رمز رموز التربية والإصلاح

نضـال لتحرر الإنسـان الجـزائري من التخلـف والأميـة والاستعمار الفرنسي

بقلم: أحمد بن السائح الحلقة 1

مفهوم الهوية وعلاقته بالتراث، الإسلام بالتاريخ والسيادة الوطنية في معادلة متوازنة

صلته بجمعية العلماء المسلمين صلة مُحِبٍّ مُتَيَّمٍ بالعلم والعلماء، كشأن الكثيرين من أترابه وشباب جيله في مطالع ثلاثينيات القرن الآفل . كان هذا النوع من الشباب المتخَرِّجِ في الزيتونة بمثابة الرفد الذي أطرته لتضمن به تحقيق مشاريعها التغييرية من اجل الدفاع عن هوية الجزائريين التي سعى المستدمر الى تشويهها والتنكل لوجودها في التاريخ البشري .راهنت جمعية العلماء على جدوى التربية والتعليم كوسيلتين من وسائل تحرير الفرد من أسار الأمية والتخلف معتمدة على نخبة مثقفة قاومت الاغتراب بنضال يثبت بالملموس ان الجزائر لم ولن تكن فرنسية.من هؤلاء الواد في المعترك الاصلاحي السياسي العلامة علي مغربي الجدير بالتوقف عنده ورصد مساره في الدفاع عن معادلة وطنية متوازنة والترويج لمفهوم الهوية وعلاقته بالتراث، والإسلام بالتاريخ، ومعنى السيادة بالوطنية التي تتشكل ببطء داخل طوايا رحم الوعي الوطني الجزائري .

 

أولى البدايات

الأستاذ العلامة علي مغربي ـ طيب الله بالرحمات ثراه ـ من الشاهدين على حركة الخط البياني ـ صعودًا وهبوطًا ـ للنشاط الإصلاحي في عهد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منذ تأسيسها في 5 ماي 1931 إلى خاتمة حياته يوم 6 جانفي 1999 . وعلى مدى مسار عمره الحافل بالتربية والتعليم والإصلاح، والمناضلة الشريفة في سبيل القضية الوطنية، كان الشيخ العلامة علي مغربي قامة مرموقة بعلمه الغزير، وأخلاقه الرفيعة وتواضعه الجم، ودوره المشهود في الحياة الفكرية والتربوية والإصلاحية، بَلْهَ ما كان يمثله من وسطية واعتدال .
 وكانت صلة الأستاذ علي مغربي بالجمعية الفتية صلة مُحِبٍّ مُتَيَّمٍ بالعلم والعلماء، كشأن الكثيرين من أترابه وشباب جيله في مطالع ثلاثينيات القرن الآفل، وكان هذا النوع من الشباب المتخَرِّجِ في الزيتونة بمثابة الرفد الذي أطرته جمعية العلماء لتضمن به تحقيق مشاريعها التغييرية، ومن نافلة القول أن نذكر أن جمعية العلماء قد راهنت على جدوى التربية والتعليم كوسيلتين من وسائل تحرير الفرد من أسار الأمية والتخلف، كما تصدت صحافة الجمعية لعلاج جملة من الأدواء المتفشية في المجتمع الجزائري الذي كاد يفقد هويته الإسلامية بعد قرن من هيمنة الاحتلال البغيض، وهي صحافة نوعية ومُتَمَيِّزة في مجال الإعلام الإصلاحي، تكفلت بمقاومة « فيروس» البدع الذي كانت تغذِّيه وتعمل على نشره مؤسسات الطرقية الجائرة ؛ ووسط هذا الجوالمكفهر والمتلون بالعديد من التناقضات المتباينة التي تفرزها الدعوات السياسية والنضالات الفجة، وجد مترجمنا علي مغربي نفسه على قارعة الاتجاهات في موقع يمثل المنطلق الأساس لسبل شتى، وكان عليه ـ بحكم نضجه المبكر وفطرته غير الملوثة ووعيه المدرك ـ أن يختار سبيله ويحدد الغاية التي يتغياها، ويحسم في أمر الوجهة التي يريدها على ضوء ما يتضمنه كنه تلك « الفسيفساء « التي لا يكاد يتمايز فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ويتداخل فيها مفهوم الهوية وعلاقته بالتراث، والإسلام بالتاريخ، ومعنى السيادة بالوطنية التي تتشكل ببطء داخل طوايا رحم الوعي الوطني الجزائري.
من عمق هذا الواقع الذي تَتَوَزَّعُهُ علائم الاستقطاب والبحث عن الوسيلة المجدية لتخليص الوطن الجزائري السليب وفَكِّ أساره، عرف الأستاذ علي مغربي كيف يُقدِّر لقدمه موطنها الملائم ؛ ومن عرف الحقيقة ـ كما يُقَالُ ـ انتمى . اختار فقيدنا المنهاج المناسب الذي انسجم مع ميولاته وتطابق مع قناعاته، ورأى فيه منهاجًا صالحا للعمل الدؤوب الذي يُؤْتي أكله كل حين بإذن ربه.
ولا شك أن لمحيطه ومرباه أكبر الأثر في ذلك التوجه، بَلْهَ التكوين الزيتوني، ونشاطات المترجم له في تنظيم صفوف الطلبة الجزائريين بتونس، وهي عوامل متضافرة جعلت منه حركيا نابضا بروح الشباب المتحفِّزِ والمتطلِّعِ إلى التغيير، والثورة على الرتابة التي غدت ميسمًا تَنْمَازُ به كل المظاهر السلبية التي تعكس حياة المجتمع، وتترجم عن همومه ومعاناته .
 
أصله

ينحدر أصل مترجمنا الأستاذ علي مغربي من أسرة ( آل المغربي ) وهي أسرة كبيرة تنتشر عائلاتها في بسكرة والزاب والجزائر العاصمة، وموطنها الأصلي هوفرفار من زاب طولقة، وتشتهر بعراقتها في العلم بمختلف فروعه ومشتقاته وخاصة الطب .
وحسب رواية استقيتها بتاريخ : 10 / 03 / 1999 من السيد محمد مغربي : أن أصل أسرة المغربي يعود إلى قرون ماضية وبعيدة ـ لا نستطيع تحديدها الآن ـ أيام كان ركب الحج يأخذ مسالك الزاب في طريقه إلى البقاع المقدسة، وكان ضمن هذا الركب أربعة إخوة أشقاء من المغرب الأقصى ؛ وأثناء رجوعهم بعد أداء مناسك الحج، بدا لثلاثة منهم أن ينقطعوا لخدمة العلم، فذهب أحدهم إلى بسكرة وذهب الثاني إلى سيدي عقبة ومكث الثالث في فرفار حيث استقر به المقام في هذه البلدة الطيبة التي أقدم أهلها على تزويجه من إحدى كريمات عائلة فطناسي لحفظه وإتقانه الجيد للكتاب الكريم، وليتخذوه إمامًا للكبار ومؤدِّبًا للصغار، وعزم الشقيق الرابع على مواصلة الرحلة مع ركب الحج العائد إلى المغرب .
وبعد بضع سنين قضاها الشقيق الذي بقي في فرفار خادمًا للقرآن الكريم وناصحًا لأهل البلدة، وقد تخرج على يديه أثناء هذه الفترة الجم الغفير من الحفظة والقراء، تحرك بداخله الشوق والحنين إلى مرابع الطفولة والصِّبَا، ولَمْ يستطع مقاومة شوقه ولا مدافعة حنينه، ولعله الاحساس بنهاية الأجل، فَهَمَّ بالرجوع إلى المغرب وتأهب للسفر، وأوصى زوجته الحامل إذا جاءها المخاض وولدت طفلا أن تنشئه التنشئة المثالية، وتجعل منه رجلا فذًّا وتخبره عن أصله وعن الجهة التي قدم منها والده ليرجع إلى موطن أجداده ويتعرف على أهله ويربط علائق المودة بأولي القربى ومن له بهم ماسكة رحم، وإن كانت بنتا أن تعمل على تربيتها التربية الحسنة، وأن تبقيها مع أخوالها، ولكن الزوجة بعد أن شَبَّ طفلها واشتدَّ ساعده لَمْ تعمل بوصية زوجها، لأنها أشفقت على نفسها وعلى ولدها الوحيد، وهي تعلم كل العلم أنها لا تقوى على فراقه، وأن فؤادها سيصبح فارغًا بعده، وكانت ترى في الإقدام على تنفيذ وصية زوجها أنها المسؤولة وحدها على تحقيق هذا الْبَيْنِ الذي لا لقاءة بعده، ومن منطلق هذه القناعات أبقته مع أخواله واكتفت بإخباره بأن والده اسمه : « مغربي « . ومن هذا الْجَدِّ تفرَّعت وتناسلت أسرة « آل المغربي « وتوزَّعت بيوتاتها على نطاق وسيع، وأصبح موطنها هوفرفار تُعْرَفُ به ويُعْرَفُ بها .

 مولده ونشأته ومرباه

وُلِدَ مُتَرْجَمُنَا سنة 1915، وقيل سنة 1913، وهناك من يذهب إلى أنه وُلِدَ سنة 1911 !!!، وهي تواريخ متقاربة شاء الخلاف أن تكون رَجْمًا بِالْغَيْبِ لأنها ظنية وليست قطعية، وهي وهمية وليست يقينية، وهي في نهاية المطاف تفتقر إلى الدقة والضبط . وفقيدنا نفسه يرجح ولا يجزم بصحة تلك الروايات، سمعته مرة يقول : (( ... أظن أني وُلِدْتُ كانت سنة 1915 . ))، وعلى أية حال فإن مواليد ذلك الزمن كانت تواريخ ولادتهم عرضة للظنون والوهام، وخاصة في القرى والبوادي والمداشر النائية بسبب غيبة الحالة المدنية التي لَمْ تكن موجودة أصلا، ثم تحققت في طولقة وفرفار وما جاورهما سنة 1933 بعد قرابة عشرين سنة من مولد شيخنا المرحوم علي مغربي .
وكانت ولادة الطفل علي مغربي في واحة فرفار الخلابة برياضها الناضرات، وسط أسرة ثرية بنخيلها وعقارها، تعتمد على فلح الأرض، وتمارس تجارة التمور، وكان والده الشيخ السعدي من الملاكين الكبار في فرفار، ويدير تجارة في العاصمة من مخزن لتسويق التمور بـ : (نهج دي شان ـ Rue du chene)، وكان نصف نخيل فرفار لأبيه وأعمامه الأربعة وهم : الشيخ العلامة الحاج عمر وعثمان والمختار والحاج سليمان .
وقد رُزِقَ الشيخ السعدي بعائلة كبيرة تَوَزَّعَتْ على ثلاث نساء حباه الله منهن جميعًا بأربعة عشر ولدًا ليس فيهم من الإناث إِلَّا واحدة . وما دمنا نُتَرْجِمُ لفقيدنا لا بأس أن نسرد أسماء إخوته لأبيه، ثم نذكر أشقاءه، لأن والدته مسبوقة بزوجتين قبلها، فمن الزوجة الأولى وُلِدَ للشيخ السعدي : الجموعي، الطاهر، عبد الرحمن، والحاج السعيد . ومن الزوجة الثانية وُلِدَ له : عبد الله ومحمد ومسعود والأخضر وحضرة وأُمُّ هؤلاء اسمها : ( التَّلِّية )، وهي من نواحي عين مليلة، ولعلهم يلقبونها بذلك نسبة إلى ( التَّلِّ ) . ومن الزوجة الأخيرة وهي والدة المترجم له واسمها : ( قيصران حدة ) ومن هذه الأخيرة وُلِدَ للشيخ السعدي : الحاج الحسين والشيخ علي ـ صاحب الترجمة ـ ومحمد وعبد القادر والأستاذ مصطفى .
وكان محل هذا الكُتَّابِ في بيتهم، وكان المُؤَدِّبُ هوعمه الأستاذ العلامة الحاج عمر الذي كان معاشرًا في الحجاز، وعاد مع مطالع القرن الماضي، وبرعاية عمه المذكور تَفَتَّحَتْ آذان براءته الطاهرة على النغم القرآني، وراحت موسيقى الترتيل وطرائق الأداء بوساطة السرد والتكرار تَأْخُذُ بتلابيب عقله وتُداعِبُ سمعه بطلاوتها وعذوبة ألفاظها التي يحملها رجع الصدى داخل آفاق مطاوي النفس . وكانت قراءة القرآن وحفظه متوارثة في بيوتات آل المغربي، ويَنْمَازُ بها أفراد هذه الأسرة التي اشتهرت بالحفظ والتلاوة والإقراء، فضلا عن الدور الرائد لبلدة فرفار التي خَرَّجَتْ أجيالا متلاحقة من الحفظة والقراء، والزاب عموما بجميع مداشره وقراه كله على هذه الشاكلة الحميدة التي غدت ميسمًا خاصا به دون سواه .
يتبع

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19464

العدد 19464

الثلاثاء 07 ماي 2024
العدد 19463

العدد 19463

الإثنين 06 ماي 2024
العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024