الرّوائية والنّاشرة حياة قاصدي لـ «الشعب ويكاند»:

أخطــر ما يعـاني منـه النّقد هــو انعدام الموضوعيـة

حوار: أمينة جابالله

الأقـلام التـي تقـدّم ثقافــة موجـودة لكنّهـا في أزمة

 حياة قاصدي ولدت وترعرعت بالجزائر العاصمة، متحصّلة على شهادة ليسانس تاريخ من معهد العلوم الاجتماعية جامعة الجزائر، كاتبة روائية صدر لها روايتان الأولى صيف 2020 تحت عنوان «ستائرنا» والثانية جانفي 2021 عنوانها «الموج والحشيش»، كما صدر لها أيضا ديوان شعر تحت عنوان «محراب المشاعر»، وحاليا تشغل مديرة دار نشر الأمير الكائنة بفرنسا.
في حوارنا معها، أشارت إلى نقاط مهمة يسعى من خلالها أدباء أرض المهجر إلى تقديم الإضافات الاستثنائية للرقي بالمشهد الثقافي وطنيا لاسيما عربيا.

-  الشعب ويكاند: كيف تعرّفنا السيدة حياة قاصدي عن دار الأمير؟
 الرّوائية والنّاشرة حياة قاصدي: دار الأمير مشروع ثقافي كان الهدف منه وضع جسر بين الضّفتين، السّماح لموروثنا الثقافي الوصول إلى أرض المهجر التي تضم أعدادا كبيرة من الجزائريّين عن طريق الترجمة، هناك جيل بأكمله ولد خارج الجزائر، ولم تسمح له الظروف التعرف على مبادئ هويته وثقافته الأصلية، جيل يقرأ لموليير ولافونتان وفيكتور هيجو في الإبتدائي، كما هو مقرر في البرنامج الفرنسي للتعليم، ولا يقرأ لعبد الحميد بن باديس والإبراهيمي، من الجميل أن ننقل جوهر ثقافة أمّتنا ليتعرّف هؤلاء على أصولهم الثقافية، فتتعزز لديهم روح الارتباط بموروث ثقافي يمنحهم الثقة بالذات.
-  دار الأمير للنّشر والتّوزيع تضم عدّة كُتَّاب من مختلف الوطن العربي، فهل لهذا المزيج الإبداعي من هدف؟
 هدفي من ذلك هو أن تكون الدار ملتقى تجتمع فيه كل ما تحمله الثقافة العربية من رموز ومفاتيح حتى يطل عليها الغرب عبر بوّابة الدار، بكل تواضع حلم الدار أن تمتد جذور الوحدة العربية المشتّتة سياسيا لتلتقي وهي توحّد رسالتها كأمّة واحدة لها نفس الهوية، رغم إحباطات السياسة التي بثّت التفرقة والتّشتّت بين شعوب هي من المفروض تمثّل نسيجا ثقافيا واحدا لأمة واحدة بما تحمله من تكوين فكري وموروث تاريخي يجمعها ولا يفرّقها.
- ماذا قدّمت دار الأمير للثّقافة الجزائرية؟
 سؤال أظنّه سابق لأوانه، الدار مازالت في بداياتها ورغم ذلك حاولت جاهدة أن أقدّم لها من باقة الجمال وردا عندما صدرت للدكتور الشاب هشام مصباح دراسة رائعة عن الثورة الجزائرية في كتاب بعنوان يشد الأنظار، «الثورة الجزائرية وإنسانية الإنسان»، وديوان شعري للشّاعر الفلسطيني إبراهيم أبو نعاج، الذي أهدى ديوانا رائعا في أبيات شعرية أطربت الروح في حب الجزائر والمجموعة القصصية للدكتورة فضيلة بهيليل، التي أطلقت عليها عنوان المادة 69 التي تحدّثت فيها عن وضع المرأة الجزائرية. وأما صدور كتاب «الجزيرة» للمناضل الفلسطيني كمال توفيق البقاعي، فدليل قوي على استمرارية العلاقة الأزلية بين فلسطين والجزائر، ورسالة واضحة على ارتباط الثقافة الجزائرية روحا وفكرا بفلسطين.
-  في نظرك، هل بإمكان الكتابة أن تغيّر الوعي العربي؟
 بل إنّه شرط ضروري، فالكتابة التي لا تمارس وظيفة التّأثير والتّغيير تعتبر حروفها مجرّد حركات تدور في حلقة من العدم، الكتابة هي شمس الأمم والمقود الذي ينير وعيها ويأخذ بيدها إلى ما هو أفضل، هذا الوعي الغائب لا شيء يعيده إلى نهضته سوى الكتابة.
-  برأيكم إلى ماذا يعود هذا الرّكود الإبداعي؟ وما هي العوامل التي من خلالها سيتدارك الأدب العربي نقصه؟
 هذا الرّكود، من أهم أسبابه حالة اليأس التي يمر بها العالم العربي الذي ولّدته صعوبة الحياة اليومية والانهيار الأخلاقي الذي ضرب المجتمع وجعله يفقد الكاريزما التي كان يتمتّع بها جيل السبعينات مثلا، انهيار المنظومة التربوية ولّد جيلا فارغا من القيم غير قادر على حمل الرّسالة السّامية، التي لا يمكن أن يحملها سوى من كانت أخلاقهم وتوجّهاتهم تقترب في أدائها من الأنبياء.
- ظاهرة النّقد الثّقافي هناك من يراها تتهاوى، وهناك من لم يجد لها رؤية واضحة، كيف تعقبين على هذه النقطة؟
 النقد الثقافي يعاني من أزمة هو أيضا، لا ننكر أن هناك نقاد يمارسون رسالتهم بكل نزاهة. إلا أن أهم قضية يعاني منها النقد هي انعدام الموضوعية وروح المسؤولية ليظل في تأرجح بين النفاق والصّراحة، والهجوم على الصالح والمجاملة.
-  كيف تقيّمون الثّقافة العربية بما فيها الأدب والكتابة بكل فنونها؟
 الثّقافة العربية تعاني كالمهاجر، الذي يحاول الهرب من الأرض البور، الأقلام التي تقدّم ثقافة حقيقية موجودة لكنها في أزمة.
-  ماذا عن رصيدكم الأدبي؟ وكيف يمكنكم حصده؟
 كما سبق وأن أخبرتك، صدرت لي الرواية الأولى «ستائرنا» وديوان شعر «محراب المشاعر»، منذ سنة في الجزائر، كما صدرت روايتي الثانية في بداية السنة في فرنسا لتصدر أيضا في هذه الصائفة في الجزائر، إضافة إلى العديد من المقالات الأدبية والفكرية التي نشرت في جريدة «القبس» وبعضها في جريدة «الرأي الآخر».
- كيف ترون دور منصّات التواصل الاجتماعي في بروز أعمال أدبية؟
 المنصّات الاجتماعية بالنسبة لي هي صالة عرض لا حدود لها تلتقي فيها الكثير من الطّاقات والمواهب، هناك حراك يفرض وجوده بشتى الطرق، لكن الذي يغربل هذا الحراك ويسمح بظهور المواهب الحقيقية، والأقلام المبدعة هي دور النشر، فليس كل من رفع القلم كاتب.
- هل أنت مع أم ضد الكتابة بالعامية؟ ولماذا؟
 أنا ضد طبعا، لدينا لغة حضارية واحدة لماذا نخلط الأوراق ونمارس عليها الضغط في هذه المرحلة الحسّاسة، الكتابة بالعامية لا ترقى بنا إلى مصاف الشعوب المتحضّرة، وتجعل نهضتنا تتقهقر إلى الوراء، فإذا تبنّت كل دولة عربية الكتابة بالعامية، هل تظنين أن اللغة العربية ستجد قوتها وسط سيوف تشهر قوتها ضدها؟! الأدب العامي تراث توارثته الأمهات والجدات في زمن ما، وأظن أن وظيفته المحدودة لا ترقى إلى المستوى الحضاري الذي تزخر به اللغة العربية التي تدرّس في الجامعات والمراكز الأروبية.
- هل أنت مع أم ضد المعالجة الأدبية والفكرية للطّابوهات؟
 يمكن ذلك طبعا، بل وضروري في بعض الأحيان، لكن في ظل المحافظة على خدمة الفكرة لا السقوط والانزلاق في خدمة ما يعيق الوصول للمبتغى الحقيقي.
- أيّهما أكثر قدرة على التعبير والتواصل مع القارئ، الرّواية أم القصّة القصيرة؟ وهل انتهى زمن القصّة القصيرة؟
 بالتّأكيد الرّواية، نحن في زمن الرواية طبعا فهي التي تحتل الصدارة بل وارتقت لتصبح معشوقة الشباب، زمن القصة القصيرة في مرحلة الغروب لأنّ شمس الرّواية تسدل نورها على المساحات كلها.
- هل توجد علاقة بين الأدب والعلوم الإنسانية؟ وما هي أهم المهارات الواجب توافرها لدى الكاتب؟
 بالتّأكيد هناك علاقة بالغة الأهمية بين الأدب والعلوم الإنسانية، فالأديب الذي لا يعرف تاريخ أمّته وحتى الأمم الأخرى لا يمكنه أن يقدّم عملا ناضجا ومكتملا عن شعبه ووطنه، يصعب عليه وضع ميلاد فكرة أو تقديم نموذج يتبعه المجتمع في سبيل الحصول على الوعي، كما أنّه يستحيل عليه أن يجد العلل ويقدّمها للوعي الجماعي، فالكاتب الذي لا يتسلّح بالمؤهّلات يشبه الطبل، الذي يحدث الفوضى والآلة الموسيقية التي لا تحسن ضبط الإيقاعات.
- ما هي نقاط التّميّز التي يمتلكها الأدب العربى؟
 أرى بأنّ نقاط التّميّز تتمثّل في هذه النّقاط الثلاث: السّرد الجميل والعميق، محاكاة الواقع، الحس الفلسفي.
- ما هو تعريفك للمثقّف؟ كيف يمكن بناء جسر بين النّخبة المثقّفة والبسطاء من النّاس؟
 المثقّف هو الرّيشة التي تعيد ترتيب الفرد المجتمع، وتنقّله من حالة اللاّوعي إلى حالة الوعي بذاته، المثقف هو الماء والهواء عندما يبث الحياة بجمالياتها في وجدان الأمة، فيجعلها تخرج ما فيها من مكبوتات لتتحرّر من العبودية والتخلّف، المثقّف هو رسول الأمة عندما يحمل رسالتها الإنسانية، المثقّف الحقيقي لا يكون مثقّفا دون ارتباطه بالبسطاء، بعيدا عنهم يفقد شرعيته.
- ما هي أهم المعوقات التي يصطدم بها الكتاب الشباب؟
 يعد التّجاهل والإهمال من بين أهم المعوقات، إضافة إلى انعدام وجود مؤسّسات تهتم بتأطير مواهبهم وفتح آفاق تحتضن إبداعاتهم، حرمانهم من فرصة الوصول إلى نقطة العبور التي تسمح لهم باكتشاف الذات الواعية لقدراتهم.
- ما هي أهم الأعمال التي قد ساهمت في تكوين رؤيتك الفكرية والأدبية؟
 الموهبة والمطالعة منذ الصّغر، وتجربة الحياة العميقة والجو العائلي الذي تربّيت فيه، لقد تربيت مع عمّي الذي كان دكتورا متخرّجا من جامعة السوربون، لكنه كان مغرما باللغة العربية والموشحات، حيث كان يدلل أرواحنا بجمال معانيها والنقاشات الفلسفية، ويحثّني على الارتقاء الرّوحي نحو كل جمال لا تدركه إلا الروح النادرة، أترحّم على روحه الرّاقية في هذا الفضاء الجميل.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024