تنويع الصيــغ يحقّق الإنصاف بين الجزائريين

دعم الدولة لـن يتوقـف وإنجـاز السكنــات سيستمر

زهراء. ب

 رقمنـــة القطـــاع يضمن عدالـــة التوزيــع وسرعـة التنفيذ


كيفت الدولة سياسة الإسكان، مع التحولات العديدة التي طرأت على المجتمع الجزائري منذ الاستقلال، وواجهت الطلب المتزايد على السكن نتيجة النمو الديمغرافي المتسارع، باعتماد صيغ سكنية متنوعة أخذت بعين الاعتبار الدخل الفردي لكل الفئات، بحيث حققت الإنصاف في التوزيع، وساهمت البرامج «المليونية» المنجزة إلى غاية اليوم، ليس في تحسين الرفاهية وعيش المواطن فقط، ولكن في القضاء على مظاهر البنايات الهشة والفوضوية التي شوهت جمال المدن الكبرى والمناطق الحضرية خاصة، وباتت تقرن عمليات توزيع السكنات الجديد مع الأعياد والمناسبات الوطنية، في رسالة واضحة تؤكد تمسك السلطات بالسياسة الاجتماعية للدولة وما نص عليه بيان أول نوفمبر.

استعرض المدير العام للسكن بوزارة السكن والعمران والمدينة، محمد مرجاني، في لقائه مع «الشعب» بمكتبه بمقر الوزارة بالعاصمة، تجربة الجزائر الرائدة في الإسكان، وأكد أن سياسة الدولة الجزائرية في تلبية الطلب للسكن، تعتمد أساسا على توفير السكن بجميع صيغه التي تتلاءم مع مختلف شرائح المجتمع.
وقال: «من غير المجدي أننا نسنّ سياسة لا تلبي طلبات المواطنين، لذلك أول شيء اعتمدته الدولة الجزائرية في إطار سياسة الإسكان، هو تلبية طلبات كل شرائح المجتمع»، عن طريق برمجة إنجاز وتسليم العديد من الصيغ السكنية، لاسيما السكن العمومي الإيجاري الموجه «للأسر ذات الدخل الضعيف، السكن الريفي لساكنة الريف، ما يسمى سابقا السكن الاجتماعي التساهمي ويسمى حاليا السكن الترقوي المدعم»، والسكن بصيغة البيع عن طريق الإيجار أو ما يعرف عند عموم المواطنين سكنات «عدل» وهذه الصيغة أعطت حسبه نتائج وصفها بـ»الأكثر من إيجابية» فيما يخص تلبية هذا الطلب لاسيما الشرائح المتوسطة أو ذات الدخل الشهري المتوسط، إضافة إلى صيغة السكن الترقوي العمومي المدعم «أل.بي.بي» والترقوي الحر الموجه لأصحاب الدخل الأكثر من 6 مرات الأجر الأدنى المضمون.
وأشار مرجاني إلى أن الفترة الممتدة من 2020 إلى 2024، عرفت تسطير برنامج يتضمن إنجاز مليون وحدة سكنية، منها 200 ألف سكن عمومي ايجاري، 70 ألف وحدة سكنية بصيغة الترقوي المدعم، السكن عن طريق الإيجار 40 ألف وحدة سكنية، السكن الريفي 400 ألف وحدة سكنية، 40 ألف وحدة سكنية بصيغة الترقوي الحر، أما الإعانات الموجهة للتجزئات الاجتماعية فقدرت بـ250 ألف إعانة.
ومن أواخر سنة 2020 إلى غاية اليوم، تم توزيع أزيد من 770 ألف وحدة سكنية بجميع الصيغ، جزء كبير منها من برنامج مليون سكن، وما تبقى من المشاريع المتأخرة التي أقرتها الدولة الجزائرية.
وينتظر توزيع 120 ألف وحدة سكنية بمناسبة إحياء ذكرى الثورة التحريرية، تشمل جميع الصيغ السكنية، وتنتشر بجميع التراب الوطني، وستنظم عملية التوزيع بالتنسيق مع السلطات المحلية.

بدائل للتكفل بالطلب المتزايد

التكيف مع تحولات المجتمع الجزائري، خاصة المرتبطة بالنمو الديموغرافي المتسارع، جعل وزارة السكن تفكر في بدائل جديدة للتمكن من تلبية الطلب على السكن الذي بات يرتفع طرديا مع الزيادات السنوية للسكان، والتي بلغت نحو 700 ألف مولود جديد كل سنة في الجزائر، مثلما ذكر المدير العام للسكن، وهو ما جعل الطلب على السكن يرتفع كل سنة، وأكد أن أحسن وسيلة لتلبيته وإيفاء الدولة بالتزاماتها في هذا المجال، هو تعيين هذا الطلب، وتسخير الأوعية العقارية لتنفيذ البرامج السكنية المسطرة، وهذين العنصرين حسب مرجاني هما أهم عنصران من أجل تجسيد أي سياسة في مجال السكن.
وذكر في هذا الصدد، أن وزارة السكن في السنوات الأخيرة تعمل على التحكم في الطلب، وتجنيد الأوعية العقارية لاستقبال البرنامج، وبالنسبة له «يستحيل التكلم على انجاز برنامج في غياب الأوعية العقارية، خاصة الأوعية الخالية من العوائق القانونية».
وأبرز مرجاني، أن تجنيد الأوعية العقارية يخضع إلى مبدأ أساسي وهو الرجوع إلى الآليات العمرانية بدء من المخطط الوطني بالتهيئة، المخطط الجهوي، الولائي، والبلدي، مخططات التعمير، مخططات شغل الأراضي وهذه الآليات العمرانية هي التي تمكن مسؤولي القطاع حسبه «من تجنيد الأوعية العقارية، وإذا كانت كل هذه الآليات تشير إلى ضرورة اللجوء إلى مدن جديدة فسيتم ذلك، وهذا هو المبدأ الأساسي عند تسطير أي سياسة إسكان».
وأوضح أن تجنيد الأوعية العقارية لا يمكن في غياب هذه الآليات العمرانية، لأنه عن طريقها يتم تعيين الأوعية الخاصة باستقبال السكنات، والتجهيزات العمومية، وكل ما يتم إدراجه ضمن المخططات، وكآخر مرحلة، يتم وضع مخططات شغل الأراضي التي تعين بصفة دقيقة التجهيز الذي يجب إنجازه.
وعن إشكالية نقص العقار في المدن الكبرى، وإمكانية التوجه إلى التعمير في المناطق القريبة منها خارج الولاية المعنية، قال مرجاني إن «هذا الإشكال مرتبط بقضية النمو الديموغرافي، وانتشار الساكنة»، مشيرا إلى أن الإحصاء العام للسكان الجاري إنجازه، سيمنح آلية محينة تعطي مؤشرات دقيقة، يمكن عن طريقها إعادة النظر مستقبلا في مخططات التعمير، وهذه المخططات هي من تأتي بحلول، وتحدد إذا نقوم بإنجاز أقطاب حضرية أو مدن جديدة، أو نكتفي بتوسعات في المجال العمراني الموجود.

مواجهة النزوح الريفي

عمق النمو الديمغرافي المتسارع وتعقّد الظروف الأمنية سنوات التسعينيات، اكتظاظ المدن، نتيجة النزوح الجماعي للسكان من المناطق الريفية، وهذا زاد من حدة أزمة السكن، وشوه المنظر العام للمدن بعدما انتشرت كالفطريات بنايات الصفيح في كل مكان، وكنتيجة لهذا وزيادة النمو الديموغرافي المفرط الذي عرفته البلاد، أصبحت المدن الشمالية مكتظة، وبدأت تتأقلم مع هذه الكثافة السكانية من خلال التوسع العشوائي غير المراقب.
أمام هذا الوضع، انتقلت تدخلات الدولة في مجال السكن، من جهاز الإعانات المعممة والضمنية إلى نظام الإعانات المباشرة المرفقة بتنويع العرض العقاري، وسمح هذا النظام بظهور صيغ سكنية جديدة تستجيب لمختلف شرائح الطلب، ويحتل صدارة هذه الصيغ السكن الريفي.
وأشار المدير العام للسكن في هذا الشأن إلى أن «الأرقام المتعلقة بساكنة الريف تدل على مجهود بذل ومازال لتلبية طلبات سكان هذه المناطق، والدليل تم تسطير في البرنامج الخماسي 2020-2024، 400 ألف وحدة سكن ريفية، وتخصيص 250 ألف إعانة موجهة للتجزئات، أغلبها يستفيد منها سكان الريف أو ما جاورها».
وأكد أن كل مجهودات الدولة منصبة على مرافقة هذه الساكنة ومنحها التسهيلات لإنجاز هذه السكنات الريفية، وإزالة كل العوائق التي تحول دون تحقيق هذا الهدف، موضحا أن آخر حصيلة تشير إلى تسجيل مؤشرات إيجابية في نسبة إنجاز السكن الريفي، يبقى فقط على السطات المحلية مواصلة هذا الجهد، ومرافقة ساكنة الأرياف من أجل تجسيد البنايات، خاصة وأن عالم الريف يعرف مثلما قال «تحولات جد مهمة، ليس فقط في قطاع السكن، بل كل ما يدور في هذا العالم لإعادة الاعتبار له»، مذكرا بمجهودات الدولة التي تقوم بها من أجل تزويد هذه المناطق بالغاز، والمياه والإنارة الريفية، والمسالك والطرقات، وكلها إجراءات تدخل في سياسة واحدة تهدف لجعل الوسط الريفي ملائم لحياة ساكنة الريف.

تجزئات خاصة بالجنوب والهضاب العليا

لم تتوقف مجهودات الدولة عند المناطق الريفية، بل شملت كل ولايات الوطن، وخصت ولايات الهضاب العليا والجنوب، بصيغة سكنية، كانت محل طلب السكان المحافظين، وهي التجزئات الاجتماعية، وهي صيغة أقرتها الدولة يقول مرجاني في هذه المناطق «لأنها تتميز بوفرة العقار، وسكنات التجزئة أو السكنات الفردية تحتاج إلى تسخير أوعية عقارية جد مهمة»، وعلى هذا الأساس اختارت الدولة هذا المنهج ـ يضيف - واتجهت إلى ولايات الجنوب والهضاب العليا لتشجيع هذه الصيغة السكنية، التي تشكل حل جد مهم للكثير من المواطنين القاطنين بالبلديات على مستوى هذه الولايات الراغبين في الاستفادة من سكن أو دعم مالي من خزينة الدولة لإنجاز سكنات خاصة.
ويتضمن البرنامج الخماسي الخاص بقطاع السكن 2020-2024، إنجاز 250 ألف تجزئة، هي شباك مفتوح، مثلما ذكر مرجاني، وكلما توفرت أوعية عقارية تم تهيئتها ومنحها لتسجيل برنامج يلبي هذه الطلبات، بشرط أن تكون هذه الأوعية جاهزة لاستقبال هذه السكنات الفردية.
ويسمح تنويع الصيغ السكنية في تحقيق مبدإ الإنصاف، بحكم أن هذه الصيغ أخذت مثلما قال المدير العام للسكن، «بعين الاعتبار مدخول الفرد» وإن كان هذا العامل ليس معيارا وحيدا للاستفادة من سكن مدعم، ولكنه عاملا أساسيا للقول أن كل الشرائح استفادت من البرامج السكنية، التي هي في طور الانجاز، وستلبي على الأقل ما هو مسجل كطلب ملح، وأكد مرجاني أن عملية إنجاز
السكنات لن تتوقف عند هذا المستوى، بل ستبرمج برامج جديدة لتلبية جميع الطلبات.
وذكر أن وزارة السكن تريد تحقيق تحدي رقمنة القطاع على جميع الأصعدة، وهذه العملية ستأتي بالكثير من الحلول، حسبه، من بينها العدالة في التوزيع، لأنها ستضمن الشفافية ومهما كان حجم البرنامج المنجز سيلبي الطلبات وهذا ما سيدخل الطمأنينة في نفوس المواطنين ويعزز ثقتهم بالمسؤولين.
واسترسل قائلا: الرقمنة حل لتجسيد كل ما تم تسجيله، ولا تضمن عدالة التوزيع فقط، بل السرعة في التنفيذ، وتحقيق كل التحديات.
وأكد أن دعم الدولة للسكنات يبقى قائما، لأن الدولة الجزائرية اجتماعية إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، وستبقى ترافق المواطن، في تحسين أوضاعه الاجتماعية.

حماية الموروث العمراني والأرواح

لا تنحصر مهام وزارة السكن في إنجاز السكنات الجديدة، بل تضطلع بمسؤولية كبيرة، يعطيها وزير القطاع مثلما قال مرجاني كل الاهتمام، تخص إعادة الاعتبار للبنايات القديمة، وقد وجه الوزير في الأشهر الماضية تعليمات شدد فيها على وجوب التكفل بهذا الملف بنظرة جديدة مستقبلية، تمكن من إعادة الاعتبار للمحيط العمراني، وحمايته من الاندثار، والحفاظ على أرواح الساكنة.
أما الحفاظ على الطابع المعماري الخاص بالجزائر، فاعتبره مرجاني «اجتهاد يومي»، وكل التعليمات التي تتلقاها مصلحته وتعمل على تنفيذها تصب في هذا الاتجاه، مشيرا إلى مخطط شغل الأراضي، تنبثق منه دراسات خاصة بالسكن والتجهيزات، يتكفل المهندس المعماري  بتطويرها، وأول هاجس عنده هو كيفية إنشاء سكن وتجهيز يمكننا من بتصميم ملائم لمحيط الانجاز.
واعترف أن الكثير من العمل مازال ينتظر القطاع في هذا المجال، وقد أصبح هاجسا عند المهندسين المعماريين ومكاتب الدراسات والوزارة كصاحبة مشروع، وحتى السلطات العمومية، التي تذكر في كل مرة بوجوب تقديم تصميم منشآت وسكنات تحافظ على طابع كل ولاية أو بلدية.

رهان مستقبلي

يضع المدير العام للسكن، الإنجاز في الآجال المحددة وبالنوعية المطلوبة، ضمن الرهانات المستقبلية للقطاع، وقال «الرهان القادم هو كيف يتم الإنجاز بسرعة لتلبية الطلب في الوقت المحدد وبالنوعية المطلوبة، وتقديم إنجازات تليق بمستوى مدننا وما يصبو إليه المواطن».
وأوضح أن المباني المنجزة مرتبطة بصلابة الطابع معماري وتوفر مقاييس السلامة الأمنية وهذه ليست مهاما بسيطة كما يعتقد الكثير من الذين يحيطون بقطاع السكن.
وأكد مرجاني أن الجزائر تملك الخبرة في هذا المجال، والكثير من المؤسسات منها هيئة «سي تي سي»، مكاتب الدراسات، المقاولات، يمكنها تحقيق هذا التحدي الذي يتجدد يوميا، بفضل الخبرات التي اكتسبتها في الميدان لإنجاز سكنات راقية في الوقت المناسب وبالنوعية الجيدة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024