مسعود شيهوب، أستاذ القانون الدّستوري لـ “الشعب”

الدّستور أملته الارادة السياسية في تعميق الممارسة الديمقراطية وتوسيع الحريات

أجرت الحوار بقسنطينة: مفيدة طريفي

«خصائص التّعديل الحالي أنّه لم يأت نتاج أزمة وإنما لتعميق الممارسة الديمقراطية ولعقلنة النّظام الدستوري وتحديد طبيعته. يفترض أن يكون الأمر هذه المرة متعلّقا بدستور كامل..دستور معدّل تعديلا عميقا بدليل أنّ رسالة الرئاسة إلى الأحزاب والشخصيات لإثراء مشروع التعديل فتحت المجال لكل التعديلات باستثناء الثوابت الوطنية”. هذا ما أكّده لنا مسعود شيهوب، المختص في القانون الدستوري بالجامعة الإسلامية الأمير عبد القادر بولاية قسنطينة في حوار مع “الشعب”، مجيبا على الأسئلة كيف؟ ومتى؟ ولماذا هذا التّعديل الذي شغل الطّبقة السياسية وبات حديث العام والخاص؟

❊ الشعب: ما الفرق بين التّعديلات التي شهدتها دساتير الجزائر؟ وما خصوصية مشروع التّعديل الحالي؟ وما الذي تتوقّعونه سيما وقد شاركتم في تعديلات كانت مرحلية؟  
❊❊ الأستاذ مسعود شيهوب: مبدئيا الفرق بين التعديلات التي عرفتها الجزائر، فرق بين مختلف الدساتير نعرضه على الشكل التالي: دستور 1963 كان دستور أزمة صائفة 1962 والذي في الحقيقة لم يطبّق على أرض الواقع، دستور 1976 كان دستور برنامج، دستور مرحلة الاشتراكية، دستور 1989 كان دستور قانون وإفراغ الدستور من البرنامج الاشتراكي والشحنة السياسية، وبالتالي الانتقال نحو النظام التعددي الحر أو الرأسمالي. حدثت أزمة في التسعينات إثر مرحلة تطبيق دستور 1986 عرفت الجزائر مأساة وطنية ومستجدات جديدة كان لابد من تعديل دستور 1989 وهو التعديل الشهير، هذا ما يعني أن الدساتير السابقة كانت دساتير أزمة، دساتير مرحلة، أما خصائص التعديل الحالي فهو لم يأت نتاج أزمة وإنما تعديل لتعميق الممارسة الديمقراطية ولعقلنة النظام الدستوري وتحديد طبيعته، وبالتالي يفترض أن يكون الأمر هذه المرة متعلقا بدستور كامل أو على الأقل دستور معدل تعديلا عميقا، بدليل أنّ رسالة الرّئاسة إلى الأحزاب والشخصيات لإثراء مشروع التعديل فتحت المجال لكل التّعديلات باستثناء الثّوابت الوطنية.
استشارة واسعة ومقترحات
❊ نرى هذا بوضوح في مضمون خطاب الرئيس بوتفليقة حول تعميق الإصلاحات شهر افريل 2011  وتعديل الدستور في القائمة؟
❊❊ هذا صحيح، خطاب رئيس الجمهورية شهر أفريل 2011، تحدّث عن تعديل معمّق، ولهذا الغرض سيكون من المفيد إجراء استشارات واسعة للأحزاب والشخصيات والمجتمع المدني والفاعليين السياسيين والشركاء الاجتماعيين. إذا صارت الأمور على هذا النحو وكانت اقتراحات التعديلات عميقة وواسعة نبلغ الهدف، ونحن بصراحة لا نعلم ما ستتمخّض عليه هذه الاقتراحات إذا كانت الاثراءات والمقترحات عميقة وواسعة، كان لزاما الذهاب إلى استفتاء شعبي. ورسالة رئيس الجمهورية نفسها تتحدّث عن دستور توافقي، والتوافق لا يحدث إلا عن طريق توافق أغلبية الشعب، حينها فإنّ دستورا توافقيا يكون سهل التجسيد والتطبيق، ذلك بسبب اقتناع ومشاركة الأغلبية في إعداده.
❊ الخلل يكمن في تطبيق مواد دساتير كثيرة مهمّة لحلّ المشاكل في وقتها دون تراكم وما تحدثه من مضاعفات خطيرة أحيانا؟
❊❊ مشكلتنا في العالم الثالث هي عدم تطبيق القوانين وليس بعدم وجودها، السبب غياب الآليات وكذا عدم اقتناع المحكومين بالدستور لعدم مشاركتهم بإعداده، فالتعديلات المعمّقة لابد أن تؤسّس بشكل دائم نسبيا رغم أنّ كل دستور قابل للتعديل لكن بعد مدة طويلة وليس في كل مناسبة أو هزة. المرحلة القادمة تتطلّب دستورا يركّز على الفصل بين السّلطات، بمعنى يعيد توزيع الصّلاحيات بين السّلطة الواحدة لإعادة التوازن، لأنّ الدساتير الحديثة والفقه الدستوري الحديث لم يعد يكتفي بالفصل، وإنما بالتوازن أين نضمن التوازن بين سلطة رئيس الجمهورية والوزير الأول، ويجعل من رئيس الجمهورية سلطة تحكيمية بين المؤسسات يجسّد الدولة ويمثلها يعتبر حامي الدستور بصفة عامة، يجعل من مؤسسة رئيس الجمهورية مؤسسة فوق الصراعات أين البرلمان والحكومة.
وعندما يمارس الرئيس سلطته التحكيمية، فإنّه يوازن بين دور الحكومة والبرلمان، فيتدخّل عندما يلاحظ تقاعسا، يتدخّل أيضا عندما يلاحظ أنّ البرلمان تمرّد وتجاوز صلاحياته فيحلّ البرلمان وهكذا...
❊ هذا على مستوى الهيئة التشريعية كيف سيكون الحال بالنسبة للحكومة؟
❊❊ من زاوية الحكومة ينبغي أن تقوم بصلاحيات متميّزة تتمحور حول تنفيذ البرنامج الانتخابي ورسم السياسة الوطنية الداخلية وتنفيذها، ومن هنا ينبغي أن تكون الحكومة مسؤولة أمام البرلمان ومسؤولة أمام رئيس الجمهورية الذي يعيّنها، مسألة خضوع الحكومة للرقابة البرلمانية مهم جدا، وهي التي تقودنا إلى ضرورة التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، عن طريق آليات يحدّدها الدستور بعضها موجود ويتطلّب التّفعيل وبعضها ينبغي استحداثها في التعديل المرتقب على غرار امكانية سحب الثقة من الوزير انفراديا في حالة عدم اقتناع المجالس بالجواب الذي يقدمه الوزير في قضية ما، وفق آليات المناقشة والتصويت التي يحدّدها القانون العضوي. كما ينبغي تدعيم دور البرلمان وتفعيل مجلس الأمة، وإعطائه حق اقتراح وتعديل القوانين لإعادة التوازن بين غرفتي البرلمان، أي داخل السلطة التشريعية نفسها وتفعيل دور البرلمان بجعل الدورة التشريعية واحدة تمتد على طول السنة من 2 سبتمبر إلى 2 جويلية أسوة ببعض الدساتير الحديثة، وكذلك انسجاما مع فكرة تفرّغ النواب مع العهدة البرلمانية.
الحريات والحقوق معنية بالتّعديل
❊ في رأيكم ما هي المواد التي سيشملها التّعديل في هذه الحالة؟
❊❊ في الحقيقة هذه المواد بغض النّظر عن أرقامها موزّعة على محاور منها متعلّقة بالمبادئ العامة لتنظيم المجتمع بعضها يتعلّق بالدّولة، وبعضها يتعلّق بالحريات والحقوق الأساسية وكذا بتنظيم السّلطة وأخيرا تعديل يتعلّق بالرّقابة بمختلف أنواعها.
❊ ما رأيكم في المشاورات الجارية؟
❊❊ شيء جيد أن تكون هناك مشاورات موسّعة حول الاثراءات الواجب تقديمها لإعداد الصيغة النهائية لمشروع التعديل، وذلك لتحقيق حد أدنى من التوافق على المشروع الجديد، وكلّما كان إجماع زاد من تطبيقه والعمل وفق آلياته، وهو ما تحدّثنا عنه أعلاه.
❊ الدّستور الجزائري عرف عدة تعديلات إلى درجة بروز مخاوف حول الثوابت الوطنية، ما رأيكم في هذا الطرح؟
❊❊ لا أعتقد هذا، التّعديلات التي تمت لم تمس الثوابت الوطنية ولا جوهر النظام الدستوري، ما عدا دستور 1989 الذي عدّل النظام الدستوري في المادة 178 المتعلقة بالثوابت لم يطرأ عليها أي تغيير ما عدا دستور 2008، ثم إضافة إلى عدم المساس بالعلم الوطني والاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة وطنية، بينما ظلّت طبيعة النّظام الدستوري هي هي، والتّعديلات التي وقعت كانت جزئية فقط.
❊ ما رأيكم في مشروع استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية؟
❊❊ مسألة استحداث منصب نائب رئيس هي في الحقيقة تعيدنا إلى مناقشة مسألة السلطة التنفيذية وصلاحياتها، فمنصب نائب رئيس موجود في النظام الأمريكي، على أساس أنّ نائب الرئيس وعلى نفس البرنامج السياسي ومن ثمة نائب الرئيس يواصل في حالة وفاة الرئيس أو وجود مانع لرئيس الجمهورية، وعليه فإنّ منصب رئيس بهذه المواصفات من خصائص النّظام الرئاسي.
في أنظمة رئاسية أخرى يوجد منصب نائب رئيس بالتعيين أو بالانتخاب، وصلاحياته تحدّد من قبل الرئيس، وهنا عندما نطرح السّؤال ونقوم بالإسقاط على الجزائر حول جدوى استحداث المنصب في الدستور، سيكون الجواب مرتبط بطبيعة نظام الحكم الذي نرغب في الوصول إليه، فإذا كنّا نرغب في إقامة نظام شبه رئاسي في هذه الحالة يكون من المفيد تدعيم صلاحيات الوزير الأول وإعادة الاعتبار لوظيفة الحكومة بدلا من استحداث منصب نائب رئيس. وإذا كنا نرغب في الاتجاه نحو الإبقاء على السلطة التنفيذية برأس واحد وهو رئيس الجمهورية يكون من المفيد في هذه الحالة استحداث نائب رئيس فيه تحليل كبير، وهنا يمكن القول أنّ منصب استحداث منصب نائب رئيس غير مفصول فيه.
آليات رقابة تنتظر
❊ كيف ترون مرحلة ما بعد التّعديل الدستوري؟
❊❊ إنّ المرحلة القادمة ستكون أمام نظام دستوري بإمكانه إعادة الاعتبار للسّلطة التشريعية بدعم الحقوق والحريات الأساسية، لاسيما من خلال إضافة حقوق ذات طابع اجتماعي في الدولة الجزائرية، وحسب بيان أول نوفمبر فهي دولة ديمقراطية اجتماعية. ومن جهة أخرى نظام دستوري يعيد التوازن بين السلطات ويعمّق آليات الرقابة على عمل الحكومة سواء الرقابة البرلمانية أو الشعبية أو الدستورية والمالية التي يمارسها مجلس المحاسبة.
ويبقى في النهاية أنّ أيّ دستور كانت قيمته مرهون بحسن تطبيقه، لأنّ النّصوص وحدها تبقى حبرا على ورق إذا لم تجد رجالا ونساءً يتحكّمون في آليات التّنفيذ والتّطبيق والمراقبة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024