حبيب الصادق يروي قصة حلم ولد من القمامة!

رسكـلة النّفايـات مصــدر للثّــروة يستهوي الشبــاب

معسكر: أم الخير - س

حبيب الصادق شاب طموح، من مواليد 1986، أتم دراسته الجامعية بمعسكر، حائز على شهادة ماستر هندسة ميكانيكية وشهادات أخرى تثمن مساره العلمي منها شهادة تقني سامي في صيانة الآليات الميكانيكية.

 لم تكن الشهادات العلمية الجامعية والمهنية التي تحصل عليها الشاب الثلاثيني، عائقا يمنعه من العمل في غير تخصصه، حيث يقول «بعد التخرج بشهادة عليا من الجامعة، لم يكن حلمي الحصول على منصب عمل كباقي الشباب، بل استقرت طموحاته على قاعدة إنشاء مؤسسة خاصة، وتخليص أترابه الشباب من أبناء حيه الشعبي من شبح البطالة».
لم يكن سهلا على حبيب الصادق إنشاء مؤسسة مصغرة تتطلّب موردا ماليا لتجسيد الخطوات الأولى لأي مشروع، الأمر الذي تم فعلا بميلاد فكرة بسيطة من النفايات والقمامة المنزلية، باعتباره ناشطا في المجال الجمعوي البيئي والاجتماعي الخيري.
وبلغت فكرة إنشاء مشروع رسكلة النفايات البلاستيكية النضج عند حبيب صادق، من الأعمال الخيرية التي كان يشرف عليها وينظمها لفائدة المرضى والمعوزين، بإمكانيات شحيحة، سرعان ما تحولت بمبادرة منفردة إلى جمع النفايات خلال عمليات تنظيف المحيط، وبيع ما يصلح منها للصناعيين في اطار الرسكلة، ومن ثمة كسب عائدات تذهب للنشاط الخيري والجمعوي.
ونضجت فكرة إنشاء مشروع لرسكلة النفايات البلاستيكية لدى الشاب الجامعي، لتبلغ التنفيذ بتقربه من المديريات والهيئات المختصة، فضلا عن أجهزة دعم وتشغيل الشباب التي مكنته من صقل فكرته وتطويرها إلى مشروع حقيقي جسد ميدانيا، لكن أفلتته يد المساعدة والمرافقة بعد تطور الفكرة وتجسيد المشروع على حد قوله، بالرغم من التسهيلات التي اجتهدت الدولة في تقديمها كشكل من أشكال التحفيز على اقتحام مجالات جديدة للاستثمار.
مشاريع منتجة
 يصف محدّثنا، مشاريع رسكلة النفايات بالمنتجة والمضمونة النتائج، تلتقي عندها الأهداف الاقتصادية والبيئية، مشيرا إلى أن مشاريع رسكلة النفايات ستكون مجالا حقيقيا لانتاج الثروة لو تلقى الاهتمام الحقيقي بعيدا عن البيروقراطية والعراقيل التي تحد من عزيمة المستثمرين والمهتمين بالمجال، وتعسّر نجاح مؤسساتهم، ويضيف أن اقتحام مجال رسكلة النفايات وتدويرها من أسهل المشاريع الاستثمارية التي تتطلب التمسك بفكرة المشروع، والاجتهاد في صقلها بإدخال الأفكار الإبداعية، لاسيما في مجال تدوير النفايات البلاستيكية التي تتوفر بكميات ضخمة وغير مكلفة في محيطنا البيئي والاجتماعي، على حد قوله.
وأعطى الصادق نموذجا واقعيا لرسكلة النفايات خارج الأطر القانونية غير المنظمة، والتي ترتكز على جمع النفايات البلاستيكية والمطاطية وبيعها للمصانع، دون أن تستفيد من عائداتها الربحية في شكل مداخيل جبائية للجماعات المحلية، وأفضل ما استشهد به المتحدث، الحظائر الواسعة التي أقيمت على مشارف المدخل الشرقي لولاية معسكر، والتي تقترب إلى الوصف أنها مفارغ عشوائية لأكوام من النفايات البلاستيكية على مساحات فلاحية شاسعة.
غير أنّه على الرغم من الانتشار الملفت للنشاطات الاستثمارية غير المنظمة في مجال رسكلة النفايات البلاستيكية، إلا أنها تعتبر نموذجا للإقلاع الاقتصادي الملائم للاحتياجات الاجتماعية والبيئية، والملائم لكل المستويات الاقتصادية لاسيما في البلدان النامية، التي تعتمد كثيرا على مادة البلاستيك في الحياة اليومية، ما يشكل من جهة أخرى موردا اقتصاديا قابلا للتدوير، دون الحاجة للبحث عن المادة الأولية المتوفرة بكميات خيالية في أكوام النفايات المضرة بالطبيعة، وأضاف حبيب الصادق متحدثا عن تجربته الخاصة بإنشاء مؤسسة لرسكلة النفايات البلاستيكية، أن عملية إعادة تدوير البلاستيك تطرح فرصا استثمارية عديدة للأفراد خاصة ذوي المدخرات المالية الصغيرة والمتوسطة، وحتى ذوي الإمكانيات المنعدمة الذين يمكنهم الانطلاق في مشاريع من جمع القوارير البلاستيكية والنفايات الجلدية والمطاطية.
تدوير البلاستيك
كما يوضّح صاحب التجربة، أنّ عملية تدوير ورسكلة النفايات البلاستيكية تحتاج إلى صبر وإرادة قبل أن تمرّ إلى خطوات تجسيد المشروع التي تتطلب هي الأخرى الإبداع والإنتاج الفكري أكثر من حاجتها إلى الآليات في المرحلة الثانية من تجسيد المشروع، لافتا على سبيل المثال، الى أن بعض النفايات البلاستيكية يمكن الاستفادة منها بعد إعادة تشكيلها يدويا في تزيين المحيط أو الحدائق المنزلية على غرار العجلات المطاطية وقوارير المياه المعدنية والسوائل.
وعن الجدوى الاقتصادية لمشاريع رسكلة وتدوير النفايات البلاستيكية، قال صاحب أول مؤسسة مصغرة مختصة في المجال بولاية معسكر، إن مراحل التدوير تحقق الكثير من المنافع البيئية والاقتصادية، بداية من عملية جمع النفايات البلاستيكية وفرزها التي تتطلب المورد البشري، وبالتالي توفير فرص عمل، فضلا عن أثر هذه المرحلة على البيئة والمحيط من حيث تخليصه مبكرا من خطورة مادة البلاستيك.
واستعرض الشاب الجامعي الخطوات والمراحل الشاقة لتجسيد مشاريع الرسكلة والتدوير، التي تتطلب حتما مساحة كافية لتركيب المعدات والأجهزة الصناعية المتخصصة في طحن وتشكيل البلاستيك بعد تحويله إلى مادة أولية مجددا، ليصبح المنتج نهائيا، وهي المرحلة التي تحدّد نجاح مشاريع رسكلة البلاستيك من عدمها، وتتطلب حسبه دفعا قويا من السلطات المحلية من أجل توفير العقار الصناعي لمؤسسات الرسكلة و تدوير النفايات.
ومن منطلق أنّ فكرة المشروع المولود من القمامة، تأسّست على هدف بيئي مواطناتي، وتحولت إلى مشروع اقتصادي يتأرجح بين الإخفاق في توسيع المشروع والنجاح في تجسيد فكرته الأولى، قال حبيب إنّ مجال رسكلة النفايات البلاستيكية وإعادة تدويرها لا بد أن يحتكم إلى الضمير الأخلاقي للمستثمرين في المجال، لاسيما بالنسبة للمنتجات البلاستيكية النهائية لعملية التدوير الموجهة لاستعمالات غذائية، الذي قال عنها إنها أقرب لأن تكون جريمة في حق المستهلك، بدل أن تكون لها منفعة اقتصادية، مشيرا إلى مساعيه واجتهاداته الشخصية المرتكزة على إنتاج مواد بناء بديلة خاصة بالأسطح والأرضيات من مخلفات البلاستيك، عوض صناعة منتجات لاستعمالات استهلاكية غذائية من مواد مسرطنة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19479

العدد 19479

السبت 25 ماي 2024
العدد 19478

العدد 19478

الجمعة 24 ماي 2024
العدد 19477

العدد 19477

الأربعاء 22 ماي 2024
العدد 19476

العدد 19476

الأربعاء 22 ماي 2024