المدينة الجديدة بوغزول..

مدينة عصرية تكنولوجية وبيئة.. حلم أجيال صعُب تحقيقه

ع. عباس

 ظلّ مشروع المدينة الجديدة «العاصمة الإقتصادية»، بقزول مجرد حبر على ورق وملف مطوي يتدرّج وسط مكاتب الإدارة والقطاعات التنموية، حيث لا يزال صعب التحقيق ربما بسبب ضعف أداء المنتخبين والأعيان والجمعيات، الذين أوكلت لهم مهمة الدفاع عنه لأهميته الاستراتيجية ليس على سكان الولاية فحسب، بل لدوره المحوري، في مجال فكّ الخناق عن العاصمة السياسية، وجعله قبلة للسياح وطلب العلم، من داخل هذه المنطقة وخارجها من تراب الوطن وتبقى تساؤلات عدة تطرح حوله، في انتظار إعادة بعث هذا الأخير الذي تناولته إجتماعات الحكومات السابقة ولم يجسّد إلا اللحظة.
لا يزال مشروع المدينة الجديدة ببوغزول بولاية المدية، حلم مشرق لأجيال صعب تحقيقه، لتكون بذلك خيبة أمل سكان المنطقة كبيرة، بعدما كانوا يأملون في فرج قريب بمدينة جديدة عصرية تكنولوجية وبيئية.
 وكانت الصدمة بالنسبة لهم أكبر، بعد ما أخذت أراضي أجدادهم، وتمّ تهميش طبيعة حياتهم الفلاحية والرعوية، مع كثرة أشغال الحفر قرب مساكنهم، دون مراعاة  لشروط الحياة الكريمة لهم، عقب تعرضهم  لشتى أنواع الضغوط والظروف، من غبار وصوت الماكينات، والحفر الدائم.
  ليبقى الوضع على حاله رغم مناشدتهم للجهات المعنية، مرارا وتكرارا، دون جدوى، بتعويضهم بأراض خاصة بهم لممارسة نشاطهم الفلاحي، مقابل التخلي عن أراضيهم، حيث بقي هؤلاء على حالتهم طوال هذه المدة.
  «الشعب» وقفت عند الواقع المؤلم الذي عرفه مشروع المدينة الجديدة بعد عهد رئاسية وصل فارق الزمن بها 35 سنة، دون الوصول إلى المأمول، حيث كان لها حديث مع بعض الجمعيات، ببوغزول بالمدية، وأكد تقرير هذه الجمعيات، بأنه تعدّدت الأسماء لهاته المدينة، التي حلم بها صناع الاستقلال، من أول مخطّط للمدينة سنة 1973 إلى غاية اليوم، حيث ما زال هذا المشروع يتعرض لكل أنواع التعطيل والتهميش، ليعاد بعثه سنة 2008 / 2009، حيث أسال الكثير من الحبر، وصرفت عليه أموال طائلة، لكن الزائر والملاحظ لها الآن، سيري بأنه لم يتجسّد منه سوى 10 بالمائة أو أقل، بالمقارنة بالأموال المصروفة.
تضمن هذا التقرير، جرد ما أنجز، من بناء لقنوات  الصرف الصحي وبعض الأرصفة داخل البحيرة.

- حزام غابي شاهد على جهد غير كاف  
 أشارت هذه الجمعيات، بأن هذا المشروع الذي بقي حبرا على ورق، فمن ناحية موقعه الهام، تعتبر المدينة على ضوئه نقطة عبور، بين الشرق، الغرب، الشمال والجنوب، لما تمثله من تنوع  في المبادلات التجارية غير أنه كان من الأجدر تمكينه من ميناء جاف لوجود وسائل النقل البرية «السكة الحديدية والجوية  الحيوية».
 كما تعدّ المدينة أيضا موقعا استراتيجيا، كونها بعيدة عن البحر بحوالي 170 كلم، وتتوسط ولايات الشرق، الغرب، وتفصل  بين الشمال والجنوب، إلى جانب أنها تشكل بحق بوابة للصحراء وتقاطع لتقاليد لتراث ذو طابع جزائري أصيل، بين مختلف جهات الوطن على اعتبار، بأنه على أساس هذه المميزات، تتضح الرؤى، بأحقية هذه المدينة بتوطين عدة مشاريع ووضع أكبر للقواعد الحيوية بها، كأكبر مطار في الجزائر، المبرمج بمنطقة الحراكتة.
المشروع حسب المتطلعين، لم يجسّد منه إلا مخطّطه فقط، علاوة على أكبر وحدة الحماية المدنية عبر القطر الجزائري، فضلا على سدّ لم تستغل مياهه من طرف أبناء المنطقة لأسباب  تبقى مجهولة، رغم أن المدينة  يحيط بها حزام غابي، لم يتم الاهتمام به لمنع السلطات بهذه الولاية استغلال هذه المياه، الأمر الذي جعل أغلب هاته الأشجار تموت أو يكون نموها بطيئا، رغم أنه لو استعملت مياهه لكانت هذه المدينة بحق ساحرة في الطبيعة.

- أطراف خفية ترفض نجاح المشروع
نبّهت هذه الجمعيات، إلى أنه على ضوء هذه المعطيات والتحاليل، تتبين بأن هناك أطراف تسعى لإفساد  مخططات الدولة، لبناء مدينة نموذجية، لطالما حلم بها  أجدادنا بوسائل بيروقراطية تعسفية محطّمة، لكل الآمال دون معرفه هدفها ومصدرها، على أن يبقى حسبها ذلك علامة استفهام كبيرة، من منطلق أن هذا المشروع يتضمن مراكز ضخمة للصحة والتعليم والرياضة، لكن كل هذا ذهب أدراج الرياح.
 بما في ذلك المرافق السياحية، التي لم تعرفها الجزائر قبل، كطرق داخل البحيرة، ومنتجات كانت لتعطي قيمة مضافة للولاية وكل ولايات الوسط الجزائري، متنفسا قل نظيره في مدن أخرى، والمحيّر في هذه المدينة، أنّ تضاريسها تتوفر على كل هذه المؤهلات، من موقع استراتيجي وعبور وتوفر سدّ كبير وأغلب المواد الأولية الموجودة بسطحها لانجاز الطرقات والبنايات، قابلة  للإستغلال، لكونها تحتوي على محاجر ومرامل ذات نوعية وجودة تابعة للدولة، إلا أن هاته العوامل تمّ تعطيلها واستغلالها لمنافع شخصية، ببيعهابطرق مجهولة.
 وهنا تطرح فرضية التساؤل من يحاول إفشال المشروع بالعقلية الجهوية دون أي وطنية أو إدارك لجهود من سبقوه؟ ويبقى التساؤل مطروحا لماذا؟ وأي جهة ستستفيد وبمساعدة من؟ وقد نذهب إلى فرضية أخرى، كون أن هذه المنطقة صنّفت بأنها منطقة عبور مركزية، لما قامت به أيام الثورة التحريرية، لأنها كانت منطقة عبور المراسيل لكافة أنحاء البلاد، مما أعطاها هاته الصيغة، من تحطيم لكل ما هو ثوري وما حلم به المجاهدون، لكن تبقى الرسالة قائمة على عاتق من لم تغويهم المناصب والأموال عن بناء وطنهم كما حلم به أجدادهم.

- إشراك ولاية الجلفة في مجلس إدارة التسيير
في وقت قرّرت السلطات العليا في البلاد إشراك ولاية الجلفة في مجلس إدارة تسيير المشروع، على مساحة 60 كلم مربع، لكونه يتوزع بنسبة 52 بالمائة بالمدية
و48 بالمائة بهذه الولاية المجاورة، سبق للنائب محمد كبريتة، وأن أكد لوزير السكن والعمران والمدينة السابق، كمال ناصري، على ضرورة متابعة أشغال شركة المجمع «دايو» بالمدينة الجديدة، لرفع الغبن عن حوالي 400 عامل متعاقد مع الشركة، بتجديد عقودهم  المنتهية وتجاهله لمطالب العمال رغم مساعي الصلح للسلطات المحلية، مع بعث هذا المشروع من جديد خاصة بالنسبة للمشاريع الاستثمارية والبرامج السكنية بنحو 350 ألف ساكن، بنحو 80 ألف سكن وعدد من الحظائر والبحيرات.

- 92 بالمائة من البنى التحتية وتسريح عشرات العمال
تشير مصادر متابعة لهذا الملف، بأن السلطات العليا كانت قد رصدت 1.5 مليار دولار كتكلفة أولية لبداية المشروع، لانجاز ما خطّط له في الفترة ما بين 2008 إلى 2012، إلا أن نسبة ما تمّ انجازه قد وصل حد 92  بالمائة، في مجال أشغال البنى التحتية من أنفاق، طرقات، وشبكات .
  وذكرت هذه المصادر، بأنه قد تمّ الانطلاق في تجسيد  المخطّط التوجيهي للمشروع «المخطّط العمراني والحمائي» سنة 2008، وتمثل المخطّط الثاني في غرس شريط غابي في إطار الحزام الأخضر، بفضل مصالح الغابات، إدارة المشروع، مديرية تهيئة الإقليم للمدينة الجديدة، سوى أن مشكلة عدم تمكّن  المهندسين من متابعة هذا الشريط الحمائي بسبب الجفاف، حال دون الوصول إلى الهدف المنشود.
وذهبت مصادر «الشعب» في التأكيد بأن هذا المشروع  حلم الأجيال، اصطدم في بدايته مع مشكلة التنازع  حول العقار المملوك للدولة وما هو خاص، كما عرفت سنة 2021 بتسريح 331 عاملا، مع استقدام عمال آخرين لمباشرة الأشغال، في وقت يتواجد حاليا  بالمجمع 216 عاملا، من بينهم 109 أجانب، في حين أنه من المفروض أن يشغل أكثر من 2000 عامل جزائري، من بينهم 774 أجنبيا، كما أنه من بين المعوقات التي لحقت بهذا المشروع هي إحالة 300 عامل للعدالة في إطار التحقيق بالقسم الاجتماعي.

- هياكل قاعدية تنتظر الإرادة، المال والتجسيد
تشير تقارير إعلامية شهر نوفمبر 2019، إلى أن السلطات قد رفعت التجميد عن مدينة بوغزول، بعدما كانت مجمدة، وقد رفع عنها ذلك بصفة رسمية ضمن قرارات الحكومة، حيث تعمل بصدد التنفيذ للبرنامج  المسجل، بشأن هذه المدينة، في إطار تصورها، لأن تكون هذه المدينة ذكية بكل مرافقها ولا تقتصر على  السكنات فقط.
 وقد منح تسيير مشروع المدينة إلى هذه الولاية في إطار لا مركزية تسيير مثل هذه المشاريع الهامة وإستنادا لخارطة طريق هذه المدينة النموذجية ذات الطابع المعماري والهندسي الخاص، فإن المشروع سيشمل عدة هياكل منها جامعة، مستشفى جامعي، مطار، ملعب ومسبح أولمبي، بحيرة.
 كما أنه يتطلّب تنسيق ضروري ما بين هذه الولاية والولايات المجاورة لها، لإنجاز ما تبقى من المشروع  بالخصائص المقترحة ما بين 10 إلى 15 سنة، بعدما وصلت تكلفته 5500 مليار سنتيم، الى جانب تخصيص منطقة لتوطين مشاريع استثمارية خاصة وعمومية، والشروع في انجاز الحصص السكنية بطريقة تدريجية وهو ما يأمله ساكنة ولايتي المدية والجلفة بالدرجة الأولى، ونظرائهم بالولايات المجاورة لفك الخناق عليها من أزمة السكن والحد من الغزو الريفي للعاصمة.
 جدير بالذكر، أن المشروع جاء لفكّ الخناق على جزائر العاصمة والبحث عن عاصمة إقتصادية تكون بديلا جديدا عن العاصمة السياسية الحالية، خصّصت له أغلفة مالية كثيرة، وتمّ إدراجه ضمن خارطة التقسيم الإداري، حيث قلصت بعض البلديات من ولايات الجوار لتظلّ على ذلك التقسيم الى غاية اليوم تنتظر تجسيد المشروع على أرض الواقع.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024
العدد 19444

العدد 19444

الأحد 14 أفريل 2024