صدرت عن دار ببلومانيا للنشر والتوزيع المصرية

قراءة في المجموعـة القصصيـــــة «مـزاج مبهــم» لـ فايزة لكحـل

بقلم : عزة بوڤاعدة

  سأفتح هنا قوسين لأقول بينهما (قرأت الكثير من الكتب لمختلف دور النشر ولم يصادفن تنسيق وإخراج داخلي للكتاب مثلما هو كتاب مزاج مبهم، ببلومانيا تجيد بجدارة صناعة الكتاب... تستمتع وأنت تقرأ في تنظيم يبهرك سواء في نوع الخط أو تلك اللمسات الإبداعية في الصفحات،
شعور جميل ينتاب الكاتب وهو يقرأ كلماته في صفحات جميلة وتنسيق وتنظيم رائعين، وشعور كئيب قد يعصف بكل تعبه حين يخرج مؤلفه في صورة باهتة وبخط غير واضح يشوه صورة العمل،
ما أجمل أن يكون هناك تعاون صادق بين الكاتب ودار النشر في إخراج عمل فني بديع من كل النواحي، هنيئا لفايزة هذا الجمال التنظيمي وهنيئا لجمال سليمان( مدير دار ببلومانيا) بالفوز بهذا المؤلف).
حمل غلاف العمل لوحة فنية رائعة للكاتب الرسام الجزائري رمضان بوشارب عنوانها ظل عمر تضمنت الصفحات الأولى من العمل القصصي إهداء و مقدمة، أما الاهداء فكنت واحدة من أولئك الذين نالوا شرفه ، وأما المقدمة فقد كتبها الكاتب الدكتور إسماعيل دراجي، فأوجز لنا في نظرة عامة ما جاء في المجموعة و كتب قائلا :
لقد كان في مقدورها الإبداعي أن يظهر قبل هذا...
سأفتح قوس آخر هنا لأقول (الكتّاب الذين تأخروا في الظهور هم الأكثر نضجا في الكتابة، وأنت تقرأ لهم تدرك عمق الأفكار التي يغصون فيها والجمال الذي يخلقونه بحروفهم التي ترتدي ثوب التجربة في الحياة).
*مزاج مبهم
عنوان المجموعة القصصية وهو العنوان الأول الذي يصادفك في الصفحة 12
ولأن مزاجي كان بائسا غصت بسرعة في تفاصيل القصة التي تصور لنا البيئة في بومرداس ، سأجيبكم لماذا ظننت هذا، لا أعلم مدى معرفتكم بمناطق بومرداس ولكن بشكل عام هي مدينة صناعية بامتياز و تخفي أكثر مما تظهره، في تلك البيوت الكبيرة هناك صناعات مختلفة سواء غذائية أو نسيجة أو غيرها ، فايزة هنا وضعتنا في محل لبيع الأحذية ولو تعلمون مدا انتشار هذه الصناعة في مختلف مناطق بومرداس،
بطلتنا في القصة شابة تذهب لمحل بيع الأحذية لمشاهدة مختلف الماركات وصاحب المحل شاب حلو الحديث، تصوروا أنها تتحدث معه في مختلف المجالات حتى يظن اي عابر أمام باب المحل أنهما عاشقان وعند مغادرتها تصدمه بقولها (إلى اللقاء يا أخي). فهل تعتقدون أنها تعني ما تقوله أو أنها ليست سوى أنثى ماكرة تضمر أكثر مما تصرح به!؟
نسيت ان أخبركم بأن للأخ الوسيم أخ مقعد يعكف على الجلوس في باب المحل، تعلق قلبه بنفس الفتاة التي يحبها شقيقه ولكن النهاية ستجعلكم تجيدون حركة الأفواه المفتوحة وأنتم تحضرون لم شمل العائلة في المستشفى بسبب مرض الأب !
*الوصية
في هذا النص ، سنعود إلى مقاعد الجامعة و سنكتشف قصة حب لم تسمح لها التقاليد والعادات بأن تنال حظها من الواقع فكانت كما قال البطل :
عندما تكتبينني في قصة أتيقن أنني غادرت قلبك.
*اتهام
تحته نص مؤلم لأنثى فقدت كل شيء أمام مرآتها، تفاصيل حياتية تجعلك تكون القاضي المنشود في هذه القضية،
*بهارات
عنوان جميل جدا لكنت اخترته عنوانا للمجموعة لأنه فعلا مميز،
سنكون في حضرة عائلة جزائرية أكثر ما يشغلها الزواج بين أبنائها ولكن الابن هنا وهو (الروجي) عاد من وراء البحار برفقة (الرومية) فركنت (ليلى) إلى زاوية ملؤها الإشاعة وقد كانت حبيبته وابنة خالته،
قصة تعالج موضوع اجتماعي جعلتني الكاتبة أتصور الجهد الكبير الذي نبذله في محطينا الأسرى والبهارات التي نستعملها في لملمت شتات الصدمة ان فاجأتنا الأقدار بعكس ما نتوقعه.
*مروري إليك
قصة جعلتني أضحك كثيرا وأتصور المشاهد والطريق لأننا داخل الحافلة في بومرداس،
أتعلمون أن الركوب في الحافلات بالنسبة للإناث يشكل تحديا كبيرا أمام الكثير من أولئك الذكور الذين لا يهمهم منك ومن ظروفك و مشاعرك و كيانك شيء ، المهم في أن تكون لهم أنثى ولو كنت عجوزا،
مخالطة المرضى بشكل دائم سيجعلك مثلهم لا محالة، أمام هؤلاء وجب أن تكوني محاربة حتى تصلين إلى رصيف المحطة وهذا ما فعلته بطلتنا.
تقول النهاية : نزلت الجميلة ونزل خلفها الجميع، ولم يبق سوانا نحن الثلاثة؛ السائق والعجوز وأنا... دخلنا بعد ذلك المحطة فلمحتك تبتسم من بعيد.
*رسائل الذكرى
*مشاكسة
عنوانين متشابهة فكرتهما التي تأتي من واقع المجتمع، فالأول يعالج قضايا في شكل رسائل تقرأها الكاتبة، عائدة إلى تصفحها من جديد أما مشاكسة فهي لصبي صغير يكتشف دور والده في تنظيم الحياة المرورية
القصتان مختلفان في الأسلوب فالأولى مباشرة السرد والثانية تسبح في الرمزية.
*وعد من حرير
في النص شاب أخرق صدم بطلتنا بسيارته الفارهة ولكن صدمتها كانت أشد من محيطه الأسرى المنبهر بالسيارة وصاحبها وحسابات أخرى فرضت عليها وعلينا كقراء، لم يعجبني مطلقا ذلك الوضع، فكرت في أن استعير هذا الشاب الأخرق فقط لأصفعه في قصة من قصصي وربما استعير أسرة البطلة أيضا لأصرخ في وجوههم واحدا واحدا (أنتم أناس ماديون جدا).
*أذيال الفرح
هذه القصة ستمنح للعزاب سببا آخر لمواصلة عزوبيتهم وتمنح للمتزوجين مساحة للبكاء على أيام الحرية،
النص يضعنا في مشاهد متفرقة لزواج منته الصلاحية ولكن العادات والتقاليد تجعله خط من الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها،
أبدعت الكاتبة في تصوير المشاهد بجمل قصيرة لها معاني عميقة في النفس. تأثرت هههههه
*أفعى
آه يا إلهي كم هو قاسي هذا العنوان وكم مؤلم النص في تفاصيله، جاءت لغته سابحة في الرمزية تحاكى الواقع المعاش.
سأذكر لكم مقطع صغير يلخصه :
_يزداد الصراخ
_الطفلة جائعة
_اخرسيها رجاء
لا ترد عليه، ينظر إليها متجمدة في مكانها، لا تتحرك وصراخ الأفعى يملأ المكان.
*الزلزال
الكاتب ابن بيئته وفايزة من منطقة عشقها الزلزال كثيرا وكل مرة يقترب لتقبيل معشوقته يخلف الكثير من البؤس والهزات الارتدادية في النفوس والطبيعة ،
جاء في آخر القصة قولها :ليس لنا في هذا الخراب إلا ظلا لم يكتمل تشكيله بعد.
*الرقعة و *جنة أبي و *والإرث
ثلاثة قصص جعلتنا الكاتبة فيهما نختبر أدوارا مختلفة برفقة أبطالها
ولكن سأخبركم أمرا سيلفت انتباهكم أثناء القراءة أن فايزة لها بطل واحد فقط تسميه (عمر) يتنقل فيسأخبركم أمرا سيلفت انتباهكم أثناء القراءة أن فايزة لها بطل واحد فقط تسميه (عمر) يتنقل في العديد من قصصها سواء باسمه المعلن أو دون ذكره، اكتشفت العمق في هكذا نوع من الأبطال الذين يرافقون الكاتب ويختبرون عدة تجارب و بأمزجة مختلفة.
*شريك الحلم مرتين و *الوردة الحمراء
قصتان رومانسيتان غارقتان في المشاعر والعاطفة، تنقلنا الكاتبة إلى دواخل أبطالها و هم في حالة وجودية وشعورية قوية، ستشمون الوردة الحمراء مثلما فعلت ثم تضعونها على قبر وردة ، وفي قصة شريك الحلم مرتين ستنتظرون حلم الفوز بالمسابقة ولكن ستنتظرون إلى ما لا نهاية.
*عيديات عجوز
هي آخر قصة في المجموعة وهي قصة قصيرة جدا،في حبكتها وقفلتها بالإضافة لعنوانها الذي فضح النص و جعلنا نعرف ما ورائه.
ملاحظاتي
*تستعمل الكاتبة الجمل القصيرة في السرد، تعالج مواضيع واقعية بامتياز وكأنها تنقل مشاهد رأتها بأم عينها، البيئة محلية وتحاول اظهارها بقوة في قصصها،
*معظم القصص أتت بلسان انثوي يعالج قضايا نفسية وأخرى اجتماعية
*شخصيات العمل قد نصادفهم في كل مكان، وتبتعد عن ذكر الأسماء بشكل كبير.
في الأخير أقول هناك من يكتب للتسلية وهناك من يكتب تجربته في الحياة.شكرا فايزة عدلت مزاجي بمزاجك المبهم.
شيء لابد من ذكره
توفى شقيق فايزة وعمره تسعة وعشرون عاما وقد كان صديق طفولتها وشبابها الوحيد كان اسمه (عمر) رحمه الله.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024