الكاتب والباحث أحسن تليلاني لـ «الشعب ويكاند»:

الجزائر تسكنني وشعبُنا يستحق منّا التّضحيات

حوار: الخير شوار

 يحاول الكاتب والباحث أحسن تليلاني ترسيخ مفهوم «المثقّف الوسيط» كما يسمّيه، من خلال طرحه لمختلف القضايا الاجتماعية والسياسية من منظور ثقافي، ومناقشته في بث مباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
في حوار مع «الشعب ويكاند»، يتحدّث تليلاني عن تجربته الجديدة التي تضاف إلى كثير من إصداراته في التأليف والترجمة والنقد الأدبي والمسرحي وبحوث أكاديمية، انطلاقا من تفاعله مع «الشأن الجاري» في الجزائر الذي يدفعه أحيانا إلى اليأس و»التفكير في الانتحار».

 الشعب ويكاند: لنبدأ من آخر ما نشرته في فيسبوك، «تخونني الشّجاعة، وإلا والله سأقدم على الانتحار مثلما فعل الشاعر الياباني ميشيما احتجاجا على خيباتنا في وطن الشّهداء»، هل هو اليأس من التغيير؟
الكاتب والباحث أحسن تليلاني: نعم، أحيانا كثيرة يصيبني اليأس والإحباط والقنوط، وهذا على الرغم من كوني من أكثر الكتّاب الجزائريّين تمسّكا بالأمل ودعوة للتفاؤل، لكنني بشر والواقع كثيرا ما يطحننا ويخيب رجاءنا، فلا أجد سوى التفكير فعلا في الانتحار، لكنه ليس انتحار الرجل اليائس، ولكنه انتحار الثائر المتمرّد الرّافض لتعاسة الواقع وبؤسه، فأقول في نفسي لعل بانتحاري أدفع الناس لمزيد من العمل والإصرار على التغيير الإيجابي، وهذا ما فعله الشاعر ميشيما الذي بانتحاره وجّه رسالة قوية لليابانيين مفادها التمسك بعظمة اليابان، والعمل على تكريس هذه العظمة في الواقع. وأنا كما تعرفني رجل مكافح عاشق للوطن، مثقّف عضوي منخرط بقوة في الشأن العام للمجتمع لا يمل ولا يكل، فالجزائر تسكنني فعلا وشعبنا يستحق منا كل التضحيات. هذا الشّعب علمنا وربّانا وأوصلنا إلى أعلى المراتب العلمية والاجتماعية، وواجب الوفاء يقتضي منّا أن نخدمه ونحبّه ونضحّي في سبيله، أنا من عائلة مجاهدة وتربّيت مع المجاهدين وتعرّفت على الكثير من الشخصيات التاريخية العظيمة مثل عبد الحميد مهري وسي عمار بن عودة ومحمد بوالريش وإبراهيم شيبوط، ناهيك عن المئات ممّا يسمى بالأسرة الثورية ومنهم رضعت حليب الوطنية الصافية. كما تعلّمت من كتب التاريخ ومطالعاتي الكثيرة أن الوطن هو كل ما نملك، وأن واجبي كمثقّف أن أكون في الصفوف الأولى للنضال بقلمي وبأفعالي، وإذا لزم الأمر أن أموت في سبيل وطني، فمرحبا فأنا لست أحسن من الشهداء والأبطال.

«الخيمة المرقسية» فضاء لمخاطبة العامّة بفيديوهات ثقافية مباشرة

-  بعيدا عن اليأس، تخوض تجربة جديدة تفتح من خلالها نقاشات ثقافية في شكل بث مباشر عبر صفحتك الفيسبوكية وتناقش قضايا ثقافية، هل هناك متّسع للنّقاشات الثّقافية من خلال وسائط كثيرا ما يغيب فيها صوت العقل؟
 تجربة البث المباشر عبر صفحتي على فايسبوك ويوتيوب انطلقت بعفوية تامّة، حيث غضبت لمرض أديبنا السعيد بوطاجين فقرّرت إنجاز بث مباشر للتعريف به باستعمال ما قاله لي في أول حوار صحفي له كنت قد أجريته معه لصالح مجلة «الوحدة «العام 1988، وقد تفاجأت بكثرة انتشار ذلك البث المباشر، ما جعلني أنجز موضوعا آخر حول الأدب الوجيز في تجربة بوطاجين، فتفاجأت ببعض الأدباء من تونس يتّصلون بي لدعوتي لحضور حفل تأسيس صالون الأدب الوجيز بمدينة سوسة التونسية، كما تفاجأت بطلبتي وزملائي في الجامعة يعبّرون عن إعجابهم بما ورد في ذلك الفيديو، وتلقّيت منهم تشجيعات كبيرة. هكذا وجدت نفسي في عمق تجربة البث المباشر مع مواضيع مختلفة مثل كاتب ياسين والأدب النسوي وغيرها، كشفت لي هذه المغامرة مدى حاجة الناس لما أسمّيه بالمثقف الوسيط، وهو المثقف الذي يبسّط المعرفة لعامة الناس وينشرها عبر الوسائط الإلكترونية العامة مثل الفايسبوك، الذي أصبح اليوم كأنه سوق عكاظ، واحتذاءً بالشاعر امرؤ القيس، نصبت أنا أيضا خيمة في سوق عكاظ الفايسبوك أسميتها الخيمة المرقسية ورحت أخاطب العامة بفيديوهات ثقافية مباشرة، ونظرا لما حقّقته تلك الفيديوهات من انتشار فأنا ماض في هذه التجربة وأشجّع زملائي الأدباء والمثقفين على خوضها لأنّ المجتمع في حاجة لنا، خاصة وأن المجال امتلأ بأصوات الجهلة والناشطين من مختلف المجالات، لذلك أتصوّر أن حضور صوت المثقّفين في مختلف الوسائط الإلكترونية أصبح ضروريا جدا خاصة في ظل نقص المقروئية وانتشار القنوات السمعية البصرية، وبالنسبة لي فالفايسبوك مجال إضافي آخر لعرض أفكاري، فأنا كلما نشرت فيديو إلا وأردفته بمقالة مكتوبة حول ما ورد فيه، ومادام هناك آذان تسمعني وتتفاعل معي، فإن تلك غايتي وهدفي.

أطمح للتّغيير بالتّعليم وبالكتابة وبالفعل الثّقافي وبالميديا

-  ألا يوجد تناقض بين إصرارك على نقل السّؤال الثّقافي إلى «السوشل ميديا» مع «فكرة الانتحار» تلك؟
لا يوجد أي تناقض، بالعكس فأنا أعمل وأجتهد وأطمح للتغيير بالتعليم وبالكتابة وبالفعل الثقافي وبالميديا، أحيانا كثيرة أمتلئ بالطموح وأحيانا يصيبني الغضب، وفي كل الأحوال فأنا رجل صادق يتعاطى الحياة بكل عفوية ودائما فكرة الموت تسكنني، فكل يوم أقول في نفسي غدا سأموت لذلك أسارع لارتداء أجمل لباس عندي مثلما أسعى لقول كلمتي أخيرة، حتى أنّ كل جملة أقولها أتصور أنها آخر ما انطق به، وكأنّي دائما أعيش في لحظة وداع مع الدنيا، وهذا ما يفسّر شجاعتي في الكتابة وفي العمل وفي اتّخاذ المواقف، وأصدقك القول أنّني أحب الناس كل الناس حتى أولئك الذين يظلمونني، فأنا أسامحهم وأعفيهم حتى من حرج الاعتذار، باختصار أنا رجل يقول كل يوم كلمته الأخيرة ويمضي بسلام.
أعرف أنّ لي أعداء كثيرين بل قل حسدة مبغضين تحرجهم نجاحاتي، ولكن الله يسمح لهم جميعا فموعدنا كلنا وقفة عادلة أما الرحمن الرحيم.

- أيّ دور لـ «المثقّف الوسيط» كما تسمّيه بين «المثقّف العضوي» و»المثقّف التّقليدي» وفق تصنيف أنطونيو غرامشي الشّهير؟
بصراحة أنا أكره التّصنيفات السيوسيولوجية، فبالنسبة لي الأمر بسيط جدا، وهو أنّني كمثقف لدي واجبات تجاه المجتمع والناس، بحيث أعلّمهم وأعمل على ترقيتهم فكريا وحضاريا، ولعلك تذكر أنّني منذ سنوات أسست جمعية الحداثة وأشرفت على مهرجان الربيع الثقافي لمدينة سيدي مزغيش الذي بلغ 10 عشر طبعات كاملة، كما أنّني ألقيت المحاضرات في مختلف التظاهرات الثقافية بكل المدن والقرى الجزائرية بما فيها السجون، وعملت في الصحافة وقدّمت برامج إذاعية ناجحة مثل برنامج توقيعات مع إذاعة قسنطينة وبرنامج المنتدى الثقافي مع إذاعة سكيكدة، كما أنّني مارست التعليم لأكثر من 30 ثلاثين سنة، وألّفت الكتب التي قاربت 20 كتابا في مختلف الأقاليم، إضافة إلى ما أنشره على صفحتي فايسبوك ويوتيوب، وغيرها من الأعمال في الشرق والغرب وفي مختلف جامعات العالم، وكل هذا النشاط الهائل هو واجب عليّ تجاه الناس الذين أشكرهم كثيرا بالمناسبة لأنّهم أعطوني هذه الفرص الجميلة لأعيش حياة سعيدة مملوءة بالأنشطة العلمية والثقافية، إنّني رجل لا يجلس في المقاهي أبدا ولا يوجد أي فراغ في حياته، فأنا منذ صلاة الفجر قائما على قدم وساق، عاملا نشيطا أكتب وأدرس وأحاور وأنشر العلم. هل أنا مثقف تقليدي؟ هل أنا عضوي؟ تلك مفاهيم سوسيولوجية لا تعنيني، لأن الذي يهمني أكثر أن أنخرط في الحياة العامة للناس، وأقوم بواجباتي تجاههم.

- أنجزت دراسات وترجمات جادّة كثيرة، غير أنّ النجاح الملحوظ كان مع ترجمة الرّواية البوليسية «فخ في تل أبيب»، كيف تعاملت مع تلك المفارقة؟ وما هي قصّتك مع تلك الرّواية؟
أعتقد أنّ كل أعمالي نجحت، فكتبي توّجت بجوائز وطنية وعربية، وبعضها مقرّر اليوم في عدة جامعات، وبعض تلك الكتب تجاوز 04 الأربع طبعات ككتاب «الحدّاد الثّائر» عن حياة الشّهيد البطل زيغود يوسف، والذي حوّلته إلى فيلم سينمائي مع وزارة المجاهدين، ولي في الترجمة كتاب ضخم من 600 صفحة يضم 10 عشر مسرحيات جزائرية ترجمتها من الفرنسية للعربية، وهو كتاب مهم جدا، أما رواية «فخ في تل أبيب» التي ترجمتها أيضا من الفرنسية للعربية، فهي رواية بوليسية جميلة جدا تصوّر بطولات الجيش الجزائري في الحرب العربية ضد إسرائيل، وقد ترجمت هذه الرّواية في التسعينات من القرن الماضي عندما كانت الجزائر تئن تحت نير الإرهاب الهجي الأعمى، فترجمتها وكنت أنشرها على حلقات في جريدة «الحياة» للرفع من معنويات جيشنا وشعبنا نظرا لما فيها من تضحيات وبطولات، وأذكر أنّنا لما شرعنا في نشر حلقات هذه الرواية ارتفع سحب «الحياة» أضعافا مضاعفة لأنّ شعبنا في تلك المرحلة الخطيرة كان في حاجة حقيقية لكل ما يعزّز ثقته بنفسه وبجيشه، وأنا اليوم سعيد جدا بطباعة هذه الرّواية من قبل «دار الوطن اليوم»، حيث ازداد الاهتمام بها، ومن المحتمل تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني على غرار مسلسل رأفت الهجان لصالح مرسي. وكما ترى أخي شوار فأنا فعلا كاتب مغامر يكتب بصدق وإخلاص، وكل يوم يعتقد أن غدا نهايته.

- على ذكر التّرجمة، كيف تقرأ ثنائية المشهد الثّقافي الجزائري وتلك «الانقسامية» بين معرّبين ومفرنسين؟
 أنا خرّيج المدرسة الجزائرية المزدوجة اللغة، ساعفني الحظ لتعلم اللغتين العربية والفرنسية، كما تعلمت الإنجليزية، ومن خلال تجربتي ككاتب وكأستاذ وكعميد سابق لكلية الآداب واللغات الأجنبية، فإنّني أعتقد أن الواقع اللغوي في الجزائري شائك ومتشابك، وما أشد ما يحزنني صراع المعربين والمفرنسين، في حين أن الكثير منهم لا يتقن لا العربية ولا الفرنسية، لذلك أرى أنه يجب علينا الخروج من هذا الصراع التافه، والإقبال على تعلم اللغات جميعها، فالعالم اليوم يتطور بسرعة فائقة في حين أننا للأسف مازلنا نتناقش في ثنائية الدجاجة والبيضة؟؟؟

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024