صنّفت منطقة محمية من المنظّمة العالمية “رامسار” سنة 2003

بحيرة الرغاية مقصد ترفيهي وسياحي بامتياز

استطلاع: نبيلة بوقرين

تنوّع بيولوجي للأسماك ووجهة للطّيور المهاجرة تنتظر العناية

نداءات استغاثة لحماية المنطقة الرّطبة من التلوث المخيف تنقلها “الشعب”

 تعتبر بحيرة الرغاية من أجمل المناطق الرّطبة بالعاصمة بالنظر لتوفّرها على الشروط الضرورية من مساحة خضراء، حيوانات وطيور متنوّعة، إضافة إلى موقعها الجغرافي الرائع بوقوعها في الحدود مع الساحل البحري ما أعطى لها منظرا جميلا يسحر الزوار الذين يرونه. “الشعب” وقفت خلال استطلاعها بهذه المحمية الخلاّبة على امكانياتها المادية والبشرية التي أعطتها مقصد، وكذا المشاكل التي تعاني منها لأنها تعد الملجأ الحقيقي للسكان من أجل التخلص من التلوث القاتل بالمنطقة.
 تتربّع المحمية الطبيعية للرغاية التابعة أساسا إلى وزارة الفلاحة على مساحة كبيرة مكّنتها من كسب جمال و ّتنوع المناظر. مساحتها تفوق الـ 1500 هكتار، منها 75 هكتار للحوض المائي، وفي حال ارتفاع منسوب المياه في الشتاء يتوسع إلى 150 هكتار. أما المنطقة الرطبة المصنّفة من طرف المنظمة العالمية للمناطق الرطبة “رامسار”، تشمل 842 هكتار والمساحة المتبقية والمقدرة بـ 658 كلها مخصصة للمساحات الخضراء، مبنى الإدارة وأماكن تربية الطيور بما أنّ المكان عبارة عن مركز صيد بالدرجة الأولى بالنظر إلى أنّها وجهة عدد كبير من الطيور المهاجرة التي تأتي إليها على مدار السنة من مختلف العالم، حيث وجدت الطيور النّادرة ضالتها في هذه المحطة الطبيعية الخلابة.
 صنّفت بحيرة الرغاية محمية طبيعية من طرف المنظمة العالمية للمناطق الرطبة في جوان 2003 لأنّها تستوفي كل الشروط الضرورية التي تسمح لها بأن تكون تحت الغطاء العالمي، خاصة أنها تتصل بصفة مباشرة مع حوض البحر الأبيض المتوسط، وهو بحر مصنّف من طرف ذات المنظمة، ولهذا فإنّ هناك تنوّع بيولوجي رائع يمزج بين الكائنات التي تعيش في المياه المالحة والعذبة، خاصة في فصل الشتاء عندما يرتفع منسوب المورد المائي، حيث يكون هناك خلط كبير بين الأسماك التي تنتقّل بين الحوضين، ما يجعل وجود أنواع جديدة عن طريق التكاثر، إضافة إلى تجدد مياه البحيرة بصفة تلقائية رغم وجود مجرى يربط بين المنطقتين يتم فتحه من طرف القائمين على المحمية عند الحاجة.

 مخبر يلخّص أهم مكوّنات المحمية الطّبيعية
في جولتها الاستطلاعية، وقفت “الشعب” على زوايا المخبر الموجود بمركز “الصيد للرغاية”، والذي يعد جزءاً مهمّا من المحمية الطبيعية لأنه عبارة عن مجسّم اصطناعي صغير تمّ إنجازه مباشرة بعد التصنيف، ويتكون من طابقين سفلي خاص بالأطفال ويحتوي على مناظر خضراء، الأحواض الموجودة لتربية المائيات، مكتبة صغيرة، وبعض الطيور المحنّطة التي عاشت بالبحيرة في السابق، إضافة إلى وجود أشغال يدوية قام بها الزوار الذين مرّوا بالمكان المفتوح للجمعيات الرياضية، دور الحضانة والمدارس.
 أما الطابق العلوي فهو مخصص للكبار على غرار الطلبة الجامعيين ومحضّرين لرسائل الدكتوراه المتخصّصين في مجال دراسة الغابات والطيور للاستفادة من المكتبة الخاصة بالمحمية، والتي تتوفر على كتب عديدة تعكس الواقع الموجود بها. وهناك مدرج لمتابعة أشرطة فيديو، وكل هذه التسهيلات جعلتها وجهة لعدد كبير من الزوار في مختلف المجالات والتخصصات والأعمار.
كل التسهيلات المقدّمة من طرف القائمين على البحيرة سجلناها بعين المكان خلال جولتنا التي صادفت الأسبوع المخصّص للمناطق الرطبة للوقوف على ما تمثله المنطقة من مقصد، سواء في المساحات الخضراء التي تحتوي على أماكن للجلوس، وهي منتشرة في مختلف الزوايا والممرات، إضافة إلى الألعاب الخاصة بالأطفال من أجل الترفيه عن أنفسهم. أطفال يأتون إلى البحيرة مرافقين من طرف الأفواج الكشفية، الجمعيات الرياضيات، المدارس، دور الحضانة. يأتون بصفة دورية للتمتع بالمناظر الخضراء الرائعة، والهدوء الذي يميز المكان الممزوج بزقزقة العصافير المحلية أو المهاجرة، كما يتوافد بعض الطلبة من أجل المراجعة بما أن الأجواء سانحة لاسترجاع الأنفاس، والابتعاد عن ضجيج المدينة التي تعتبر منطقة ربط بين عدة بلديات مجاورة.

تساهم في التّقليل من نسبة تلوّث الهواء  
 وللإشارة، فإنّ هذه المساحة الخضراء الكبيرة في الرغاية لها تأثير إيجابي في جانب آخر، لأنّها تساهم في التوازن البيئي بشكل كبير بالنظر إلى تقليلها من نسبة التلوث في الهواء، لأن الجهة الجنوبية تحتوي على عدد كبير من المصانع في مختلف المجالات من منتجات استهلاكية، كهرومنزلية وأمور أخرى. ناهيك عن وجود الشركة الوطنية للسيارات الصناعية بين الرويبة والرغاية، إضافة إلى عدة معامل ومحلات لمواد البناء، وكذا المفرغات العشوائية.
 لهذا فإن دور البحيرة في تنظيف الجو كبير، ما يعني أنه من الضروري الاعتناء بها حتى لا يختل التوازن البيئي في هذه المنطقة الإستراتيجية، التي تعرف توافد  عدد كبير من المواطنين من مختلف أرجاء الوطن. هي  همزة وصل وتقاطع مجالات النقل، الصناعة، التجارة وغيرها.
من هذا المنطلق قامت محافظة الغابات لولاية الجزائر بتنظيم يوم تحسيسي توعوي لكل شرائح المجتمع تزامنا مع الإحتفائية باليوم العالمي للمناطق الرطبة، داعية إلى ضرورة الاعتناء بها لأنّها مهمّة في إعطاء توازن بيئي في ظل الأجندة الدولية من أجل التقليل من ظاهرة التلوث التي نتج عنها مشكل كبير، وهو الاحتباس الحراري الذي انعكس بشكل سلبي على الغلاف الجوي، قلة الأمطار وتذبذبها وارتفاع درجات الحرارة في غير موسمها.
انطلاقا من هذا المعطى، قام القائمون على هذه المحميات بحملات التعبئة للتعريف به، والتحسيس بجدوى المشاركة في الحفاظ على نظافتها وغرس ثقافة بيئية لدى الزوار والمواطنين كفيلة بمحاربة ظاهرة التلوث من خلال احترام الساحات الخضراء، تربية النشء الصاعد على ثقافة النظافة وعدم رمي الأوساخ أو ترك الفضلات في الأماكن التنزه حتى تبقى صالحة للتردد عليها.
 أكّد محافظ الغابات لولاية الجزائر السيد نور الدين بعزيز خلال تصريح حصري لـ “الشعب”، أنّ تحسيس الكبار  والصغار من أجل احترام الأماكن الخضراء أمر دائم، ولا يتوقف عند الحملات المناسباتية طالما أن البحيرة مفتوحة للزوار على مدار العام. وأضاف بعزيز: “اليوم التّحسيسي الذي قمنا به مؤخّرا في بحيرة الرغاية المدرج ضمن مخطّط اتصالي جواري، ضروري جدا من أجل الحفاظ على مثل هذه المناطق بالنظر إلى الدور الكبير الذي تلعبه في التوازن البيئي، هذه العملية تدخل في حد ذاتها في إطار برنامج إدارة الغابات للعاصمة الذي انطلق شهر أكتوبر من السنة الماضية مع كل من حديقة التسلية لبن عكنون، الحامة، الجمعيات، الكشافة والمؤسّسات الفاعلة في هذا المجال”.
وواصل بعزيز: “نقوم بحملات أسبوعية من خلال التنقل إلى مواقع غابية عديدة على مستوى الولاية، ونستمر في ذلك إلى غاية نهاية شهر مارس القادم بحول الله”.
عن الأهداف المسطرة من هذا البرنامج، قال بعزيز في هذا المجال: “الهدف الأول والمباشر من هذه النشاطات التي نقوم بها على مستوى محافظة الغابات هو التربية البيئية، لأنها هامة جدا من أجل حماية الغابات والمساحات الطبيعية المفتوحة للمواطنين، الذين يتوافدون على هذه المناطق، وهناك من يقطنون بها بصفة دائمة. ولهذا نحن نقوم بتحسيسهم من أجل الكفّ عن بعض التصرفات غير اللائقة تجاه الطبيعة التي أصبحت مهدّدة بسبب التدهور الذي سجّلناه من خلال قلة الأشجار، تلف بعض النباتات والتلوث الناتج عن رمي الأوساخ بشكل عشوائي، وترك الفضلات ومخلفات دون إزاحتها، ولهذا نحن نقوم بتوعية المواطنين على تفادي مثل هذه الأمور السلبية، والتي لا تخدم الغابات والزوار لأنه عندما يأتون ولا يجدون النظافة لن يعودوا من جديد، ولهذا علينا التفكير على المدى البعيد حتى تكون لدينا بيئة نقية وجذّابة”.

 التّحسيس ضروري للحفاظ على المساحات الخضراء
 ولهذا فإنّ عملية التّحسيس عن طريق مشاركة المجتمع المدني ضرورية حسب بعزيز، الذي يكشف عن رؤية بعيدة الأمد مقيمة حملات التعبئة والتوعية: “نحن الآن نقوم بعملية التحسيس بطريقة فعالة بمشاركة المجتمع المدني، وكل الهيئات الفعالة على مستوى المحيط من أجل إنقاذ الأماكن الخضراء من الخطر الذي يهددها بالزوال، وهذا ما يعني أنه سيكون خلل بيئي في المستقبل”.
عن مكانة محمية الرغاية في هذا العمل الجواري، يوضّح بعزيز: “محمية الرغاية الطبيعية من بين الأماكن الرطبة التي نسعى إلى ترقيتها أكثر، وإعادة تأهيلها وفقا للبرنامج الذي قمنا بتسطيره على مستوى الإدارة..ومن جملة النّقاط الموجودة في البرنامج، عملية للتحسيس بالنسبة للكبار والتربية للصغار حتى يكونوا أفضل خلف في حماية البيئة التي يعيش فيها من خلال القيام بسلوكات إيجابية وحضارية لا تضر الأماكن الخضراء والمحيط حتى يتعود على ذلك، ويصبح يقوم بها بشكل تلقائي في الأماكن المفتوحة على غرار غابة بوشاوي التي تعرف توافد عدد كبير من الزوار من مختلف الفئات، عكس ما هو عليه الحال مع بحيرة الرغاية التي نفتحها فقط أمام الجمعيات وأناس معنيين والمؤسسات التربوية والجامعات والرياضيين”.

113 موقع غابي بالعاصمة
وحسب محافظ الغابات، فإنّ غلق بحيرة الرغاية ضرورة حتمية لحماية المنطقة المقصد الترفيهي والسياحي للعائلات والمواطنين بصفة عامة، “المحمية الطبيعية للرغاية مهمة جدا، ولهذا لا نستطيع فتحها أمام عامة الناس باستثناء الأشخاص المهيكلين فقط. إنه مكان يحتوي على عدد كبير من الطيور المهاجرة التي تأتي من أوروبا وكل أرجاء العالم من أجل القيام بعملية التكاثر، وليست كالمناطق الأخرى على غرار الصابلات، بوشاوي بن عكنون، لا نستطيع فتحها بسبب سلوكات المواطنين التي قد تتسبّب في مغادرة هذه الطيور. ولكن هناك غابات أخرى يصل عددها إلى 113 موقع غابي على مستوى العاصمة، من بينهم 25 موقعا مهيأ لاستقبال المواطنين، من بينهم من هم في إطار طريق التهيئة والمساحات الخضراء على مستوى العاصمة موجودة بكثرة، والمشكل يكمن في تصرفات المواطنين، ولهذا نحن نعمل على تهيئتها من هذا الجانب حتى نقوم بتنظيف القمامات وبقايا النفايات”.
توقّف محافظ الغابات كأنّه يريد تذكر شيء نساه وواصل كلامه: “علينا أن نحسّس الزوار على تفادي هذه السلوكات، هناك أكثر من 10 آلاف زائر لغابة بوشاوي، 7 آلاف بغابة باينام وبن عكنون التي استرجعت حيويتها. تزايد الزوار شيء جميل، لكن يحمل معه خطر تلوث المحيط والبيئة، ويفرض علينا مزيدا من توجيه النداءات بضرورة حماية المكان ونظافته، وعدم تركه عرضة للاهمال والتسيب”.

مدير المحمية الطّبيعية للرغاية  التّصنيف مشكل مطروح منذ 2004

من جهته، تطرق مدير محمية الرغاية الطبيعية “عبا رمزي”، إلى مشكل تصنيفها لأنها عبارة عن مركز صيد فقط إلى حد الآن، وطالب المعنيين بالتصرف، “المشكل الموجود حاليا هو عدم تصنيف المحمية الطبيعية، وهي عبارة عن مركز صيد للرغاية فقط، والإشكال رغم أننا قدّمنا الملف الإداري من أجل تسيير هذه البحيرة منذ سنة 2004 وبه كل الأمور اللازمة، ولكن لم نتحصل على أي رد من طرف المعنيين..ونحن حاليا ننتظر الرد الرسمي حتى نبدأ في عملنا بصفة عادية لأنّنا لدينا الإمكانيات التي تسمح لنا بذلك من الناحية البشرية لأن عدد العمال يصل إلى 50 عاملا في الإدارة، الأعوان والتقنيين”.  

الجمعيات والأطفال والمجتمع المدني استحسنوا المكان
أما ممثلو الجمعيات الرياضية والكشافة الإسلامية التي وجدناها في بحيرة الرغاية، فقد أكّدوا لـ “الشعب” أنهم يجدون راحة كبيرة عندما يأتون إلى المحمية الطبيعية على غرار فريق الدار البيضاء لكرة السلة إناث، حيث قال لنا رئيسها رشيد ياموني: “البحيرة مكان رائع، به كل الظروف المناسبة من أجل الراحة واسترجاع الأنفاس، ولهذا نحن نتوافد عليه بصفة دورية حتى نخرج الفتيات من ضجيج المدينة وحتى يجمعن طاقتهن من جديد بعد أسبوع شاق من الدراسة والتدريبات، إضافة إلى أنها منفذ مناسب لتفادي الوقوع في شبح الآفات الاجتماعية”.
وطالب ياموني من الزوار والمسؤولين “اعتناءً أكبر بهذا المكان الذي يحتوي على مناظر جميلة ومساحات للعب الأطفال وفرصة ليتعرفوا على بعض أنواع الطيور التي تأتي من مناطق أخرى أو موجودة هنا”.
 من جهتهم، عبّر الأطفال الذين اقتربت منهم “الشعب” عن سعادتهم الكبيرة لمجيئهم إلى بحيرة الرغاية، داعين  الى ضرورة احترام البيئة وعدم رمي الأوساخ في الأماكن العامة حتى ينعم كل زائر لها بالعيش في نظافة ومحيط مناسب.
 نفس التوجيهات أطلقها الأولياء الذين التقيناهم، مطالبين بفتح البحيرة للزوار للاستمتاع بجمالها وسحر مناظرها وهدوء مكانها.
للإشارة، فإنّ بحيرة الرغاية تعاني من مشكل التلوث الموجود في المياه داخل الحوض المصنف من طرف منظمة المناطق الرطبة، وهذا ما يؤدي إلى انبعاث روائح كريهة من حين لآخر، ما يجب على المعنيين التدخل السريع من أجل تنقية الوسط حتى يبقى وجهة جميلة للانسان الهارب من ضجيج المدينة وضغطها، وللطيور المهاجرة التي تأتي على مدرا السنة.
 والحفاظ على نظافة البحيرة يعني حماية الكائنات التي تعيش فيها بصفة دائمة، لأنّها موروث طبيعي جذّاب وبإمكانه أن يساهم في تنمية السياحة الوطنية، ويعود بالفائدة من الناحية الاقتصادية مثلما هو عليه الحال مع عدة مناطق أخرى تنتظر الالتفاتة اليوم وليس غدا.        

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024