الباحث في الطاقات المتجدّدة الدكتور عيسى مفلاح لـ”الشّعب”:

الطاقـات المتجـدّدة مفتـاح الأمن الطاقوي والتنويـع الاقتصادي

حاورته: خالدة بن تركي

جيغاواط من الطاقة النظيفة توفّر 4,5 مليار متر مكعب غاز سنويّا

مشاريع شمسية وريحية بـ22 ألف ميغاواط بحلول 2035.. رؤية حصيفة

ترشيد الاستهلاك ضرورة لحماية الشبكة الكهربائية وضمان الاستدامة

التحول الطاقوي.. فرصة تنويع الاقتصاد والمكانة الرّيادية في السوق الأوروبية

 يرى الباحث في الطاقات المتجدّدة، الدكتور عيسى مفلاح، أنّ الجزائر اليوم أمام مرحلة مهمة في مسارها الطاقوي والاقتصادي، تتطلّب تنويع مصادر الطاقة وبناء اقتصاد مستدام، ومع التوجّه العالمي نحو الطاقة النظيفة والالتزامات البيئية، تصبح الطاقات المتجدّدة خيارا أساسيا يساعد البلاد على تقليل الاعتماد على المحروقات، وخلق فرص اقتصادية جديدة، وضمان أمن طاقوي لفترة طويلة.

الشّعب: في ظلّ التحديات الاقتصادية العالمية، تتّجه الأنظار نحو مصادر الطاقة النظيفة كخيار استراتيجي لتحقيق التنمية، وهنا يطرح التساؤل، كيف يمكن لمشاريع الطاقات المتجدّدة أن تعزّز الاقتصاد الوطني؟
 الباحث في الطاقات المتجدّدة الدكتور عيسى مفلاح: مشاريع الطاقة المتجدّدة لم تعد مجرّد خيار بيئي أو طموح نظري، بل أصبحت أداة ملموسة تقود التحول الاقتصادي في الجزائر، عبر ثلاث أبعاد.. خفض تكاليف توليد الكهرباء بمنع استيراد الوقود المكلف أو حرق الغاز المحلي، تحسين ميزان المدفوعات بصرف منتقي للموارد بالعملة الصعبة، وخلق سلاسل قيمة محلية تبدأ من تصنيع المكونات وتمرّ بتركيبها، وصولا إلى التشغيل والصيانة.
- إذا تحدثنا بلغة الأرقام، كيف كان حجم إنتاج الطاقة خلال السنوات الأخيرة؟
 في عام 2023، سجّل إنتاج الطاقة الأولية 170,3 مليون طنّ مكافئ بترول، نفذت داخليا فقط 72,2 مليون طن (أي 42,4 بالمائة من الإنتاج)، في حين تمّ إطلاق مناقصات ضخمة بين 2023 و2025 منها (“سولار 2000” و«سولار 1000”) لتوليد نحو 3 آلاف ميغاواط شمسي موزّعة بين مشاريع بألفي ميغاواط وألف ميغاواط، بأحجام محطات شمسية مختلفة تقارب 50 إلى 300 ميغاواط.. هذه الحزم الأولى تنفذ حاليا ضمن دفعات تضاف تدريجيا للشبكة الكهربائية، وستوفّر آلاف فرص عمل مؤقّتة، ومئات أخرى دائمة، مع تحفيز الطلب على التصنيع والخدمات المحلية المتعلّقة بالطاقة النظيفة.
- في ظل التحول العالمي نحو الطاقات النظيفة، يتزايد التساؤل حول قدرة الطاقة الشمسية ومصادر الرّياح على تقليل الاعتماد على المحروقات التقليدية؟
 بالمقارنة بين الفائدة التقنية والأرقام، نجد أنّ الجزائر تتمتّع بإشعاع شمسي قوي تمتد مدته لأكثر من 3 آلاف ساعة سنويا، وتبلغ قيمة الطاقة الشمسية السنوية في المناطق الجنوبية بين 2,600 إلى 2,700 كيلوواط-ساعة لكل متر مربع.. الحسابات التقنية الوطنية تظهر أنّ كل واحد جيغاواط من الطاقة الكهروضوئية يمكن أن يوفّر بين 1,4 و1,6 مليار متر مكعب غاز سنويا إذا حلّ محل وحدات الغاز.
ما أثر استبدال 3 جيغاواط من الطاقة التقليدية بالطاقات المتجدّدة على صادرات الغاز والاقتصاد الوطني؟
 3 جيغاواط تعادل توفيرا سنويا يقارب 4,5 مليار متر مكعب غاز، بصرف النظر عن الفوائد الإضافية من تصدير الغاز الموفّر أو استخدامه في صناعات محلية.. هذه “المقايضة الغازية” هي قاعدة استراتيجية تعيد تشكيل مستقبل التصدير الوطني وتعزّز الاقتصاد، كما أنّ توسيع إنتاج الطاقة المتجدّدة إلى 10 أو حتى 20 جيغاواط، سيوفر كميات أكبر بكثير من الغاز، يمكن بيعها في الخارج أو استخدامها في مصانع محلية لزيادة الإنتاج.. هذا لا يعني فقط دخول أموال إضافية، بل أيضا خلق فرص عمل جديدة، وتنويع الاقتصاد حتى لا يبقى معتمدا فقط على بيع النفط والغاز.
- مع الإرتفاع القياسي في استهلاك الكهرباء خلال فترات الذروة، يبرز ترشيد الطاقة كخيار استراتيجي للحفاظ على استقرار الشبكة، ما أهمية ترشيد الطاقة في هذه الحالة؟
 خلال ترؤّسه اجتماع مجلس الوزراء، شدّد رئيس الجمهورية على أهمية الاستشراف وترشيد استهلاك مختلف أنواع الطاقة، مؤكّدا أنّ اعتماد أسلوب ضبط جديد ومدروس علميا يعد أمرا أساسيا للحفاظ على الموارد الطاقوية واستثمارها في تطوير القطاعات الصناعية المستدامة، وقد برزت هذه التوجيهات بشكل خاص في صيف 2025، حين سجّلت أعلى ذروة لاستهلاك الكهرباء في تاريخ البلاد، إذ بلغ الطلب 20,628 ميغاواط بتاريخ 23 جويلية، مع استمرار معدلات مرتفعة بين 19 و20 ألف ميغاواط.
كيف يمكن لسياسات ترشيد استهلاك الطاقة، مثل تحسين كفاءة المباني والأجهزة واستخدام الشبكات الذكية، أن تساهم في تخفيف الضغط على شبكة الكهرباء وتعزيز الأمن الطاقوي؟
 على سبيل المثال.. في عام 2023 وحده، استهلكت محطات التوليد 22,2 مليار متر مكعب غاز، أي نحو 44 بالمائة من الغاز المستهلك وطنيا، في حين بلغ الاستهلاك النهائي للكهرباء 16,8 مليون طنّ مكافئ بترول بارتفاع قدره 3,8 بالمائة عن العام السابق، وارتفع عدد المشتركين إلى 11,9 مليون أي زائد (3,6بالمائة).. في ظل هذه المعطيات، يصبح ترشيد الاستهلاك من خلال كفاءة المباني والأجهزة، الشبكات الذكية، تعديل الدعم، وتوقيت الاستهلاك أكثر من ضرورة وهو مفتاح لتفادي ضعف شبكة الكهرباء، تقليل الاستنزاف، والاستمرارية في التصدير.
ما الدور الذي يلعبه ترشيد الاستهلاك في دعم استراتيجيات تحقيق الأمن الطاقوي والاستدامة؟
 نحن كباحثين في مجال الطاقات المتجدّدة، نرى أنّ ترشيد الاستهلاك أمر أساسي، فهو يساعد الحفاظ على الطاقة حتى مع زيادة إنتاجها من المصادر النظيفة، فالاستهلاك المفرط قد يضيع كل الجهود المبذولة، لذلك، من المهمّ نشر الوعي بين الناس وتشجيع استخدام الأجهزة الموفرة للطاقة وتحسين طرق الاستهلاك في البيوت والمصانع، حتى نضمن أمنا طاقويا، واستدامة تعود بالنفع على الجميع.
ما هي الآثار الاقتصادية والاستراتيجية المتوقّعة إذا نجحت الجزائر في تنفيذ مخطّطها للوصول إلى قدرة إنتاجية متجدّدة بين 15و22 ألف ميغاواط بحلول2035؟
 مستقبل الطاقات المتجدّدة بالجزائر واعد، فالدولة تلتزم بتنفيذ برامجها الاستثمارية والتشغيلية وبتعزيز البنية التحتية، والخطط الوطنية - كما وردت في الوثائق الرّسمية والدولية - تستهدف قدرة متجدّدة بين 15 ألف و22 ألف ميغاواط بحلول 2030–2035، تتوزّع نحو 13,5 جيغاواط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، 5 جيغاواط طاقة الرياح، والباقي من تركيبات شمسية مركّزة، تخزين، وهيدروجين نظيف.
وماذا عن المشاريع الجارية حاليا في هذا المجال؟
 المشاريع الحالية المتواجدة في كل من بسكرة، الأغواط، المسيلة، غرداية وتقرت، بدأت بإضافة مئات الميغاوات، وهناك مبادرات ربط كهربائي تحت البحر المتوسّط تتراوح طاقتها بين 1,000 – 2,000 ميغاواط مخصّصة لتغذية أوروبا بالطاقة النظيفة، وإذا ما ارتبط ذلك بإنشاء سلاسل تصنيع محلية، تدريب تقني، شبكات ذكية وتحفيز تصدير الهيدروجين، فالأثر الاقتصادي سيكون مضاعفا، يتعلق بتوفير عشرات المليارات من الإنتاج البترولي وفتح سوق تصديرية جديدة.
ما السيناريو الأنسب لتوسّع الجزائر في الطاقات المتجدّدة بحلول 2035 لضمان وفرة في النفط والغاز، وتعزيز مكانتها كمصدر رئيسي للطاقة النظيفة نحو أوروبا؟
 تُظهر التقديرات الواقعية لسيناريوهات التوسّع في الطاقات المتجدّدة آفاقا واضحة أمام الجزائر، ففي السيناريو الأول الذي يستهدف تركيب ما بين 8 و10 جيغاواط بحلول عام 2035، يمكن تحقيق توفير سنوي يتراوح بين 130 و160 مليون برميل نفط، وهو ما يمنح صادرات النفط والغاز فترة إضافية تتراوح بين أربع وخمس سنوات، أما السيناريو المتوسّط، بقدرة إجمالية تبلغ 15 جيغاواط، فيتيح توفيرا يناهز 246 مليون برميل سنويا، ما يطيل فترة التصدير بأكثر من ثماني سنوات.
ما فرص وتحديات الجزائر لتحقيق 25 جيغاواط وجذب الاستثمار في سوق الطاقة النظيفة نحو أوروبا؟
 يتطلب السيناريو الطموح، الذي يخطّط لإنجاز 20 إلى 25 جيغاواط، تعبئة شاملة للإمكانات الوطنية، وتحفيزا واسعا للاستثمار الأجنبي، ليحقّق وفرة تفوق 400 مليون برميل سنويا، ويجعل من الجزائر أحد اللاعبين الرئيسيّين في سوق الطاقة النظيفة الموجّهة نحو أوروبا، ولتحقيق ذلك، تحتاج الجزائر إلى تطوير شبكات الكهرباء وتحسين التخزين، إضافة إلى التعاون مع دول أخرى لنقل الخبرات، ممّا يساعدها على تصدير الكهرباء الخضراء لأوروبا وتعزيز مكانتها في السوق.
كيف يمكن للجزائر أن تحوّل هذا المسار الواعد في الطاقات المتجدّدة إلى واقع مزدهر يحقّق الاكتفاء الطاقوي ويصنع مستقبلا للأجيال القادمة؟
 الطاقات المتجدّدة لم تعد خيارا رمزيا، بل ضرورة ملحّة لإعادة رسم مستقبل الطاقة والاقتصاد الجزائري، والبيانات الأخيرة من ذروة الطلب 20,628 ميغاواط، إلى المشاريع الشمسية بـ3 آلاف ميغاواط قيد التنفيذ، إلى أهداف السنوات القادمة، تؤكّد أنّ البلاد على مسار تحول طاقي سريع، شريطة أن يواكبه إصلاح للطلب، دعم للبحث العلمي والابتكار المحلي، وشراكات دولية لتحقيق اقتصاد قوي، مستقل ومستدام، يمتص أزمة المحروقات ويفتح بريق الحلول المتجدّدة للأجيال القادمة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19846

العدد 19846

الإثنين 11 أوث 2025
العدد19845

العدد19845

الأحد 10 أوث 2025
العدد 19844

العدد 19844

السبت 09 أوث 2025
العدد 19843

العدد 19843

الخميس 07 أوث 2025