الشّاعـرة مسعـودة مصبـاح لـ «الشعب»:

أكــتب للوطــن، للأم، الحـــب والأمـل

حاورتها : مُنى باشا

 القصّــة تستهوينــي وكتابــة الشّعـــــر متنفّـــس لي

 النّجومية تتطلّب «أجنحة» للتّحليق عاليا في فضاء الكلمــــة

هي شاعرة عصامية سليلة مدينة الجسور المعلّقة، الرابطة بين أطراف قسنطينة الحالمة فوق صخورها العتيقة، تعلّق قلبها بالشعر واليراع منذ الصغر حتى جُبلت على مداعبة الحرف والكلمة والإبداع في غزلهما شعرا، نثرا، خواطر وومضات. تعلّقت حروفها بالحُب ومشتقاته، وتعلّقت كلماتها بمواعيد مع الأمل، الإيمان والوطن وتفاصيلهما. شِعر مسعودة معين ينبض معاني عميقة، آملة، مؤمنة بالمصير والمشاعر المشتركين مع الآخر وبين أبناء الوطن الواحد، تشع أحاسيسها بشاعرية الأماكن التي تصول بينها ووصلات الزمن الجميل.
يغلب على كتابات الشاعرة مصباح ألوان التفاؤل، الذي يغلف طموحا خفّاقا بجمال المبنى وأناقة المعنى رغم حياة لا تخلُ من أشجان وأحزان. يجد القارئ في نَظم الشاعرة صمودا في وجه إرهاصات اللحظة، وإحباطات الحدث أو تمرد في وجه نكسات وطنية ونكبات الأمة وخيبات أمل. قراءة ممتعة لمعرفة الطفلة مسعودة الشاعرة والآنسة مصباح الكاتبة والإنسانة.

-  الشعب: هل تذكرين أوّل بدايات مسعودة الطّفلة؟
  الشّاعرة مسعودة مصباح: كانت أول الخربشات عبارة عن كلمات بسيطة، وتعبير سهل عن الذات مثل النصوص الإنشائية. كما كان أوّل نظم لي عبارة عن قصيدة عمودية عبّرتُ من خلالها، في ردة فعل، على سلوك إحدى الصديقات. وهكذا بدأت في نسج الشعر محاولة ترجمة أحاسيس تخالجني في خضم واقع الإثارة ووقع التأثر تحت ذبذبات الأعماق التي تصنعها الظروف، وتقاطعنا مع بعض المواعيد داخل المجتمع أو داخل سيرورة مسعودة الإنسانة ذات الحس المرهف والحدس الحاضر بقوة.

- لمن تكتب مسعودة؟ ومتى تكتبين؟
 أكتب لكل شيء..أكتب للوطن، للأم، للحب، للأمل وللتفاؤل، أكتب أيضا حين أغضب وحين أفرح وحين أرى الظلم، أكتب للقضية فلسطين وكل القضايا العادلة..أكتب عندما يصيبني ألم أو أصيب الراحة النفسية، في الحقيقة هناك الكثير من المواضيع تثير الشاعرة مسعودة وتستحق أن أكتب عنها.

-   تكتبين أيضا للوطن والوطن العربي..عن نكباتهما وكبواتهما؟
 نعم لي نصوص مختلفة المواضيع تتكلم عن فلسطين وعن ظروف الوطن العربي في سوريا والعراق، على سبيل المثال..لي نص «الصنوبرة» الذي يتكلم عن سراييفو والحرب التي مرت بها سنوات التسعينيات، فمن نافلة القول أن الشاعر يتأثر بكل الظروف التي تحيط به، وتأثره يجعله يكتب ولأن الجزائر والوطن العربي ساحة لا تخلُ من الصراعات والأحداث والأزمات تجعل من نبض الشاعر يبكي وينتحب، ويعبّر عن ما بداخله من خوف وسخط وحزن وأسف من راهن ينقش في داخلنا آثارا سيئة وأخرى جميلة. كما أكتب لإبداء رأي، وصف حالة ما أو إسداء النصيحة، ولي العديد من النصوص في هذه المواضيع.

- يتخلّل تقاطع متعامدات كتاباتك نفحات كثيرة للأمل وهوامش عريضة للتفاؤل؟
 يستيقظ الشّاعر دائما على نفحات الأمل والتفاؤل لأن ما يكتبه ليس له وحده، فهو للقارئ والمتلقّي المُحب للشعر، نكتب للفرد وللمجتمع أيضا. ومن واجب الكاتب عموما كتابة الرسالة وبعث روح الأمل والتفاؤل للمضي قدما بحثا عن حلول لمشاكل ظرفية وسبل الوصول إليها، كما نكتب لزرع الحماسة والشجاعة و حب الوطن والوفاء.
التفاؤل يأتي من إيمان الشاعر بالقضاء والقدر وحبه للوطن، فكل ما يكتبه ناتج عن ذلك الإيمان، وهو لب القصيد في رأيي.
وما يراه الشاعر ويعيشه هو أو عايشه عبر الآخرين من أوضاع ترغمه أن يترجم بصدق كل ما يخالجه لأداء دوره الرسالي، لذا نجد التفاؤل قائم دائما ما دام هناك إيمان وقدرة على التغيير إلى الأفضل في شتى المجالات، وهذا ما نتمناه لهذا الوطن الحبيب.

- يقال أنّ التّأرجح بين الشّعر والرّواية هو الجري وراء النّجومية؟
 ربما هو الجري وراء النجومية عند البعض، أما عند البعض الآخر لا أظنه إلا حبا في الكتابة النثرية كالقصة والرواية، لأن هذه الأخيرة ليست سهلة المِراس ولها أدواتها وخاصياتها، فلا يتأتى كتابة الرواية كل من هب ودب، لذا نجد الكثير من القصص غير موفّقة.

- إلى أي مدى تتّفق الشّاعرة مسعودة مع هذا الوصف؟
 أتفق معك في هذا الوصف بمعنى الجري وراء النجومية إلى حد ما لأنّ القفز على الطبوع يعني عموما الفشل في الشعر مثلا أو العكس فتجد الكاتب يبحث عن ذاته في لون معين، ولذلك يجب على الشاعر الثبات والتأني حتى يتمكن من امتلاك أدوات الكتابة النثرية وانفجار ملكة الكتابة القصصية لديه، وهكذا يستطيع أن يجاري بين الشعر والقصة.

- درويش نجم بشِعره وأحلام مستغانمي نجمة برواياتها وأحمد مطر بمعلقاته وجبران فيلسوف بعبقرية ومضاته..أين مسعودة من هؤلاء النّجوم؟
  لكل من هؤلاء النجوم إبداعه ولون كتابة يختص به ويتميز به..لكني لا أحسب نفسي كذلك لأن النجومية مسار صعب وشائك، ويتطلب «أجنحة» للتحليق عاليا في فضاء الكلمة. تأثّرت كثيرا بجبران خليل وأحب أن أقرأه، وأول ما تأثّرت به هي روايته «الأجنحة المنكسرة»، التي أخذت من إحساسي الكثير وأثّرت في أيما تأثير لأسلوبه الجميل وكلماته الرنانة والعميقة، وكذلك ومضاته الفلسفية الهادفة.

-  فأين مكانك من كتابة القصّة والرّواية؟
  رغم بعض المحاولات في مجال القصة القصيرة، يمكنني القول أنّ القصّة تستهويني كثيرا لكن أجد نفسي ميّالة أكثر لكتابة الشعر التي أعرفها وتعرفني وأتنفّسها. ربما ألج عالم الرواية إذا تفرّغت لها يوما وحالفتني الظروف لأنّها تأخذ نفسا ووقتا طويلين وجهدا مضنيا. لي عدة أفكار في هذا الصدد، وربما تتحول محاولاتي مع القصص القصيرة إلى رواية أو روايات. حاليا ثمة ظروف ذاتية لازالت تحول بيني وحلم إخراج رواية في حمل كتاب.

-  تبدعين أيضا بومضات قريبة لفلسفة جبران منه للخواطر، أليس كذلك؟
 نعم أحب مثل هذه الخواطر المختصرة الهادفة، وأحب كتابة الومضة وخاصة التي ترمي إلى معنى هادف أو رسالة تكون عميقة القصد، فلسفية الروح وجميلة الأسلوب حيث تصل إلى القارئ بكل أبجديات التأثر والتأثير.

أحب قراءة كل ألوان الإبداع

-  لمن تقرأ مسعودة، عدا جبران الفيلسوف؟ وبمن تتأثّرين؟ ومِن مَن تقتبسين؟
  أحب قراءة كل ألوان الإبداع..أقرأ كل ما يعجبني ويستهويني، وخاصة كما قلت سالفا للملهم جبران خليل، لمحمود درويش، لأحمد مطر وغيرهم، أحب القراءة لهؤلاء. كما أقرأ لكتاب جزائريّين والشاعر الجزائري الكبير سليمان جوادي، تأثرت بهم كما تأثّرت بنزار قباني شاعر المرأة بامتياز.

-   وماذا عن الاقتباس؟
 في الحقيقة لا أقتبس من أحد، فلكل شاعر أو قاص أسلوبه، ولي أسلوبي الخاص الذي تميّزه بصمتي الخاصة.

-  يتردّد في أشعارك عبارات مثل «اللحظة»، «اللّقاء» ومواعيد مع «الغروب»، «المساء» و»الشوق»، ما سِرُّ تعلّق شعرك بالمساءات والأشواق؟
 كل كلمة لها مدلول ولا تظهر في النص الشعري إلا لأنها موجودة بناء وروحا، فاللحظة مثلا هو زمن ولادة النص، الزمن الذي كتب فيه أو تأثّر به الاحساس ويأتي كذلك اللقاء والمساء ،فكل يعبر عن كل كلمة لها مدلول ولا تظهر في النص الشعري إلا لأنها موجودة بناء وروحا. فاللحظة مثلا هو زمن ولادة النص، الزمن الذي كتب فيه أو تأثر به الاحساس، ويأتي كذلك اللقاء والمساء فكل يعبر عن نفسه وخاصة المساء..يشعرني أحيانا بالوحدة فأكتب ما يخالجني حين مناجاة مع الذات.

- وما فحوى ومضات الصّباح «الشروق» و»الاشتياق»؟
 لكل وقت سيماته وخواطره، فالصباح هو الاستيقاظ، هو بداية جديدة بعد سبات الليل وسكونه..كل صباح هو بداية وانطلاق..وهو تحليق متجدد يحمل معه آمالا وتجديد. ولا يأتي الصباح إلا بإشراقة جميلة تشير الى الخير وتبعث على الأمل، الصباح يبعث فينا الشوق إلى كل بعيد..ولعله حمدٌ على عود أو رجوع ما كان جميل.

«اشتياق» ديوان ولادته تعود لحلم شباب

-  حدّثينا عن ظروف كتابة ديواني «ذابت في شراييني» و»اشتياق»، اللّذان حضرت بهما في معرض الكتاب الدولي 2019؟
 لكل منهما ظروفه الخاصة..فأولهما مثلا وأعني ديوان «اشتياق» كانت ظروف ولادته تعود لحلم الشباب، فهو أول إصداري إذ يحتوي على نصوصي الأولى التي تحاكي بداياتي، هو موجود منذ سنوات التسعينيات ويحتوي على نصوص مختلفة، ولكل نص بطبيعة الحال سببه وظرفه. فهناك مَن يتحدث عن العشرية السوداء، منها من يتحدث عن التهميش وظروف المعيشة إلخ..كما يحتوي على نص يتحدث عن وفاة أمي. أما ديواني الثاني «ذابت في شراييني»، فأغلب نصوصه حديثة، وتمتد على مدى السنوات الأربعة الأخيرة، هو يحتوي على نص «الضحية» وقد شاركت به عام 1993 في مسابقة لوزارة الثقافة آنذاك لتأبين الراحل المجاهد «محمد بوضياف»، تلقّيت حينها رسالة شكر من وزارة الثقافة.

-   تعرف السّاحة الثّقافية مؤخّرا حركية أدبية بشتى مؤلّفاتها، ما هي ـ حسب رأيك ـ دوافع هذه الديناميكية اللاّفتة؟
  أكيد هناك دوافع مختلفة وأسباب متقاطعة، منها بروز كُتاب ومبدعين في شتى أنواع الكتابة. إلى ذلك أضيف ظهور إصدارات جديدة ومُختلفة دون نسيان أن بروز دور نشر ساعدت على إثراء المكتبة الوطنية، إن صح القول، كما ظهرت العديد من النوادي الأدبية والثقافية، وكذلك الجمعيات ذات الصلة في مختلف أرجاء الوطن والوطن العربي ساعدت على تنامي هذه الحركية في الوسط الثقافي لا سيما الأدبية وأخص بالذكر الشعر.

شبكات التّواصل جمعت شعراء من مختلف بقاع الأرض

-   وكيف تفسّرين استيقاظ الشّعر في الجزائر كتابة وندوات واحتفاليات شعرية عبر الوطن؟
  الشّعر موجود دوما والشعراء كذلك، وهذا منذ الأزل وسبب استيقاظه هو بكل بساطة تطور تكنولوجيا الاتصال وسهولة التواصل بين الشعراء والمثقفين والمتلقي بصفة عامة ولا سيما شبكات التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك»، «تويتر» و»واتساب» إلخ...هاته القنوات جمعت بين هؤلاء وأولئك من داخل الوطن ومن مختلف بقاع الأرض عبر هذه القنوات الفعالة التي كسّرت المسافات وقرّبت بين الشعراء ودور النشر والجمعيات والنوادي الثقافية، التي صنعت ما نسمّيه بـ «الاحتفالية بالشعر» من خلال أمسيات شعرية ومهرجانات وملتقيات برزت من خلالها مواهب ومبدعين وأقلام راقية..وهذا ما كنّا نتمناه لدفع الثقافة بالوطن الحبيب ورقيها، كما نتمنى التشجيع من وزارة الثقافة وتعزيز دورها في دعم وترقية كل شعابها.

-  كتب الرواة عن الحراك نثرا وروايات، ولم نقرأ للشّعراء قصائد توثّق وتؤرّخ لهذه الانتفاضة الجماهرية ضد منظومة الفساد؟
  لقد حرّك الحراك مشاعر وشاعرية الكُتاب بكل أطيافهم، وقد ظهرت العديد من النصوص والروايات، وحراك مثل الحراك الجزائري، الذي لا شبيه له في العالم، أكيد كتب عنه وغرّد عنه القلم الكثير من النصوص.

-   كيف استقبلتم «ثورة الابتسامة» شعريّا؟
  الأكيد إنّ هذه الثورة السّلمية حرّرت الجميع بما في ذلك الأقلام..ألهمت الإحساس بالعزة ومشاعر الفخر وحركت ما كان ساكنا، فنتج عن ذلك عدة نصوص توثق للحدث المبارك. جادت قريحتي في الموضوع بأشعار مثل «الأمانة»، «عهد خامس» أو «أنشودة الحراك» وغيرها من النصوص والقصائد.

-  وكيف عشت ذلك على المستوى الشّخصي؟
  عشت ذلك ككل فرد جزائري مُحب فخور وغيور على وطنه، حيث شاركت في الحراك كباقي الشعب مطالبة بحماية الوطن ومصالحه من الفساد والمطالبة بالعدالة الاجتماعية، وقد كان لي حدس الشاعر حيث تنبّأت بقدوم هذا الذي يسمى «الحراك» ذات يوم.

-  هل نجد بصمات بركان الحراك في كتاباتك القادمة؟
 نعم هناك عدة نصوص كما ذكرت سابقا تتكلم عن الحراك والوطن، وسيتم تدوينها تاريخيا في ديواني القادم إن شاء الله.

-  هل من حصاد في مسابقات جزائرية أو دولية؟
  نعم ليس حصادا ولكن مسار لا يخلُ من المشاركات الجميلة والتشجيعات الرائعة، داخل الجزائر شاركت في بعض الملتقيات والمهرجانات ومعارض للكتاب، أما على مستوى الوطن العربي كان لي: ــ مشاركة ببرنامج «بيت القصيد»، وهو برنامج تلفزيوني مصري بأجمل نص في جامعة العرب للثقافة والأدب. ــ تحصلت كذلك على شهادة أجمل نص 2019 لإتحاد العام للمثقفين والأدباء العرب.
- حصلتُ على شهادة شرف في مسابقة «عشتار» لإتحاد المثقفين العرب. ــ حزت شهادة تقدير للحضور المميز في الساحة الثقافية والأدبية من طرف «مؤسسة الوجدان» الثقافية التونسية لعام 2019. هذا الى جانب العديد من الجوائز الأخرى .

-  كلمة أخيرة؟
  شكرا جزيلا على ما تبذلونه من جهد لترقية الثقافة والتعريف بالأدباء والشعراء، كما أشكركم على التذكير بدواويني ومساهماتي على مستوى الوطن والوطن العربي. كما أحيّي من خلالكم كل قرّاء جريدتكم الغرّاء، وأضرب لهم موعدا مع صدور ديواني الثالث قريبا، والذي هو في طور الروتوشات الأخيرة، مع تحياتي وتقديري.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024