاء بل
ويحرسون أبناءهم من أي مكروه قد يحصل لهم، جراء الانهيارات التي تحدث من حين لآخر على مستوى الأسقف والشرفات والسلالم.
وأخذنا أحد السكان، إلى خلف العمارة، حيث كان لمجرى المياه، أثرا كبيرا، والمياه مصدرها حسب السكان، من المشروع السكني لأحد الخواص، في أعلى الجبل، حيث انجرفت التربة، وهدّدت الحائط الخلفي، الذي يكاد ينهار.

بيئة ملوّثة ومياه تتسرّب للشقق

حدثنا السكان، أن المياه تتسرّب لداخل الشقق، وتخرج من النوافذ، ناهيك عن البيئة الملوّثة، بفعل القاذورات، التي تُرمى خلف هذه العمارة من الأعلى، الأمر الذي أصبح يشكل خطرا على صحة السكان، لاسيما الأطفال منهم.
ورغم شكاوي السكان، في كل مناسبة، إلا أن السلطات المحلية، غائبة تماما، ولم تتجاوب مع المواطنين، وتبقى وضعية هذه البناية الآيلة للسقوط، في أي لحظة تزداد تأزما لاسيما بعد الهزة الأرضية الأخيرة التي ضربت جنوب الولاية، والتي شعر بها السكان، وجعلهم يتركون شققهم، ويفترشون الشارع، خوفا من سقوطها على رؤوسهم.
 وكانت مصالح الولاية قد أفرجت عن قائمة المستفيدين من السكن، خصص جزء منها لقاطني عمارات الآيلة للانهيار بالمدينة القديمة، إلا أن هذه العملية لقيت إستهجانا من العديد من المواطنين الذين بقيوا عالقين بهذه العمارات على غرار بناية «روسيكادا»، التي لم تجد أسمائها ضمن المستفيدين من السكن.
وعبّر العشرات عن غضبهم من عدم ورود أسمائهم رغم أنهم مصنّفون ضمن قاطني سكنات المهدّدة بالانهيار، مؤكدين أن السلطات لم تكن عادلة مع أبناء المدينة القديمة، على غرار ما عرفته الأحياء القصديرية التي استفاد قاطنوها من برنامج إعادة الإسكان.
والبعض من سكان عمارة «الموت»، استفاد من السكن الاجتماعي، والبعض الآخر حول مؤقتا، إلى روضة الأطفال بعيسى بوكرمة، في انتظار تسوية وضعيتهم، إلا أن السلطات المعنية همشتهم، مما تركهم يعودون إلى مساكنهم رغم خطورة الانهيار، والموت المحقّق تحت الردوم.
وبأسفل العمارة، قام بعض الشباب ممن يعيشون البطالة، إلى كراء المحلات التجارية رغم وضعيتها الكارثية، حيث أكدوا لـ»الشعب» أن دافعهم هو تأمين مصدرا ماليا من أجل لقمة العيش، رغم الخطر المحدق بهم، وأشاروا إلى أن البناية وكذا المحلات مهدّدة بالسقوط، ورغم هذا فإن النشاط التجاري يعتبر مصدر رزقهم الوحيد.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024