الباحث محمد بن زيان لـ «الشعب ويكاند»:

النازحون من الأرياف واجهوا الإستراتيجية الكولونيالية مع الحضر

حوار: الخير شوار

 المطلوب استثمار «الراي» بما يخدمنا ثقافيا واقتصاديا وسياسيا 

كبار شعراء الملحون كانت لهم صلة وصل مستمر بوهـران 

البـداوة رافقـت الحالـة الحضريـة باستمــرار

تشكّل وهران أنموذجا للمدينة المفتوحة التي امتزجت فيها ثقافات البحر الأبيض المتوسط مع البداوة المفتوحة على ريف الغرب الجزائري. وهي الظاهرة التي أنجبت موسيقى «الراي» التي وصلت إلى العالمية، وتحتاج إلى كثير من الدراسات التاريخية والسوسيولوجية لتفكيكها.
في هذا الحوار مع الكاتب والباحث محمد بن زيان، نطرح جملة من الأسئلة ذات العلاقة بالموضوع ونكتشف وجوه وهران المتعددة القابلة للقراءات المتنوعة.

تستعد وهران لاستقبال الحدث المتوسطي وتبرز وجها عمرانيا جديدا، هل وهران تجدّد أم المدينة القديمة تتبدّد؟
هناك توسع عمراني، لكنه بالدلالة الخلدونية، توسع يفتقد العمران ويستغرق في سطحية لا تنفذ إلى روح المكان ولا يحمل الخصوصيات التي تختص بها المدينة. كل مدينة هي محصلة تفاعلات التراكمات التاريخية، وما تعرفه وهران وبقية المدن هو توسع في البناء ولكن بدون رؤية معمارية مشحونة بخصوصية كل مدينة... وللأسف، صاحَب ذلك إبادة لوهران القديمة ولقد ضاعت الكثير من المعالم التي حملت الرمزية التاريخية. ولعل ما يختزل ذلك، ما عرفه الحي العريق سيدي الهواري من تبديد لكل ما كان فيه من بنايات تعتبر معالم المدينة.
وحتى في وسط المدينة، توجد معالم كثيرة في وضعية مؤسفة، مثلما هو الحال مع الكاتدرائية التي حولت إلى مكتبة بلدية وهي تحفة معمارية وحاضرة كمكان في رواية «الطاعون» لكامو.

وهران، تفوّقت على حواضر كبيرة في الغرب ولا تتوقف عن استقطاب رموزها، كيف استطاعت ذلك وحافظت على خصوصيتها في الوقت نفسه؟
خصوصية وهران أنها وليدة التثاقف والتلاقح والتمازج، هي مدينة مفتوحة ومحققة لعبارة أرتير رامبو: «الآخر هو أنا».
وفي كل المراحل كانت وهران محصلة ذلك التفاعل مع الآخر المتعدد حتى أصبحت هويتها هي الاختلاف.
ولعل ما يترجم ذلك، إيقاع الأغنية الوهرانية مع رائديها أحمد وهبي وبلاوي هواري، فمع وهبي الإيقاع يتجه نحو مقامات الطرب العربي، أما مع بلاوي فالوجهة تتقاطع مع الفلامينكو.
وبدون ذلك الاستيعاب للاختلاف تفقد وهران حقيقتها.
كيف ارتبطت وهران المدينة الحضرية، بالأغنية البدوية، وكيف تصالحت الحضارة والبداوة في تلك المدينة؟
وهران مفتوحة ومرتبطة بكل خصائص التضاريس، تتشكل كبؤرة اتصال بين البحر والتل والهضاب والصحراء، وفي تركيبتها السكانية تحضر كل تلك الإحالات... وحضور الأغنية البدوية ترافق مع حضور القناوي والقرقابو أيضا ومع حضور إيقاعات أخرى، من بينها الأغنية القبائلية.
والبداوة رافقت باستمرار الحالة الحضرية ولذلك تفصيلات توقف عندها بتدقيق لشرف في كتابه الهام «أعلام ومعالم»، عندما تحدث عن انتقام المدينة الجزائرية في مواجهة الاحتلال وكيف امتصت المدينة النازحين من الأرياف الذين صاغوا مع الحضر ما شكل المواجهة للآليات الإستراتيجية الكولونيالية، لشرف انطلق من عينة العاصمة، ولكن يمكن توظيف قراءته على حالة بقية المدن الكبرى التي استوعبت حركة النزوح، وخاصة وهران التي استوعبت القادمين من المناطق الريفية للولايات المجاورة.
وفي ما يخص الأغنية البدوية، فكبار شعراء الملحون بالجهة الغربية كانت لهم صلة وصل مستمر بوهران ومنهما الشاعران الكبيران مصطفى بن براهيم وعبد القادر الخالدي.

وماذا عن الراي، هل هو الوجه المتمرّد للمدينة؟ أم وجهها المفتوح على ثقافات البحر المتوسط؟
الراي في الحقيقة يجمع بين التمرد والارتباط بخصوصيات المدينة والانفتاح على أبعاد جغرافيتها... هو تمرد وفي نفس الوقت انفتاح على متوسطية المدينة. كانت المدينة في السبعينيات من القرن الماضي تعيش على إيقاعات الغيوان وبعض طبوع الموسيقى الغربية كالروك وكان الراي محصورا في بؤر محدّدة ومحدودة، ولكنه تمدد كصوت رغبة في العتق والتحرر.
وخصوصية الراي أنه مع التمرد كانت فيه المرونة التي حققت له الانتشار؛ مرونة سمحت له بالمزج بين ما في طبوع مختلفة من البدوي إلى الفلامينكو، مرورا بمختلف الطبوع.

عندما ظهر «الراي» قبل سنين طويلة، قيل إنه «ظاهرة عابرة»، لكن الواقع يقول عكس ذلك، كيف تحوّل العابر إلى دائم؟
هناك من يتحدث باعتماد التوصيفات النمطية والتنميطية، ويحكم على ظاهرة ما بدون استيعاب كل تفاصيلها. فالراي منذ بدايات الرميتي في أربعينيات القرن الماضي، متواصل واكتسب مع التراكم قدرة التكيف مع كل مرحلة وامتلك آليات التجاوز الذاتي حتى صار تيارات متعددة... ولا يمكن، بدون تحقيق تجديد في الطبوع الأخرى، إزاحة الراي، بل المطلوب استثمار الراي بما يخدمنا ثقافيا وحتى اقتصاديا وسياسيا، كما تفعل المراصد الخارجية.

وكيف نجحت أغنية الراي في «تخليد» تلك المدينة ودفعها إلى العالمية، في وقت عجزت فيه الرواية، حيث لا تكاد تعرف أدبيا إلا بـ»طاعون» كامو؟
نجحت أغنية الراي في تخليد المدينة وعجزت الرواية، لأن الأغنية انطلقت من التلبس بحالة الرغبة ونطقت بالمكنون وانبعثت من العمق. أما بعض ما يكتب، فإنه يكتب بسطحية أو بانفصال عن العمق وبإعادة إنتاج تمثلات الآخر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024