الخبير أحمـد سواهلية لـ «الشعـــب»:

لا يمكـن بناء خطة إنعـاش بتجاهـل الواقـع

حاورته: زهراء. ب

 بنـاء اقتصـاد جديـد مرهـون باستحضــار الواقـــع والفرص المتاحـة

يرى الخبير الاقتصادي أحمد سواهلية، أنه لا يمكن بناء خطة إنعاش جديدة لا تأخذ في الحسبان الواقع الاقتصاد الجزائري. وأوضح في حوار لـ «الشعب»، أن الجميع يمكن أن يشارك في بناء نموذج اقتصادي جديد يفتح فرص الاستثمار، معتبرا الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة، كاعتماد الصيرفة الإسلامية، حافزا لجلب الكتلة النقدية الموجودة خارج البنوك.

«الشعب»: ينعقد اجتماع الثلاثية في ظرف خاص تميزه أزمة صحية واقتصادية وفي ظل الحديث عن مخطط إنعاش اقتصادي، ما هي الملفات التي يجب أن تحظى بالأولوية؟
الخبير أحمد سواهلية: تسعى السلطات جاهدة لبناء اقتصاد وطني قوي متنوع، يرتكز على قطاعات متعددة وليس على قطاع واحد، بلغت فيه نسبة الصادرات أكثر من 92 بالمائة، بحسب التقرير الأخير للديوان الوطني للإحصائيات، مبرزة نيتها وإرادتها الفعالة والجادة في تنويع الاقتصاد من خلال مختلف الاجتماعات والقرارات ذات الأهمية.
واستحضرت في ذلك واقع وحال الاقتصاد الجزائري، المتمثل في مجموع التهديدات المحتملة مقابل الفرص والمميزات المتاحة. هذه التهديدات تتمثل أساسا في العجز الدائم لميزان المدفوعات وخاصة عجز الميزان التجاري، واعتماد الاقتصاد على قطاع المحروقات، إضافة إلى عجز موازنة الدولة رغم تخفيض النفقات العمومية والاعتماد على سعر مرجعي تم تخفيضه إلى 30 دولارا للبرميل، وهو قرار شجاع، إضافة إلى الاستيراد المفرط لكثير من السلع الذي حطم المؤسسات الموجودة.
كما بلغ التهرب الضريبي مبالغ كبيرة جدا ومنظومة مصرفية ثقيلة وتقليدية لم ترقَ لدعم المؤسسات، زد على ذلك تغول السوق السوداء للسلع والصرف والكتلة النقدية خارج الدورة والذي أيضا بلغت أرقاما كبيرة جدا ومقلقة. يضاف إلى هذه التهديدات، عامل الوضع الصحي العالي الصعب والذي عطل المؤسسات الاقتصادية عن نشاطها، خاصة الخدماتية منها، كما أثر على أسعار النفط والذي استدركته السلطات الجزائرية بتخفيض السعر المرجعي.
يقابل هذه التهديدات الموجودة أو المتوقعة، مجموعة الفرص والمزايا الخاصة بالجزائر، كالموقع الاستراتيجي المهم وكذا المساحة الواسعة للبلاد ومقدرات فلاحية متنوعة مناخية وموسمية، إضافة إلى طاقات متجددة للشمس والرياح والمناجم المتعددة كالذهب والفولاذ والحديد ومختلف المعادن الثمينة، وطاقات بشرية يمثل الشباب منها نسبة كبيرة تفوق وتميز كثيرا منها في المجال العلمي والتكنولوجي، مما يسهم في انتقال اقتصادي للمعرفة تستعمل فيه التكنولوجيات الحديثة الذي يوفر الوقت والجهد والكلفة، كالتجارة الإلكترونية والدفع الإلكتروني وغيرهما.
من جهة أخرى، الفئة العمالية الممثلة في النقابات مدعوة لدراسة الوضع الاقتصادي والاجتماعي في ظل استمرار انتشار الوباء، ودراسة وتقييم التدابير الوقائية التي اتخذت في شأن الوباء، خاصة أن تأثير هذه التدابير أثر كثيرا على المؤسسات الاقتصادية وتوقفت بعض منها وشهدت تسريحا للعمال رغم إعادة فتحها ثم غلقها مجددا.
وعليه، يجب على الشركاء دراسة خلال هذا الاجتماع آليات مساعدة المؤسسات المتضررة خلافا لما اتخذته الحكومة سابقا من إجراءات، ويجب إشراك النقابات كلها خاصة النقابات ذات التمثيل الوطني الفاعلة كالتعليم العالي والتربية وغيرها وعدم الاكتفاء بالمركزية النقابية التي ركنت للنظام السابق ولم تنجح في إيصال انشغالات العمال، على الرغم من أنها متمثلة في كل القطاعات ليتم دراسة انشغالات الطبقة الشغيلة، كالأجور والقدرة الشرائية وواقع الموظف والاهتمام بطلباته، ويشترك الجميع في بناء نموذج اقتصادي جديد وفتح فرص الاستثمار وتقديم الامتيازات لاستقطاب رؤوس الأموال الوطنية وتشغيلها في القطاعات البديلة، كالفلاحة والصناعات المتوسطة والصغيرة والسياحة والمصارف.
بناء رؤية اقتصادية واضحة المعالم، هل تعني الاستغناء عن قطاع المحروقات؟
لا يمكن تصور وبناء خطة لا تأخذ في الحسبان واقع الاقتصاد الجزائري، المتمثل في المحاذير المحتملة والفرص والمميزات المتاحة، ومنه بناء رؤية اقتصادية واضحة المعالم تعتمد أساسا على تثمين واستغلال أمثل للقدرات الطبيعية والبشرية بهدف بناء اقتصاد متنوع المشارب. لكن هذا لا يعني الاستغناء عن قطاع المحروقات الذي يعد سلعة واسعة الاستعمال، سواء للأفراد أو المؤسسات الاقتصادية أو الدولة عموما، مهما كانت الظروف، بل يجب التوسع في إنتاجه وخلق استثمارات أكثر والاتجاه نحو إنتاج النفط الصافي والقضاء على الاستيراد فيه، إضافة إلى التوسع في إنتاج الغاز بكل أنواعه خاصة المكثف الذي تعتبر أسعاره مغرية جدا وتكلفته قليلة.
كما يفرض الظرف الاهتمام بالصناعات البتروكيميائية، لكن بالمقابل دفع الاستثمارات نحو القطاعات الأخرى التي تمتاز بها الجزائر.
وماهي هذه القطاعات؟
الفلاحة مثلا، فهي المحرك الأساسي للاقتصاد، باعتبارها أمنا غذائيا مهما، لذلك يجب أن يحظى هذا القطاع بأهمية بالغة لأنه يغطي جل احتياجات الساكنة وهو الغذاء ويقدم للاحتياجات الأخرى الكمية المعتبرة من المادة الأولية كالصناعات النسيجية والغذائية والمصبرات من خلال المنتوجات الفلاحية المتعددة، كما يساهم أيضا في تلبية احتياجات الدواء.
لكن الوضعية الحالية لقطاع الفلاحة ليست في مستوى ما تمتلكه الجزائر من مقومات زراعية وحيوانية وغابية ومن المساحات الواسعة بكل أنواعها كالصحراوية والسهلية والسهبية. وأياً كانت أسباب تأخره عن الإقلاع الحقيقي ولعب دوره الأساسي في الاقتصاد، سواء تعلق الأمر بمرحلة التنمية المخططة غير المتوازنة، التي أعطت الاولويات لقطاعات أخرى كقطاع المحروقات، او نتيجة التغييرات الهيكلية العديدة التي عرفها القطاع الفلاحي والمشاكل التي عانى منها، فإن النتيجة هي التبعية الغذائية في وقت أصبح فيه الغذاء سلاحا كبيرا ووسيلة تستعمل لإخضاع الشعوب والأمم.
لذلك وجب على السلطات العليا إعطاء الأهمية البالغة لهذا القطاع وتشخيص معوقاته وعقباته التي يعاني منها، ثم وضع استراتيجيات تنموية فعلية كفيلة بإزالة أو الحد من هذه العقبات بغية جعل هذا القطاع الاستراتيجي يلعب دوره الأساسي في الحد من التبعية الغذائية وتحقيق الأمن الغذائي في المرحلة الأولى، ثم المرحلة الثانية لعب دور تنويع الصادرات خارج المحروقات، لما له من فعالية كبرى في عملية التنمية وتشكيل مجال واسع لتشغيل اليد العاملة وامتصاص البطالة، خاصة في المناطق الريفية، لذلك فإن كثيرا من البحوث لاتزال تتطور قصد الوصول به إلى مسايرة التحديات الاقتصادية الحديثه.
ماهي الإجراءات الاستعجالية الواجب اتخاذها لضمان ديمومة إنتاج المؤسسات الصناعية والحفاظ على أجور العمال؟
القطاع الصناعي يجب أن يساهم هو الآخر في الإنتاج الاقتصادي الوطني وتطوير أدائه، لذلك قامت الحكومة بتحضير مخطط إقلاع اقتصادي ذي جدوى اقتصادية وبدراسة استشرافية وليس ظرفية، تهدف لتعزيز النمو الاقتصادي والإسهام في تنمية الناتج الداخلي الخام، بتوفير الاحتياجات الداخلية من السلع والخدمات في مرحلة أولى، يتم فيها استغلال القدرات المحلية من الطاقات الطبيعية والبشرية، ثم في مرحلة ثانية الاستعداد لتحضير منتوجات صناعية ذات ميزة تنافسية عالمية، يتم فيها الإسهام وبشكل فعال في التصدير والتنافس مع قطاع المحروقات.
هذا يجب أن يمر عبر مراحل مهمة، كالتعريف بالفروع الصناعية ذات النمو العالي وتحليل القدرة التنافسية، تحديد نقاط القوة والضعف للصناعات الجزائرية وتذليل الصعوبات التي قد تواجهها بتوفير المناخ اللازم، سواء للاستثمار المحلي أو الأجنبي وإنشاء صناديق لتمويل الصناعة، مع تسهيل إجراءات إسهام رجال الأعمال برؤوس أموالهم لتدعيم هذه الاستثمارات، إضافة إلى تقييم الموارد المحلية والصناعات الموجودة وإحيائها كالصناعات البتروكيميائية والحديد والمعادن ومواد البناء والنسيج والكهربائية والإلكترونية والصناعات الصيدلانية والغذائية، وإطلاق صناعات جديدة كصناعة الاتصالات والسيارة في مرحلة أخرى، مع الاهتمام بالعامل البشري وعدم الاكتفاء به فقط كعامل إنتاج، بل يجب تطوير وتنمية مهاراته والعمل على تكوينه بعقد اتفاقيات مع الجامعات ومنحه شهادات عليا جامعية مهنية تسمح له بالابتكار والمعرفة.
كل هذه الصناعات يجب أيضا حمايتها من الاستيراد المفرط، كما يجب على الفرد التحلي بثقافة أولوية المنتوج المحلي واقتنائه وعدم التفاخر بالمنتوجات الأجنبية التي يمكن للجزائري أن يبدع فيها. كما أنه مطلوب من السلطات البحث عن أسواق خارجية للمنتوجات الموجهة للتصدير ومنحها امتيازات جبائية لتلعب الدور المهم في تنويع الصادرات.
ويوفر قانون الاستثمار المناخ الملائم لجلب الاستثمارات المحلية والأجنبية، فضلا عن أنه يعالج العوائق المختلفة، كالعقار وتحويل الأرباح والضرائب والجمركة. كما تعد المنظومة المصرفية عاملا مهما لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومرافقتها وتوجيهها نحو نشاطات الإنتاج وخلق التوازن مع قطاع الخدمات رغم أهميته، خاصة فيما تعلق بالتسويق والجمركة والتخزين، إذ تعد هذه الخدمات مهمة جدا، لكن وجب التوسط بين الإنتاج والخدمات وبناء شبكة مؤسسات اقتصادية متكاملة تعمل في كل المجالات وتسهيل نشاطها وتحفيزها وحمايتها من الاستيراد والمنتوج الأجنبي ومنحها الطلبات العمومية، من خلال الصفقات العمومية بالتساوي، حسب النشاط والصنف والجدية، مقابل التزاماتها بتوفير مناصب الشغل وإسهامها في تنشيط الدورة الاقتصادية والالتزام بدفع الضرائب والاشتراكات المختلفة وإمكانية مساعدتها في تسويق منتوجها والبحث لها عن أسواق أجنبية تسهم من خلالها في الصادرات خارج قطاع المحروقات، كما يجب الرقابة الصارمة عليها مع تحفيز المؤسسات الفعلية في نشاطها.
هل طرح منتجات الصيرفة الإسلامية كفيل باستقطاب الأموال الموجودة في السوق الموازية، أم الأمر يحتاج إلى إعادة النظر في نظام القروض ككل؟
يعد استقطاب الكتلة النقدية الموجودة خارج الدورة الاقتصادية من خلال اعتماد الصيرفة الإسلامية التي وجدت سبيلها أخيرا في التشريع الجزائري بعد سنوات عديدة من تردد السلطات، من بين أفضل الخيارات لجلب الاستثمارات المحلية والأجنبية. وقد يعود مقترح إمكانية فتح مصارف لرجال الأعمال وإسهام رؤوس أموالهم في دعم النشاط الاقتصادي أو من خلال مباشرة إنشاء مؤسسات اقتصادية إنتاجية وليست خدماتية فقط، تعنى بالنشاط في القطاعات البديلة، خاصة الفلاحية والصناعية، بالربح على رجال الأعمال وعلى الدولة معا، من خلال تخفيف عبء التمويل وعلى العائدات الجبائية، إضافة إلى خلق فرص للشغل وتوفير السلع والخدمات والحد من الاستيراد، خاصة مع تعهدات متجددة لرئيس الجمهورية كل مرة بحماية المنتوج المحلي وعدم استيراد منتوجات تصنع محليا وإمكانية إيجاد أسواق مهمة لتصدير هذه المنتوجات وإسهام المؤسسات الاقتصادية في حصة الواردات من العملة الصعبة.
لكن هذا الأمر يتطلب من السلطات دعم هذه المؤسسات بإزاحة العوائق التي تواجهها كالبيروقراطية الإدارية في الإنشاء ومراجعة طبيعتها التقليدية والانتقال بها إلى مؤسسات ذات أسهم تفتح مجال أسهمها لرجال الأموال وعوائق الاستثمار وإسهامها في الطلب العمومي وتوزيعه بالعدل عليها، من خلال قانون الصفقات العمومية وتوفير العقار اللازم الذي لايزال عقبة حقيقية أمامها وكذا مرافقتها في تسويق منتجاتها، سواء داخليا أو تصديرها، هذا كله قد يسهم في استقطاب هذه الكتلة المهمة خارج الدورة.
اتخذت الحكومة عدة إجراءات لحماية المؤسسات المنتجة، هل ترونها كافية لضمان استمرارية نشاطها أم بحاجة إلى تدابير جديدة؟
الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن وباء كورونا الذي طال أمده لأكثر من ستة أشهر، بادية للجميع، خاصة وأن العديد من القطاعات المنتجة والخدماتية، على غرار السياحة والنقل، توقفت نهائيا عن النشاط، ما تسبب في تسريح الكثير من العمال. وهو ما تطلب من الحكومة التعجيل بإجراءات بمفردها لصالح المؤسسات الاقتصادية، كتأجيل دفع القروض والاشتراكات والالتزامات والضرائب وتوقيف غرامات التأخير وغيرها.
لكن هذه الإجراءات لم ترقَ إلى حماية المؤسسات من الإفلاس وتسريح العمال، ما يفرض على الحكومة وشركائها، بعد الاستشارة، التسريع في إجراءات أخرى لإنقاذ المؤسسات النشطة من الإفلاس وتحفيزها على بعث النشاط الاقتصادي والحد من الركود الذي يعود بالسلب على الاقتصاد، سواء على مستوى إيرادات الدولة، من الجباية العادية، أو على مستوى العمالة التي تنهار يوما بعد يوم، حتى لا ينفجر الوضع الاجتماعي، خاصة بعد قيام بعض التجار برفع أسعار أغلب المواد، وذلك بدعم مباشر لهذه المؤسسات بقروض محفزة وتنشيط النظام المصرفي وإصلاحه ليواكب ويرافق هذه المؤسسات وفتح المجال أمام إنشاء مؤسسات اقتصادية إنتاجية في القطاعات الاقتصادية المهمة كالفلاحة والصناعات الصغيرة والمتوسطة، التحويلية والغذائية وتحقيقها في الميدان.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19464

العدد 19464

الثلاثاء 07 ماي 2024
العدد 19463

العدد 19463

الإثنين 06 ماي 2024
العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024