إجبارية تخصيص 2٪ من الأرباح السنوية لتكوين الصحافيين

التكوين الحلقة المغيّبة لدى الكثير من العناوين الإعلامية

استطلاع: حكيم بوغرارة

شهادات حيّة عن أهمية الدورات التدريبية في تكريس الاحترافية تنقلها «الشعب»

يعتبر التكوين الحلقة المفقودة في الكثير من المؤسسات الإعلامية، أثناء  قيامنا بهذا الاستطلاع تبين لنا أن بعض الإعلاميين لم يستفيدوا قط من دورات تكوينية في حياتهم المهنية، وهو ما يؤكد مسؤولية بعض أرباب الصحافة الذين يتّضح أنهم لا يولون اهتماما كبيرا بالمورد البشري في المؤسسات الإعلامية.
عبّر لنا بعض المحظوظين عن استفادتهم من دورة تكوينية واحدة، وأجمع الكثير منهم أن الاحترافية المنشودة تبقى صعبة في ظل الذهنيات التي تحكم مؤسسات إعلامية، يبقى فيها السعي وراء الإشهار أولوية في ظل تحولات لا ترحم.
كما أن دعوات وزارة الاتصال بضرورة تكوين الصحافيين لم تجد الآذان الصاغية لتمكين رجال مهنة المتاعب من دورات تسمح لهم بتجديد أساليب الكتابة والتطرّق لمختلف المواضيع في ظل تحولات إقليمية وعالمية جعلت من الإعلام سلاحا أخطر من النووي.

لم يخف الإعلاميون الذين استفادوا من دورات تكوينية تأثيرها الإيجابي على أدائهم المهني، خاصة من خلال الاحتكاك بتجارب نظرائهم من دول ومؤسسات إعلامية ذات صيت عالمي، وهو ما مكّنهم من ولوج عالم الاحترافية. وطالبوا بالمقابل، أرباب الصحافة، الاهتمام بالمورد البشري في المؤسسات الإعلامية والشروع في إرساء تقاليد للتكوين تمشيا مع التحولات الإقليمية العالمية.
ورغم عائدات الإشهار القياسية للكثير من المؤسسات الإعلامية، إلا أنها ترفض تخصيص 2٪ منها لتطوير قدرات الصحافيين، مكتفية ببعض المبادرات فقط تقوم بها وزارة الاتصال أو مؤسسات وهيئات رسمية أو جمعيات أو مؤسسات أجنبية. وهي صورة تؤكد الوضع الصعب للمؤسسات الإعلامية، خاصة الإعلاميين الذين يوظفون وفقا لأهواء البعض ويفرضون أنماطا غير بريئة حتى باتت الاحترافية لدى البعض عدوّا حقيقيا قد يكشف عيوبهم وأساليبهم التضليلية.

التكوين لاكتشاف المواصفات العالمية

كشف الإعلامي طه بليدي، أنه استفاد من دورة تكوينية كرئيس تحرير حصص خاصة في قناة تلفزيونية خاصة، قائلا في هذا المجال: «الدورة مكّنتني من تقييم أدائي على المستوى الشخصي بالدرجة الأولى، أكسبتني تقنيات جديدة تستجيب للمقاييس الدولية المعمول بها، بالقدر الذي يسمح لي بتوظيف تلك القدرات وإسقاطها على الحالة الجزائرية. تمكنت من تطبيق جزء من التجربة المكتسبة بسبب عدم الاستقرار في القناة، لكن بالرغم من ذلك تبقى دورة مهمة وثرية زادت في مداركي المهنية ولن أتردد في خوض تجارب مشابهة حالما تسمح لي الفرصة».

المراسلون الحلقة الغائبة

من جهته أكد مراسل «الشروق» من باتنة الطاهر حليسي، عدم استفادته من أيّ تكوين، قائلا في تصريح لـ «الشعب»: «التكوين الوحيد المقرر لي خلال شهر مارس المقبل، بطبيعة الحال أرغب في ذلك وكنت أطالب به في كل الاجتماعات الدورية في الجريدة».
وأشار حليسي بالمقابل، «...أن المراسلين منسيون، رغم أنهم العمود الفقري للمؤسسة الإعلامية». وتساءل في سياق متصل، «لماذا تهمل الجرائد التكوين، رغم أن نسبة 2٪ من عائدات الإشهار مفترض أن ترصد لدورات التدريب والتكوين. هذه مشكلة تعاني منها أغلب المؤسسات الإعلامية».
يذكر، أن وزارة الاتصال قد نشطت عديد الدورات التكوينية للصحافيين والمراسلين بقسنطينة، وهران وعنابة، مؤخرا، دورات كانت فيها الدعوة مفتوحة للجميع وهو ما يجب أن يهتم به الصحافي والمراسل للاستفادة من كل ما هو جديد في عالم الإعلام والاتصال.

استفدت من التجربة الفرنسية

صرح رمضان جعفري، من إذاعة أدرار، أنه استفاد من دورة تكوينية حول تأثير التكنولوجيات الحديثه في البيئة الصحراوية، بمشاركه صحافيين من دول حوض المتوسط وبإشراف خبراء من إذاعة فرنسا الدولية، كان ذلك سنه 2009 بمدينه تاغيت.
وقال جعفري لـ «الشعب»: «...في الحقيقة استفدت
كثيرا من هذه الدورة، اكتسبت عديد التجارب من خلال احتكاكي بصحافيين من المشرق والمغرب العربي ومن شرق أوروبا وغربها... كنت محظوظا جدّا لأنّني اكتسبت تقنيات العمل الإذاعي ومن مختلف المدارس الإعلامية، باعتبار التأطير الفرنسي له تجربة مهمة».

إكتشاف تجارب الآخرين قيمة مضافة...

من جهته ذكر لنا عادل زكري، صحافي بيومية «الخبر»، حول التكوين قائلا، «استفدت من دورة تكوينية واحدة سنة 2005 بمدينة الدار البيضاء المغربية، نظمها الاتحاد العربي للصحافة الرياضية، كنت حينها أعمل صاحفيا في الصحيفة الرياضية» «كورة».
الدورة التي استمرت ثلاثة أيام، أشرف عليها خبراء في مجال الإعلام وصحافيون متخصصون في الرياضة، تطرقت لواقع الصحافة الرياضية في البلدان العربية والعراقيل التي تعترض الصحافي أثناء تأدية مهامه.
وأضاف زكري: «تم أيضا خلال الدورة إطلاعنا على أهم المستجدات الحاصلة في مجال الصحافة الرياضة وكيفية إنجاز مختلف الأعمال الصحفية في المجال الرياضي.
في نهاية التربص، تحصّلنا على شهادات، كما قمنا بزيارة بعض المؤسسات الإعلامية في المغرب وكان هناك احتكاك مع الإعلاميين العرب خلال الدورة وتبادلنا الخبرات والمعارف».

التكوين جسر حتمي للاحترافية

تحدث الصحافي عزيز طواهر، من يومية «صوت الأحرار»، عن دور التكوين في ترقية الصحافي نحو الاحترافية قائلا: «استفدت من عدة دورات تكوينية، لكنها لم تكن نابعة في مجملها عن وزارة الاتصال... دورتان كانتا من تنظيم السفارة الفرنسية حول الروبورتاج، التحقيق والحوار. ودورة من تنظيم المجلس الشعبي الوطني، أثناء رئاسته من عبد العزيز زياري، لمدة 3 أشهر بمعدل مرتين في الأسبوع، حول تغطية النشاط البرلماني. والباقي كانت دورات في اللغات، اقترحتها شخصيا على مدير الجريدة وأعطاني الموافقة في الإنجليزية والفرنسية. وباقي التكوين، وعادة لا تعتمد على يوم واحد، من تنظيم جمعيات حقوقية جزائرية أو أجنبية مثل «فريدريك آيبرت»، سابقا».
وواصل طواهر مقيّما الانعكاسات، قائلا: «ساهمت
الدورات في تطوير أدائي الصحفي إلى حد كبير، وهذا أمر لا يمكن أن أنكره وأتمنّى أن أعيش تجارب مماثلة، لأن الصحافي يبقى دائما بحاجة إلى رسكلة والاحترافية هي ضالته أينما وجدها فهو أولى بها».

عدم التكوين يساوي... أخطاء كارثية

من جانبه أشار الإعلامي عزوز بلعمري، إلى أن الدورات التكوينية مهمّة جدا في مهنة الصحافة، قائلا: «...نحن بحاجة إلى تنمية قدراتنا ومهاراتنا للتحكم في مهنتنا أكثر، خاصة وأن الصحافة تتطور يوما بعد آخر في ظل التكنولوجيا الحديثة».
وقال بلعمري في سياق متصل، «...بالنظر إلى أن قطاع الإعلام في الجزائر يفتقد إلى التكوين، سواء من المعهد أو من المؤسسات الإعلامية الكثيرة، مما أثر سلبا على المهنة نتيجة الأخطاء الفادحة التي يقوم بها الزملاء أو من ناحية النوعية والمستوى الراقي، فأعتقد أنه من الضروري أن يستفيد الصحافي من دورات تكوينية متعددة ومتكررة في عديد المجالات، على غرار التحكم في وسائل الإعلام والاتصال وأجهزة التكنولوجيات الحديثة التي تساعد على التحكم في المهنة والتدرب على مهارات وفنيات الكتابة الصحفية».
وقال بلعمري، مقيّما تجربته: «أجريت بعض الدورات التكوينية، ورغم قلتها أكسبتني الكثير من المعارف والخبرات، ساعدتني على تطوير أدائي مقارنة بما كنت عليه من قبل، نتيحه الاحتكاك بإعلاميين آخرين من مختلف المؤسسات الكبيرة والمؤثرة المنتشرة عبر العالم العربي. وعندما أقارن نفسي مع زملاء المهنة الذين لم ينخرطوا في أيّ من الدورات التكوينية داخل أو خارج الوطن، ألاحظ أنني أنجز مهامي بسهولة ودقة بعيدا عن الأخطاء المهنية التي يرتكبها الكثير من الصحافيين الذين يحتاجون فعلا إلى تكوين عاجل».

نظرة قاصرة للتكوين؟؟؟

صرح الصحافي رضا شنوف، من «تلفزيون الشروق»، بأن أرباب الصحافة مطالبون الاهتمام بالتكوين وهذا للرقي بالعمل المهني. موضحا بشأن تجربته في هذا المجال: «...لقد استفدت شخصيا من عدة دورات تكوينية، بعضها متخصص كالكتابة في الصحافة المكتوبة وتقنيات إنجاز الروبورتاج وإجراء التحقيقات، وكذلك تكوين في السمعي بصري، خاصة فيما يتعلق بالكتابة للصورة وكتابة الروبورتاجات الصحفية، إلى جانب دورات تكوينية خاصة بتعامل الصحافي في مناطق النزاعات».
استفادة الصحافي من دورات تكوينية مفيد جدا، سواء من حيث الجانب المهني للصحافي واستفادته من الخبرات التي يكتسبها خلال الدورة التكوينية، سواء أكان ذلك نظريا أو تطبيقيا. كما أن هذه التربّصات مفيدة جدا من الجانبين المعنوي والنفسي للصحافي، حيث أنها تعيده إلى مقاعد الدراسة، تجدد طاقاته، يحيّـن بها معلوماته، كما تمنحه جرعة أوكسجين يجدد طاقاته حينما يعود إلى مكتبه.
للأسف، جانب التكوين مهمل من طرف المؤسسات الإعلامية في الجزائر، وتجد صحافيين لم يستفيدوا من أيّ تكوين أو دورات تدريبية خلال مشوارهم المهني، مع أن كبريات المؤسسات الإعلامية في العالم وأكبر الصحافيين يخضعون لدورات تدريبية، أو دورات تجديد المعارف والتعرف على مستجدات العمل الصحفي وتقنياته في العالم.
الصحافيون في الجزائر ضحية تكوين أكاديمي ضعيف، وسوء استغلال لطاقاتهم خلال مسارهم المهني.

المادتان 128 و129 من قانون الإعلام 12-05
تنص المادتان 128 و129 من قانون الإعلام 12 - 05 صراحة، على ضرورة تكوين الصحافيين واعتباره حقا للجميع، حيث تحدثت المادة 128 عن مساهمة الدولة في ترقية مستوى الصحافيين من خلال التكوين. وأكدت المادة 129 على ضرورة تخصيص 2٪ من الأرباح السنوية لتكوين الصحافيين وهي مادة صريحة، يجب أن يلتزم بها أرباب الصحافة الذين يرفضون تخصيص جزء من الأرباح التي تحصل على حساب صحة الصحافيين لترقية أدائهم.
إن ما يحدث في مختلف وسائل الإعلام، وانتشار السب والشتم والقذف ونشر الشائعات، مردّه في الكثير من الأحيان المتحكمين في زمام الإعلام الذي يرغبون في بقاء الصحافي بعيدا عن الاحترافية ربما حتى لا يطالبهم يوما بالدخول كمساهم في الصحيفة.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024