ترجمت نتائجها تقارير دوليـة.. الخبير الاقتصـادي هواري تيغرسـي لــ”الشعــب”:

الرئيس تبون أسـس الجزائـر الجديـدة علـى السيــادة والنزاهة والشفافية

حـوار: فايــزة بلعريبـي

الموقف الجزائـري سيـد مواقفهــا والأرقام المحققــة تلغي أي احتمــال للاستدانـة الخارجيـة

 بينما تواجه 14 دولة خطر الضائقة المالية، تتصدّر الجزائر قائمة الدول الإفريقية ذات البنية الاقتصادية الصلبة، بفضل سياسة استراتيجية حمائية حافظت على توازنات المؤشرات الكلية للاقتصاد الوطني، فقد أشاد صندوق النقد الدولي، للسنة الثالثة على التوالي، بصلابة الاقتصاد الوطني، وابتعاده تماما عن دائرة الوقوع في خطر المديونية الخارجية. وهي الإشادة التي تتطابق مع تقرير البنك الدولي وتقرير بتك التنمية الإفريقي وتقرير البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد، ما يؤكّد تبصر المقاربة الجزائرية التي فصّل في محاورها الخبير والمحلل الاقتصادي هواري تيغرسي في هذا الحوار الذي خصّ به “الشعب”..إليكموه..

 الشعب: قال رئيس بعثة صندوق النقد الدولي بالجزائر، شارالامبوس تسنغاريدس، خلال ندوة صحفية بالجزائر العاصمة “إنّ الجهود التي تبذلها السلطات الجزائرية لتنويع الاقتصاد وتحسين مناخ الأعمال من أجل تحفيز الاستثمار الخاص، تستحق الإشادة”، مشيرا إلى أن الإصلاحات التي شرعت فيها في مجال الاستثمار “قد بدأت تؤتي ثمارها”. ما تعليقكم على ذلك دكتور؟
 الخبير والمحلل الاقتصادي د - هواري تيغرسي: قبل الإجابة عن السؤال، أود أن أوضح تفصيلا مهما، أنّ صندوق النقد الدولي صنّف الجزائر بناء على معايير دقيقة كثالث أقوى اقتصاد إفريقي، وهذا لم يكن وليد صدفة أو ضربة حظ، بل نتيجة إصلاحات معمّقة باشرت بها الجزائر بقيادة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي حرص منذ بداية عهدته الأولى على إرساء العديد من القواعد والآليات، لبناء منهج وتبني فلسفة اقتصادية جديدة تركز على تنويع مصادر الدخل ومصادر الثروة، وكذا الفك التدريجي للتبعية البترولية. ولأجل ذلك وضع الميكانيزمات اللازمة لتطبيق هذا المنهج على أرض الواقع من خلال خلق نموذج تنموي متوازن، ومساهمة فعالة لبقية القطاعات في الناتج الخام المحلي - المتوقع ارتفاعه إلى 400 مليار دولار نهاية 2026 - والتنمية الاقتصادية، وفق مقاربة تنموية اقتصادية متوازنة ومستدامة، ورفع العراقيل عن المشاريع الاستثمارية. إلى جانب مرافقة القطاع الخاص وتشجيعه على المشاركة في المشروع الوطني الإقتصادي، ومن دلائل هذه المرافقة، إنشاء هيئة عليا على مستوى الرئاسة مكلفة بمتابعة الطعون المقدمة من طرف المستثمرين والفصل فيها، في أجل لا يتعدى 30 يوما، لتوطيد الثقة والأمن القانوني بالنسبة للمستثمرين. وباعتبار أن الاستثمار قاعدة أساسية لبناء الاقتصاد الوطني، فقد تم تحصينه بقانون جديد للاستثمار 18/22 مبني على أمان تشريعي مستقر لا يقل عن 10 سنوات، ما سمح ببعث العديد من الاستثمارات الخلاقة للثروة، وفتح الآفاق أمام الاقتصاد الوطني، وتقديم عرابين الأمان الاستثماري للمستثمرين من قوانين وتحفيزات وتسهيلات، بل أصرّ على أن يسود مناخ المال والأعمال ببلادنا شفافية مطلقة، والتزام بحماية حقوق المستثمر، من خلال الالتزام بالمرجعية القانونية لتحفيز وتنظيم العملية الاستثمارية لدعم الإنتاج الوطني. وضعت الحكومة، خلال العهدة الرئاسية الأولى، مجموعة من القوانين المحفزة للاستثمار من حيث تسهيل الإجراءات وتبسيطها واستحداث الهياكل الداعمة لها. كما تدعّمت المنظومة التشريعية الجزائرية بقانون للعقار الاقتصادي، وإسداء مهام تنظيمه إلى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، عبر منصتها الرقمية من أجل إنهاء الفوضى والتجاوزات التي تعرض لها العقار الفلاحي والصناعي والحضري طيلة عقود من الزمن.
أود أن أشير بالمناسبة، إلى أنّ الجزائر أنفقت في السنوات الأخيرة ما قيمته 800 مليار دج لتطوير حوالي 500 مشروع للبنى التحتية، مسجل بين ستني 2025 و2026. كما بلغ طول شبكة السكك الحديدية 4785 كلم، وهي الإنجازات التي لا يمكن التنكر لها.
ممّا جاء في تصريح ممثل صندوق النقد الدولي، غياب المديونية الخارجية للجزائر، حيث أكّد أن قلة قليلة من الدول حول العالم توجد في وضعية اللجوء الضئيل إلى الاستدانة.
 كما سبق وأن قلت، الجزائر اليوم تعتبر ثالث أقوى اقتصاد في إفريقيا، ومن أقوى المساهمين في البنوك العالمية على غرار بنك التنمية الإفريقي والبنك الإفريقي للتصدير والاستيراد الذي رفعت الجزائر من قيمة اكتتابها به في شهر فيفري 2025، بـ 2285 سهم إضافي، وبنك التنمية لمجموعة البريكس بضخ 1.5 مليار دولار كمساهمة.
أريد أن أؤكّد أنّ تقرير صندوق النقد الدولي قد جاء مطابقا تماما لما جاء في تقرير البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير، في عدده الصادر نهاية شهر ماي، ليؤكّدا حكمة وحنكة الإستراتيجية الاقتصادية الجزائرية، ونجاحها في جعل الجزائر ضمن الدول الإفريقية القليلة التي لا تعاني من ضغوط المديونية الخارجية، ما يضعها في موقع استثنائي داخل القارة، كونها تعتمد على مواردها الذاتية لتمويل المشاريع الكبرى دون اللجوء إلى الاقتراض الخارجي أو المؤسسات المالية الدولية، رافضة استخدام الدين الخارجي، ما يجنبها مخاطر الخضوع لشروط الدائنين الدوليين، في حين تتواجد 14 دولة إفريقية في منطقة خطر التعرض لضائقة مالية، إضافة إلى أن الجزائر تمتلك احتياطيات نقدية ضخمة، ما يعزّز من قدرتها على مقاومة الصدمات الخارجية ويجعلها ضمن الاقتصادات ذات المركز المالي الصلب. هذه الأريحية المالية تعود إلى سياسة الحوكمة الرشيدة التي تنتهجها الجزائر بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، المرتكزة على دعم الصادرات خارج المحروقات وتطوير المقدرات الإنتاجية المحلية وترشيد النفقات العمومية، وبعث الاستثمارات الطاقوية، وتعزيز الاستكشافات النفطية. فموقف الجزائر واضح من الاستدانة الخارجية، ولقد عبر عنه رئيس الجمهورية بشدة وصرحة ووضوح، “الإستدانة الخارجية مرفوضة وغير مطروحة أبدا، ما دامت تمس بسيادة قرارنا السياسي والاقتصادي”.
ممثل صندوق النقد الدولي أشاد أيضا بمواصلة تطبيق قانون النقد والصرف الذي صدر سنة 2023، فضلا عن “تحسين إدارة السيولة وتعزيز القدرات في مجال تنبؤات الاقتصاد الكلي وتحليل السياسات المالية”، كيف ترون ذلك؟
 فعلا، الأسواق المالية بما فيها البورصة، والبنوك ومؤسسات التأمين تعتبر أهم الآليات التي تعول عليها الحكومة من خلال مشروع قانون المالية 2025، تدعمها في ذلك جملة التعديلات التي تم إدراجها على القوانين المؤطرة لهذا القطاع على غرار قانون النقد والصرف، خاصة وأن النظام البنكي يعتبر الشريان الأساسي لتمويل التنمية الاقتصادية، فكلما كان متماسكا عبر استعماله للتكنولوجيا المالية، واندماجه بالأسواق المالية الدولية والتقنيات التي يعتمدها، كان أداؤه لصالح الخزينة العمومية كبديل أساسي لتمويل التنمية الاقتصادية. فبعد توفير بيئة استثمارية ملائمة لبعث اقتصاد وطني متنوع ومتحرر من الريع النفطي. كانت المنظومة المصرفية ثاني محطة استفادت من الإصلاحات التنظيمية والهيكلية من أجل توفير بيئة مصرفية تساير التحولات المالية التي يعرفها اقتصادنا الوطني، حيث فتح قانون النقد والصرف الجديد، المجال لتفعيل دور السياسة النقدية للتحكم في التضخم، وإعادة تفعيل الدور الحقيقي للتمويل التقليدي الإسلامي في التنمية الاقتصادية، والقضاء على أسواق الصرف الموازية ومحاربة ظاهرة تكديس الأموال خارج الدورة الاقتصادية، وخلق مكاتب صرف للعملة، بالإضافة إلى استحداث عملة رقمية. كما مكّن من تحرير البنوك وإدراجها تلقائيا ضمن البورصة التي يعول عليها كثيرا، في إحداث ديناميكية مالية لتنظيم حركة رؤوس الأموال، وإحداث توازن بين الفائض والعجز.
النّشاط الاقتصادي خارج قطاع المحروقات حافظ على ديناميكيته خلال عام 2024، كما أنّ الآفاق الاقتصادية الداخلية تظل إيجابية بوجه عام، حسب ما ورد في التقرير، أيّ دور يلعبه الإنتاج الوطني بعيدا عن الريع النفطي؟
 في ظل المؤشرات الايجابية التي سجلها الاقتصاد الكلي الجزائري، يمكن القول إن الصادرات خارج المحروقات التي جعلت منها السلطات العمومية هدفا لابد من تحقيقه وخيارا لا تراجع عنه، قد سجلت أعلى مستوى لها منذ الاستقلال، في إطار مقاربة تنويع الاقتصاد الوطني وتحويله من اقتصاد ريعي قائم على عائدات المحروقات إلى اقتصاد منتج متنوع، أين تكون جميع القطاعات بدون استثناء أطراف فاعلة ضمن إستراتيجيته الإنتاجية، من خلال الاستغلال الاستشرافي والذكي لموارد البلاد التي يمكن لها أن تشكل أرضية قوية لقيام صناعات متطورة مواكبة للتغيرات الاقتصادية العالمية، بما فيها التحول الطاقوي والتوجه إلى مصادر طاقوية نظيفة صديقة للبيئة. إلى جانب العمل على ضمان الأمن الغذائي للبلاد، ممّا سيسمح بتلبية حاجيات السوق المحلية والاستغناء عن الاستيراد ولو جزئيا، ما يفسر انخفاض المؤشرات المتعلقة بالنفقات مقابل ارتفاع الصادرات خارج المحرقات.
أكّد المسؤول ذاته أن احتياطات الصرف سنة 2024 “ظلت معتبرة”، حيث بلغت 67.8 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 14 شهرا من الواردات، في حين شهد معدل التضخم “انخفاضا كبيرا”، منتقلا من 9.3 بالمائة عام 2023 إلى 4.1 بالمائة عام 2024.
 صحيح، تمكنت الجزائر من التصدي للتضخم الذي يجتاح معظم اقتصاديات العالم، حيث تعتبر من البلدان القلائل التي استثنيت من النظرة التشاؤمية لتقرير البنك الدولي، ما يؤكّد نجاعة الإصلاحات التي قامت بها الجزائر على أرض الواقع من خلال ترقية المنتوج الوطني وتشجيع القطاع الخاص، وبعث المشاريع الاستثمارية التي بلغ عددها 14 ألف مشروع استثماري مسجل على مستوى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، نصفها دخل حيز التنفيذ، مما ساهم في رفع القدرة الشرائية للفرد الجزائري. في هذا الصدد أفضّل الاستدلال بتقرير سابق للبنك الدولي، الذي أكد أن الجزائر انتقلت من الشريحة الدنيا للبلدان المتوسطة الدخل إلى الشريحة العليا من نفس الفئة، مسجلة ارتفاع في قيمة الدخل السنوي للفرد إلى 4960 دولار/سنويا.
ولن أجد لغة أكثر بلاغة من لغة الأرقام للتعبير عن الإرادة السياسية الحقيقية في تحسين مستوى معيشة المواطن، وحماية قدرته الشرائية وصون كرامته وحقه في العيش الكريم، فمن معتبرة إلى ضخمة إلى أضخم ميزانية في تاريخ الجزائر، تواصلت ميزانيات الدولة خلال خمس سنوات في الإرتفاع محققة أرقام قياسية من حيث قيمة الدعم والتحويلات الاجتماعية، حيث قدرت ميزانية 2022 بـ 74 مليار دولار، خصصت 19.7 بالمائة منها للتحويلات الاجتماعية، في حين قدرت ميزانية 2023 بـ 98 مليار دولار، رافقتها ميزانية تصحيحية سمحت برفع ميزانية الدولة إلى 14706.8 دج، خصصت منها 20714 مليار دج للتحويلات الاجتماعية ما يعادل 18.4 بالمائة على أساس الميزانية العادية. وبالنسبة لسنة 2025، فقد كانت سنة متميزة من حيث السخاء الاجتماعي الذي خصّ به رئيس الجمهورية المواطن كأهم محور في السياسة الحكومية، تنصب حوله جميع المشاريع التنموية، حيث بلغت 126 مليار دولار، خصص 35 بالمائة منها للتحويلات الاجتماعية.
من بين “المبادرات الاقتصادية” التي تطرّق إليها ممثل صندوق النقد الدولي، إنشاء الشباك الموحّد لتسهيل الولوج إلى العقار، هل يمكن تنوير القرّاء بمعطيات أوفر عن هذه النقطة؟
 تفعيل الشباك الوحيد تعبير صريح عن إرادة سياسية حقيقية لتحفيز الاستثمار، وتسريع وتيرة المشاريع ودعم الحافظة العقارية للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، من أجل مرافقة المستثمرين وتمكينهم من الأوعية العقارية لتجسيد مشاريعهم، وتأكيد على تحسين بيئة الاستثمار من حيث الآليات المسخرة لتجسيد الأهداف المسطرة المنصبة خاصة على تكريس الشباك الوحيد، للقضاء على البيروقراطية وتحسين مناخ الاستثمار. وبالتالي، يمكن القول إن ملف العقار الاقتصادي بجميع أنواعه، من عقار فلاحي وصناعي وسياحي، قد عرف انفراجا ستكون له انعكاساته الإيجابية على مناخ الأعمال، خاصة وأن تعثر ووصول العديد من المشاريع الاستثمارية إلى مرحلة الإنسداد يعود إلى الأزمة التنظيمية والممارسات اللصوصية من نهب وبيروقراطية المعاملات التي عرفها العقار الاقتصادي. ممارسات أعلن رئيس الجمهورية الحرب عليها، منذ استلامه قيادة البلاد، وقد توّجت بحزمة من التعديلات التشريعية ذات بعد تطهيري لمناخ الاستثمار ببلادنا، يهدف إلى تأهيل الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار بهدف توسعة حافظة العقار الاقتصادي التابع لأملاك الدولة، ووضع كل ما يتعلق بالوفرة العقارية تحت تصرف المستثمرين عبر منصة رقمية. إذا النصوص التطبيقية للعقار الاقتصادي كانت نهاية لفوضى العقار والممارسات اللصوصية التي تعرض لها لعقود طويلة، تمخّض عنها تدهور لاستغلاله، حيث نعيش اليوم عملية تطهير وجرد واسعتين للعقار بكل أنواعه، مع استرجاع العقار غير المستغل وتحويله لفائدة الشباب المستثمر. وكنتيجة انتظرها طويلا المستثمر المحلي وحتى الأجنبي، أتوقّع أن تعرف وتيرة الاستثمار ببلادنا منحنى أكثر تسارعا بحكم انحصار مشكل العقار نهائيا من المشهد الاقتصادي الوطني.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025